آخر تحديث :الأحد-03 نوفمبر 2024-01:56م

5 حزيران بداية الكارثة

السبت - 04 يونيو 2022 - الساعة 08:58 م
عبدالباري طاهر

بقلم: عبدالباري طاهر
- ارشيف الكاتب


 لكل شعب من الشعوب أو أمة من الأمم نصيب من الانتصار والانكسار، وأمتنا العربية ليست استثناء. كان يوم الـ 22 من يوليو من أعظم أيام الانتصار. في منتصف القرن العشرين حققت الثورة القومية بقيادة الزعيم العربي جمال عبد الناصر إنجازات مصرية وقومية ودولية في مواجهة القوى التقليدية الموالية للاستعمار، وحققت إنجازات نوعية وكبيرة في المجتمع المصري، وعلى الصعيد القومي ساعدت ثورة يوليو على التحرر العربي في الجزائر واليمن الديمقراطية، كما ساندت الثورات الوطنية في اليمن والعراق وسوريا والسودان والخليج العربي، وكانت ركيزة التحرر في القارات الثلاث: أفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية، وأصبحت الـ ج ع المتحدة في قلب العصر الثوري التحرري، وزعيمها ناصر من أبرز قادة وزعماء حركات عدم الانحياز عالميًا.

كتلاميذ لتجربة يوليو ومن رفدها القومي، لا بد وأن نقرأ كارثة 5 حزيران 1967. الخطط التي دونها الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل عن حرب السويس، وحرب أكتوبر، و... و...، و...- عميقة وصادقة، ولكن هل تجيب على كل الأسئلة المتفجرة والمشتعلة حتى اليوم، والمؤامرة الكبيرة التي دونها بوثائق دامغة حاضرة أيضًا.

كتلاميذ وقراء وأبناء للتجربة نرى أن النصر السريع ليوليو أغرى بالتعويل على القوة العسكرية التي كان جانب منها ليس مع التغيير الذي يدعو إليه الزعيم ناصر، ولا مع إرادة الثورة القومية، وكانت جذورهم الاجتماعية ورؤاهم السياسية ليست مع الميثاق السياسي التي سنته الثورة، ثم إن إلغاء الحياة السياسية التي كانت قائمة بالمطلق- رغم المآخذ على حزب الأغلبية الوفد، خطأ فاحش شأن قمع الاتجاهات المعارضة، والتفرد، وجعل حكومة الثورة المعبر الوحيد عن الإرادة الشعبية العامة وكأنها نائبة عنها، وليس مطلوبًا منها ومن الأمة كلها غير التأييد المطلق بدون نقد أو ملاحظة أو قبول خلاف في الرأي، وهذه الخطيئة هي قاسم أعظم ومشترك في الثورة القومية وأحزابها وقياداتها كما يشير المفكر الشيوعي زكي مراد فيما يسميه تبادل الأخطاء. ويبدو أن الأخطاء قاسم أعظم بين تجارب الثورة القومية والأحزاب السياسية بدون استثناء، ويمكن لليمنيين أن يتكلموا عنها كإخوانهم في غير بلد عربي.

كان انتصار مصر انتصارًا للأمة كلها، وكان تأثير تجربة يوليو كبيرًا على أيديولوجيات ومواقف القوى اليسارية وحتى الرجعية كأنظمة وكأحزاب، كما أن هزيمة يوليو في 5 حزيران كانت ولا تزال هزيمة للأمة كلها.

الخطاب السياسي الذي ساد عقب هزيمة 1967 كان سيئًا؛ لأنه اعتبر عدم سقوط الأنظمة انتصارًا، وقلل من خطورة الكارثة، واكتفى بإدانة الرجعية والاستعمار، ووقف عند تخوم المؤامرة، ولم تعالج الأخطاء كما يجب، وكانت إدانة الآخر تبرأة للذات وثناء عاطرًا عليها.

الأدب، والقصة، الرواية، والسينما، والشعر، والمسرح- تصدت بالنقد للهزيمة، وكشف سوآتها، وكان شعراء المقاومة الفلسطينية: درويش، وتوفيق زياد، وسميح القاسم – لحظة إيقاظ، وهناك شعراء عرب كقاسم حداد، وصلاح عبد الصبور، وحجازي، ودنقل، وتوفيق الصايغ، ومظفر النواب، وقباني، والبردوني، والمقالح، وعشرات من الشعراء كانوا في الصدارة، وكان للرواية دور ريادي: نجمة أغسطس، والأقدام العارية، وشيوعيون وناصريون، والقرية المصرية، وعالم صدام، وسرديات عبد الرحمن منيف، وغالب هلسا وغيرهم، وتبقى رائعة البردوني "أبو تمام وعروبة اليوم" من أصدق وأعمق القراءات الإبداعية للهزيمة أو فلنقل لكارثة 5 حزيران 1967، وهي الكارثة والتي لا نزال نعيش فصولها وذيولها كأمة عربية.

خمسة وخمسون سنة على الهزيمة، ولا تزال الأمة العربية تواجه الاستبداد، وتتصدى بالصدور والأقدام العارية للطغيان، وتمثل الانتفاضتان في فلسطين والسودان خطي الدفاع الأول في مواجهة نظام الفصل العنصري في فلسطين المحتلة، ويواجه الشعب السوداني الطغيان العسكري المدعوم من إسرائيل وحلفائها العرب المطبعين، وصوت الزعيم جمال عبد الناصر لا يزال يصدح في سماء الأمة كلها واعدًا بالانتصار.