آخر تحديث :الإثنين-17 يونيو 2024-09:40ص

ومضات من حادث اغتيال الرئيس الإيراني...

السبت - 25 مايو 2024 - الساعة 05:38 م

د. سعيد سالم الحرباجي
بقلم: د. سعيد سالم الحرباجي
- ارشيف الكاتب




اغتيل الرئيس الإيراني ، أم تحطمت مروحيته نتيجة عوامل جوية ، أم تم تصفيته نتيجة لصراع قوى داخلية ....
كل ذلك لا يمنهي هنا .
الرجل ترك  كرسي الحكم ، وغادر الدنيا ليقلى ما قدمت يداه .

ما لفت نظري في هذا الحادث _ رُغم أنه استهدف رأس هرم السلطة _ هو استقرار الأوضاع  في الداخل الإيراني  ، ولم تحصل أية هزات ارتدادية تعكر صفو المجتمع .

فكلنا نرى ، ونشاهد ، ونسمع ، ونتابع ما يجري داخل أروقة السياسة الإيرانية ، وما يُعتمل في المجتمع ....
هناك انتقال سلسل للسلطة ، وهناك قبول مجتمعي عام لتلك الإجراءات التي تّتخذ نتيجة موت الرئيس ، وهناك خطوات يُعد لها لتطبيع الأوضاع في البلاد هي محل رضا كل القوى السياسية...
تلك الخطوات محددة ، ومزمنة ، ودقيقة ، وحازمة ، ونهائية لا يختلف عليها أثنان .

تأملت تلك الحالة التي تجري  في بلد إسلامي ، وتفكرت  في ذلك الإنتقال السلس للسلطة .
والتي جنبت الشعب الدخول في أتون صراعات وحروب عبثية ....
فشرد فكري بعيداً بعيداً ، وجالت في خلدي أفكار كثيرة كثيرة ، واعتصرت فؤادي  آلام عسيرة ،،،

فقلت في نفسي كيف لو أنَّ مثل هذا الحادث وقع في بلد عربي ؟
فجأة ودون سابق إنذار يضيع رئيس عربي ، ويصبح الشعب بدون زعيم .
كيف يا ترى سيكون حال ذلك البلد ؟
أنا هنا طبعاً أتحدث عن الدول التي تدَّعي ( الديموغلاطية )  عفواً أقصد  الديمقراطية ، ولا أتحدث عن دول الممالك .

لو سمح الله ضاع أحد الزعماء (المشنبين ) فجأة ، وأصبح الشعب بلا زعيم ،،،

ما أكاد أن أجزم به أنَّ العسكر سيعلنون فرض حالة الطوارئ على الفور ، وستنزل المدرعات إلى الشوارع  ، وسيستعد عسكر السلطان استعداداً عالياً ، وستعلن التعبئة العامة في جميع المعسكرات ،،
كل تلك الحركات ( القرعاء ) وكل تلك التدابير السخيفة  ستّخذ .....ريثما يرتب المخرج المحترف المسرحية الهزلية ، ويستدعي الجوقة لتغني بأمجاد الهالك وترحّب بالمنقذ الجديد ، ويجمع كتاب الصحف الصفراء ، والخضراء ، والحمراء. ، وإعلاميي الصرفة للقيام بتنفيذ تلك المهزلة ، وتمرير ذلك الإخراج التافه على الشعب !!

فإذا ما نضجت الطبخة على نار هادئة سيتم الإعلان عن ابن الزعيم ليخلف أباه ( وإن كان لا يزال في فترة الحضانة ) !!
فهناك مطبلون كثر  سيقنعون السذج من الناس ...أنَّ هذا الإبن هو  الأب نفسه  ، هو روحه ، وهو ثمرته ، هو امتداد طبيعي لبركة الوالد ، وأن على الشعب  أن يلتف حوله لأن البلد تتعرض لمؤامرة كبرى، وأنَّ هناك خطراً داهماً يهدد الوطن يقتضي أن تتكاتف جهود الجميع ، وتلتف حول الزعيم الجديد .

وبكل تأكيد سيتم تمرير تلك المسرحية على الشعب ، والذي سيحاول أن يتململ _ مجرد تململ _ سوف تتوجه أصابع الاتهام نحوه ، وسيوصف بالخيانة العظمى ، وسينعت بالتآمر مع قوى خارجية ضد الوطن ...وبكل تأكيد سيكتب ، وسيتحدث كل المطبلين عن هذا الخائن حتى يسوَّقوا المبررات لتصفيته.

هكذا ابتلينا بأسر وبيوتات  تسلطت على رقاب الشعوب العربية لعقود من الزمن  !!!

أسَّسوا لفساد هو في حقيقته شبيه بسرطان الدم ، وأشاعوا ثقافة التبعية ، وعطلوا التشريعات بكل مستوياتها ، وأفرغوا النظم  الإدارية والمالية من محتواها ، وحصروا السلطة بأيدي منتنفذين لا يفقهون أسس الإدارة ، ولا يعرفون روح القيادة .

فحكمت تلك الأسر  البلاد العربية ولا زالت حتى اليوم  وكأن الله قد اختصهم من بين خلقه للحكم ، وعلى بقية الشعب طاعتهم .
والمؤسف أنَّ تلك الأسر تحكم باسم الديمقراطية ، وتقيم مرثونات إنتخابية مبهرجة  ، وتكون النتيجة محسومة سلفاً .
فإذا ما انتهت فترة الدورة الإنتخابية المحددة على سبيل المثال ( بدورتين إنتخابيتين ) طالب المزايدون بتمديد ولاية ثالثة للقائد الفذ ، والزعيم الأوحد ،  لأنه وحده القادر على إدارة شؤون البلد  ، فإذا ما انتهت الفترتان ، إنبرى (ملكيون أكثر من الملك ) ليطالبوا بقلع العداد ( قلع الله أرواحهم ) .
وهات لك هات ،،،
ومع كل مهزلة جديدة ، وضحك على الذقون ...
تتحركت الجوقة ، وينبري إعلاميو الصرفة بالتهليل ، والتكبير ، والتمجيد للزعيم الذي يحمل جغرافيا الوطن فوق رأسه والذي لولاه لكانت البلد في مهب الريح .

هكذا يتم الضحك على الشعوب ، وهكذا تنطلي كل تلك المسرحيات الهزلية على المواطنين ، وهكذا يتم تدجين الناس ...
وهكذا تتعطل التشريعات ، وتلغى القوانين ، ويرمى بالعمل الإداري والمالي  عرض الحائط ، ويتم التشريع للفساد كي ينتشر في كل مفاصل الدولة .

كل ذلك حتى تبقى خيوط اللعبة في يدي ذلك الحاكم الفرد ...الذي يستطيع بجرة قلم أن يهدم المعبد على رؤوس الجميع .   
فتبقى الشعوب أمام خيارات كل خيار أمر من الآخر ...
فإما أن تصبر على الحاكم ( الفرد ) بكل علاته ، وعاهته ،  وإما أن تتحمل نتيجة هدم المعبد !!

إنَّ أشد ما يؤلم في مثل هكذا مآسي ... 
أنك تجد الطبقة التي نطلق عليها ( المثقفة ) 
والتي يعوَّل عليها في تنوير المجتمع، وفي حمل راية التغيير ......هي من تروَّج لمثل هذه الأفكار ، وتحارب  بعنف مع الحاكم الفرد الذي يقبع على كرسي الحكم لعقود من الزمن , ويتصرف هو وحاشيته بأمور البلد ، ويعبث بكل مقدراتها ، وينهب ثرواتها .

هكذا ابتلينا  _ كعرب _ بعبادة الصنمية ... 
كان العرب القدماء يؤلهون الأصنام ...
ونحن اليوم نؤله ( الأفراد ) 
يبدو أنَّ  جينات التبعية  تتناقل جيل بعد جيل .

انظروا إلى جمهورية إيران الإسلامية الحديثة الجار الأقرب إلينا  والتي تأسست عام (  1979م )..
خلال الخمسة والأربعين سنة تعاقب عليها ( ثمانية رؤوساء) أطول فترة مكث فيها الواحد منهم ( ثمانية أعوام ) فقط وغادر السلطة بكل أدب واحترام .
( أنا هنا أتحدث عن النظام ولا أتحدث عن فكر النظام ) 

وبالمقابل انظروا إلى الدول العربية...
سوريا تحكمها أسرة الأسد ( العلوية الشيعية ) 
منذ عام ( 1971م وحتى  هذه اللحظة ) 
الاسد مكث ( 29) عاما وبشار (  24 ) عاماً .
القذافي بقي في الحكم ( 42) عاماً .
حسني مبارك حكم مصر ( 31) عاماً .
عفاش حكم اليمن ( 33) عاماً.
تونس ظل أبو رقيبة في الحكم  ( 30) عاماً ، ثم تلاه بن علي ( 23) عاما .
الجزائر  مكث بوتفليقه في الحكم ( 20) عاماً .
وهكذا هو شأن  بقية الدول العربية .
وكل هؤلاء _  إذا جاز لنا أنْ نسميهم زعماء _ كانوا يهيؤون أبناءهم للحكم بعدهم .

وبكل أسف  كان شعارهم ( إما أنا ...وإما هدم المعبد من بعدي ) وقد فعلوا .

فمتى نتحرر من تبعيةالأفراد ونهدم صنمية الشخص ،  ونوطَّن مداميك العمل المؤسسي ،ونتوق لحكم القانون ، ونتطلع لسيادة النظام ، و نحلم  أن تسود التشريعات التي تضمن  حقوق الجميع .

ليس هناك ما هو أجمل ، ولا أتم من سيادة النظام والقانون الذي تتساوى في ظلاله كل قوى المجتمع ، ويتساوى في فيئه كل أبناء الشعب .