آخر تحديث :الإثنين-20 مايو 2024-02:06ص

من أنا ؟

الخميس - 07 مارس 2024 - الساعة 03:41 ص

خالد لحمدي
بقلم: خالد لحمدي
- ارشيف الكاتب


لم أكن مفرغاً ذات يوم ولا زلت أتعايش مع الجهل بالتغابي وكثير من الغباء .
حين تكون في بيئة يكتنفها الدجل المقيت والمناطقية والبلادة وكل سيئات العصر وموبقاته الكالحة ، ماذا أصنع في خضم هذه النتوءات والخزعبلات الناتئة ، أموت بصمتي أم أتجاهل وأتظاهر بالبلادة والغباء ، في وطن لا زال يصنع الحماقة في ثياب الطهر وملابس العيد التي تتجدّد كل يوم .

أنا بليدٌ جداً ، وأغبى الأغبياء ، أنا فقير وبائس في وطن جُلُّ رجالاته أغنياء ، أنا ضعيف ومنكسر وقد داس الزيف على صوتي وكبريائي ، فنظرت ضاحكاً إلى طواويس المرحلة وهي ترتدي الحرير وحولها الدجاج صاغرة تبحث عن حبّة قمح ولم تجد سوى الخواء .

أنا بندقية جدّي التي لم أحملها يوماً وتركتها للأرضة ، وحملت قلمي الذي لم يجلب لي علبة سجائر أو حبّة بندول أو رغيف حاف سرقه الجبابرة من أفواه الضعفاء .

أنا الحُب الذي أضعته على شفاه الأغاني والجميلات اللاتي ذبحن الأنوثة
بحثاً عن المال والثراء .
أنا المنهاج الذي درسته على أيدي معلمين لا يجيدون التصنّع ويعملون بإخلاص ووفاء .

أنا الحزب الجديد الذي يمقت التحزّب الأرعن وينبذ العنف وقتل الشرفاء .
أنا اليمن الذي تنازعته عتاولة الفيد والكسب وإمعات الشر والخراب .

أنا الجنوب الذي ذبحه أبناؤه بتجاهل وتناولوه على موائد التشهّي ولم يبقَ منه سوى الضيم والفتات .
أنا الرفاق الذين باعوا الوطن وارتدوا عباءة التكسّب ومزّقوا الماضي وتلفعوا بالذلّة بعد كبرياء .

أنا الوطن الذي يبحث عن تراب أرضه المنسرق وقد أضحى حلم هارب وسراب .
أنا الجنوب المحترق الذي لن يعود وقد حُرقت خرائط مجده ومُحي من قواميس اللغة وأطلس الخرائط .

أنا المرض الذي يستدين دواءه من مشافي الأرض وقد تنكّرت له الأخوّة ووشائج الأقرُباء .
أنا الطفولة المسروقة من أطفال بلادي القابعين على أرصفة التسوّل ومسالك الازدراء .
أنا الحقيقة التي تبحث عن قبر يتسع للحلم وكثير من الرؤى .

أنا ، من أنا .؟
كتاب لم ينفتح بعد ، قصيدة لم تُغنَّ ولم يكترث لكلماتها أحد .
رواية تعدّت الثلاثمائة صفحة، لم تعجب حُكّام بلادي وسُرّاقه المُترفين .
أنا الحزن الذي لم ينتهِ ، الألم الذي لا يكف عن التصاعد وقد أفقدني نومي والسكينة الهانئة .

أنا الليل الذي لا يعر خيوط الفجر اهتماماً ولا يكترث لصوت الديك الذي لا ينام .
أنا الرجل الذي يبحث عن امراة تعشق الشعر قبل العطر ومساحيق الزينة الكاذبة .
أنا الحضرمي الذي ترك خزائن أرضه لسيّارة النهب وقوافل الاستقواء .

أنا الجوع الذي طوّق منازل المدينة وخرَّ لأجله سُجّداً الجوعى والمستضعفون .
أنا الترف الذي لم يستطع إيقافه أحد وظل يهذي بتنطّع وكبرياء .
فليكتب شرفاء وطني وليدعوا التاريخ يقرأ أبجدية الصدق ولاءات العفّة والمحن .
أنا من أنا .؟
أنا من جاء وسيرحل ، عصيّاً على الإدراك والمعرفة في وطن جبان منافق .