آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-01:37ص

دراما رمضان.. الواقع والمأمول

الجمعة - 08 مارس 2024 - الساعة 12:07 م

خالد شرفان
بقلم: خالد شرفان
- ارشيف الكاتب


ظهرت الدراما مع بداية ظهور الإنسان الأولى، فكان المسرح هو الوسيلة الأولى التي ظهرت من خلالها الدراما طريقها إلى الجمهور في الحضارات القديمة خاصة الحضارة اليونانية، ثم انتشرت في العصور الوسطى وتم ربطها بالطقوس الدينية ثم تطورت عبر الزمن حتى وصلتنا بهذا الشكل، مصطلح كلمة دراما في اللغة تعني الحدث أو الفعل، وكان أرسطو يقول: أن الدراما هي المحاكاة للفعل أو الحدث، أي أنها تحاكي أحداثًا تتحرك وليست أشياء ساكنة، أما إصطلاحًا فالدراما تُطلق بشكل عام على التمثيل والتقليد.

تؤثر الدراما في رمضان على وجه الخصوص في زرع ونماء القيم مع مراعاة الأذواق بل والكلمات واكتساب الدروس والعبر، فكثير من أعمالها تتحول إلى أحاديث بين الناس على اختلاف ثقافتهم، وأفكارًا تتحرك وأساليب تُطبق في المجتمع يتداولها أشخاص كثر حتى الأطفال لم يسلموا منها فتسمّوا بأسماء أبطال تلك المسلسلات وتاثروا بها وما مسلسل الفاتح عثمان إلا خير دليل على صحة ماذكر، فعثمان ينتظر الناس أسبوعًا كامل وبكل لهفة وشوق حتى يطل عليهم بتسجيلّا لمسلسله يحكي قصته.

أما نحن فمع كل موسم رمضاني تبدأ القنوات الفضائية اليمنية في سباقًا محموم على عرض ترويجي لما ستعرضه خلال الخارطة البرامجية للشهر الكريم من برامج ومسابقات ومسلسلات، إلا أن الملاحظ في الأمر أن كل ماسيعرض هذا الموسم لايختلف كثيرًا عن ما تم عرضه سابقًا وقد أكون متسرع إلا المعلن يقول ذلك، فجميعها محشو بالرتابة والسماجة التي اعتدنا على مشاهدتها كل عام.
ومن الغريب أن القنوات تتسابق وتتنافس فيما بينها على الانفراد في عرض مايناسب توجهها السياسي "المبطن" فقط مع اقفالها المتعمدة على شرح وبيان مايمر به المواطن اليمني، حتى الوجوه هي هي
والسيناريوهات والحوار والقصص أيضًا هي هي ماعدا مسميات تلك المسلسلات وبقاء جوهر ولب "توجه القناة" ولايهم من ينجذب أو يتابع تلك الحلقات.

حقيقة هناك جملة من الملاحظات التي يُعاب فيها على الدراما المحلية اليمنية في المجمل، فالجميع متفق على إن بعضها لا تتلمس هموم وشكاوى واحتياجات المواطن بشكل خاص وجوهري وشرحًا مفصلًا لمظلومية والكارثة التي حلت عليه على مدى عشرة أعوام خوالي بشكل واسعًا ومفصل، فنحن لم نعد نشهد أو نحضر مسلسلات رمضانية ذات نكهة مميزة وهادفة (نحط خطين تحت هادفة) وبنكهة وطنية خالصة وبحتة بعيدة عن تلميع وتجميل كل نغيض كان سببًا في المعاناة التي يعيشها الشعب اليمني، وحرصها على إظهار أن الحياة في البلاد وردي وكل شيء عال العال.
للأمانة لم نعد نرى القنوات المحلية تنكب وتهتم في مجملها على بيان وتبيان وعرض وشرح همومه ومعالجة قضاياه ونقلها لذوي الاختصاص بقالب درامي كوميدي_تراجيدي ساخر ومحترف (هادف) بعيدًا على إقحام وإجبار المتابع على الضحك الأصفر والتنكيت البليد الساذج، وإقفال دورها السامي لما وجدت له.

في اليمن كل المواضيع دسمة وبكامل دسمها وبمجرد أن تفتح ملف واحد تناقش فيه قضية ما ستجده بكرًا وخصب،
لذلك دعونا نرى مسلسلات رمضانية يتم فيها عرض قضايا هامة مثل الاختلاس الوظيفي ونهب الأموال العامة والسطو على حقوق الخاصة وقطع الطرقات والممرات وما لحق بالمواطن من ضرر جراء ذلك، والتركيز على قطع الرواتب وتأخرها وغلاء الأسعار وتدني الخدمات وغلاء الأسعار والتهجير والنزوح وغيرها الكثير، مع التحاشي قدر الإمكان على إخفاء المشاهد واللقطات الخادشة للحياء الخارجة عن تقاليدنا واعرافنا اليمنية التي بدأنا نلحظ مشاهدتها في الأعوام الأخيرة الماضية بشكل لافت وتدعو لإيثارة الغرائز بشهر الصوم!.

تنقسم قنواتنا اليمنية إلى قسمين لا ثالث لهما أما حزبية سياسية وأما تجارية صرفة، فأنتج لنا ذلك دراما حزبية مغلفة بنكهة نحن الأفضل، وأما قنوات تجارية كانت غايتها عرض دراما تتوسط منتجاتها الصناعية والتجارية، وكل واحدة منها تنتج وتغذي مسلسلاتها بما يوافق ايدلوجيتها وثقافتها وفكرها الحزبي أو التجاري وبما يعبر عن توجه القناة لذلك "الدّيْدن"، اتمنى من تلك القنوات دون ذكر اسماء
التحرر قليلًا والخروج من عباءة ما وجدت له ولاجله والتمرد الصريح قليلًا والاصطفاف بصف الغلابى بمختلف شرائحهم لكي نشهد دراما صافية خالية من الشوائب العالقة بخلده يجد فيها ظالته مع صدق الرسالة الإعلامية والدرامية في إيصال صوته والتعبير عن رأيه لتكون لسان حاله المسموع، وجدارًا قويًا يستطيع أن يسند ظهره عليه.

ومن نقيض البرامج المسابقاتية المزمع عرضها على بعض القنوات الفضائية والتي قد تصل جوائزها "للحلقة الواحدة" أموال طائلة تصل إلى سيارات وملايين!!، حتى قد يتوهم للمتابع
"الغير يمني" أن المواطن هنا يعيش في نعيم مقيم وفي رغد عيش كريم وفي بحبوحة يحسدوننا عليها الجميع
ولا كأننا في بلد انهكته الحروب الأهلية وتطحنه حتى رمقمه الأخير ولا يجد المواطن قيمة علبة زبادي،
المبالغة في قيمة الجوائز يثير ويبعث على الدهشة والتعجب ويتساءل المرء لِمَ كل ذلك ببلد يعيش أغلب سكانه على المساعدات والهبات!!.

ومن ضمن الملاحظات ولكي لانطيل وفي رسالة أخيرة.. ابتعدوا قليلًا عن التقليد الأعمى للدراما العربية "الخليجية"
(الخيمة والربابة وفناجيل القهوة ووضحة بنت الشيخ حارث والخيل والصحاري وشب النار)، فوضعهم مختلف كليًا عنا حتى وإن كانوا قريبين جغرافيًا منهم إلا إنهم لايشبهوننا ولا يلتقون معنا في العديد من نقاط الخلاف والإلتقاء، فلربما كانت هناك دراما بسيطة سهلة بأرياف اليمن وخالية من التكلف والتعقيد والحبك القصصي قد تؤدي رسالتها بجدارة وعلى أكمل وجه بعشرات المرات من دراما تقليدية مقلدة ومستوردة ومكلفة ماليًا وفارغة جوفاء ارتكزت ركائزها على إبراز ثقافة وعادات وتقاليد أقوام مختلفون كليّا عنا، حتى وإن فضًلها الممثل نفسه بسبب جنيه أرباحًا منها، مع الدراية الكاملة أن هناك ممثلون يمنيون عظماء لا يرضون أن يقدموا ادوارًا لا تشبههم ولا تشبه تاريخهم الطويل الحافل بالمنجزات الفنية.