آخر تحديث :الإثنين-20 مايو 2024-02:06ص

فجرٌ لم يجيء.. إلى الرفيق اللواء أحمد سعيد بن بريك

الإثنين - 04 مارس 2024 - الساعة 10:38 م

خالد لحمدي
بقلم: خالد لحمدي
- ارشيف الكاتب


كنت محافظًا لحضرموت ذات وقت مضى ، وتعلم جيّدًا كيف كانت تلكم الأيام وتلك المرحلة .
لقد كتبت لك قبل أكثر من خمسة أعوام مضت وقلت لك حينها : بأن ثمّة رؤوسًا تتبوّأ مناصب عُليا و قيّادية في هرم السلطة ساحلًا وواديًا عليك استبعادها ولم تعر رسالتي اهتمامًا .
ولأجل حضرموت وأهلها أقول لك ثانية إن الأمة الحضرمية على حواف جرف سيقع بهم في هوّة سحيقة، وقد صارت الناس تعاني الفاقة والمرض وشظف العيش وانحدار الخدمات وموت الحياة التي صنعها الله على أرض لم تعرف يومًا ذلًّا أو هوانًا مثل ذي الأيام الماحقات العجاف .

نحن اليوم نستغيث بك لنصرتنا وإعادة حقوقنا السليبة، فقد بلغ السيل الزبى، ولم يعهد أو يشهد الحضارمة أيامًا كالحة كهذه ، أو وقتًا كالذي نعيشه اليوم بمرارة وتوجّع شديدين .
الجنوب ينسحق على أيادٍ لئيمة آثمة، وحضرموت تنحو نحو الموت والتلاشي، وقد بحّت أصواتنا ولا مجيب سوى الصدى ، وجفت محابرنا و أقلامنا ولم يبقَ على الورق أسطر كي نناشد ونكتب فجائعنا وتظلماتنا المتلاحقة .
فلتعلم جيدًا أن البزبوز لم ينغلق البتة بعد غيابك ولا زال حتى اللحظة يروي عطش أرواح نهمة خاسئة لم تشبع ولم تكل ، في حين ظل العامة يزدادون فقرًا ويموتون قهرًا وعذابًا لا يطاق .
هل تسمعني ، هل بلغتك أحرفي المغسولة بالقلق والتعب ؟

نحن قوم ولدنا أحرارًا وسنموت كذلك لا يعيبنا أو ينقصنا شيءٌ ولدينا الرؤى والتصوّرات والطموحات الناهضة بالإنسان والمجتمع ولكن ثمّة من يمنعُنا ويعيق خطونا وتقدّمنا بل ويمنع حُلمنا بالنور والحياة الطّيبة الكريمة .
أو تعلم دلالات ومعنى أن يُكسر قلم كاتب وتصادر حُرّيته .؟
أوتعلم كيف تتشكل الطفولة ودواخلها تتطلّع لشراء كتاب رسم أو لعبة وتسأل أهلها شراء ما حلمت وتصطدم بعدم قدرة الأسرة على شراء ذلك الحلم فتصمت حينها وتبكي بصمت وانكسار .
أو تعلم كيف سيؤدي الموظّف الحكومي عمله ، وكيف سيشرح المُعلّم المنهاج الدراسي لطلابه وحقوقه لا تزال مصادرة وسليبة ولم يمنح شيء من مستحقاته المنهوبة السليبة .

أو تعلم كيف تتم التعيينات في المرافق، ووفق أي أنظمة ولوائح أم تتم وفق الولاءات والمحسوبية وصلات القرابة والحزبية العفنة المسيّطرة على العمل الحكومي والإداري المُخلخل المهترئ .
أو تعلم كيف حال المواطن الذي يذهب لشراء كيلو سمك فيجد سعره قد بلغ سبعة الآلاف ريال .
أو تعلم كم بلغ سعر أنبوبة الغاز التي غدت حلمًا لم يستطع أحد تحقيقه والظفر به .
أو تعلم حال الموظّف والطالب والطالبة والمواطن وجميع فئات الناس كيف حالهم وكيف هم يعيشون .
أو تعلم عجز الفقراء والمرضى وعدم استطاعتهم وقدرتهم على العلاج والتطبُّب داخل المستشفيات الحكومية .
أو تعلم كيف وصل الفساد الذي بلغ حدّه وبلغ أقصى ذروته .؟
أو تعلم أو تعلم وووووووووو.

أعي جيدًا ذكاءك وحرصك، وأعلم أنّك لن تخذل أهلًا ينادونك بأصوات شاحبة :
- نحن نموت جوعًا وفقرًا ومرضًا ، هل من منتصر .؟
عذاباتنا لا حد أو طائل لها ، كل شيء حولنا يباب وخراب ، والأمرُّ موت الإنسان بدواخلنا الذي كرّمه الله ، ورفعت من قدره السموات قبل اللوائح والنُظم والقوانين التي صنعها الإنسان ليحيا عزيزًا شامخًا .
ألا أيها الحضرمي العزيز ، أيتها الأرض الطاهرة فلتصرخي عاليًا :
- لقد فقدنا عزّتنا ونعرف جيدًا من ظلمنا وتسبّب في تجريعنا الفاقة والمرارة الشديدتين .
أبا عصام أيها الوفي النبيل ، لاتزال آثار أقدامك موشومة على هذه الأرض التي تحب من يحبُّها وتمقت من يتسبّب في تدميرها وقتل أهلها بحنكة ودراية .
الفقر والجوع والمرض والظلم والتوجّع يُحلّقان في فضاءاتنا البائسة وسحب الدجل والزيف لا تزال تمطر رؤوسنا منذ سنين بالمراوغة والتظليل والكذب ولن تنكر الأرض شيئًا وستشهد بذلك السماء .
سيماننا ذهب واختفى أثره ، وبحرنا على وشك مغادرة بلاده ونفطنا لم ينفعنا بشيء وأرواحنا تموت وتستغيث .

هل من منقذ ، هل من مغيث..؟
في انتظارك أيتها الروح الوارفة بالمحبّة، الناضحة بالحرص وحب البسطاء والمُعدمين .
وإنّي أكتب إليك على ضوء شمعة وقد أحاطت بي العتمة والظلمة الكالحة ، أو هل أنتظر قبسًا يضيء عتمة ليلي المنبسر ، أم أعانق خيوط فجري الذي لم يبزغ وقد انتظرته كثيرًا .