آخر تحديث :الأحد-16 يونيو 2024-09:02م

العمل الدرامي .. ( أوراق الزمن المر ) قراءة سينمائية فنية لعناصر العمل وثيماتة

الأربعاء - 26 سبتمبر 2018 - الساعة 09:05 م

بسام الحروري
بقلم: بسام الحروري
- ارشيف الكاتب


تعد الكتابة أو التناول لعمل دارمي تراجيدي تلفزيوني كأوراق الزمن المر  أمرا ليس من السهولة بمكان الإلمام بتفاصيله أو الإحاطة بسينمائيته ورمزيته وثيماته من حيث هو قيمة فنية عالية ، قُدِمَ هذا العمل في بداية تسعينيات القرن الماضي ولم تكن وقتها تكنولوجيا التصوير والمونتاج والإخراج قد تقدمت كفاية إلاأنه لايزال يواكب أحدث دراما اليوم بل ويتفوق على كثير منها قصة وحبكة وتقنية وقد أنتجت هذه التحفة الفنية مؤسسة (الذات) للإنتاج والتوزيع الفني بالرياض كما يظهر في بداية الشارة عن رائعة الكاتب اللبناني جوزف حرب تأليفا وسيناريو وحوار

وبتوقيع القدير نجدت إسماعيل أنزور إخراجاً وبإشراف لغوي من الفنان وحيد جلال الذي قام بأداء الدوبلاج لشخصية سيلفر الشهيرة في كرتون جزيرة الكنز وشخصيات أخرى..

حيث قام بأداء الأدوار كوكبة من ألمع نجوم الدراما العربية السورية واللبنانية..

فمن سوريا الفنانة القديرة منى واصف بدور السيدة وصال والفنان فراس إبراهيم بدور عادل والذي جسد دور محمود درويش لمسلسل (في حضرة الغياب)  لاحقا من إخرج بسام الملا ،

كما شارك من لبنان الفنان أنطوان كرباج بدور الدكتور خليل والفنان القدير عماد فريد بدور أبي عادل والفنان سعد الدين مخللاتي بدور أبي كريم وشارك في التمثيل أيضا الفنان بيار داغر والفنانة تقلا شمعون والفنانة آمال العريس ولما قاسم والفنانة جناح فاخوري وعفيفة فاعور وجنى أبي مرشد والفنان نزيه قطان والفنان علي الزين وجان قسيس وحسام الصباح وإدوار الهاشم ومجدي مشموشي وعلي سعد وأمجد  الحسين وحسين شحادة وماريان فرح وباتريك مبارك وإيمان بيطار وآخرون.

حيث جسد النجم المتألق عمار شلق دور (وحيد) ولعب دور البطولة مناصفة مع المغنية اللبنانية جوليا  بطرس التي جسدت دور راغدة ويُعد الظهور الأول لها في مجال الدراما وربما الأخير ،وتتجلى براعة التأليف والتوزيع  الموسيقي لدى مؤلف وموزع الموسيقى التصويرية الفنان سمير كويفاتي من خلال شارة المقدمة والختام حيث استعان بجوقة من الأصوات النسائية المبهمة في تبايناتها مابين الأداء الأوبرالي والهمهمة إلى جانب الموسيقى الإيقاعية بما يتناسب والجو العام للعمل وكذا توزيع الموسيقى التصويرية من خلال استخدام بعض الأدوات الموسيقية ذات الطابع الشرقي والمجسد لروح الطبيعة الأم، كالعود والناي والقانون بماأن معظم  مشاهد القصة تدور أحداثها في الطبيعة وقد تم تصويرها  في الريف اللبناني تحديدا،  وسعى كويفاتي في التوزيع الموسيقي  من خلال تنويعاته التي تتسق مع حيثيات المشاهد وخصوصيتها إلى خلق وشائج وجسور للموائمة مابين المرئي والمسموع وهكذا يفلح في إقناع عقل المتلقي قبل وجدانه فينساق الأخير في تماهيه حتى يغدو جزء من تفاصيل المشهد  فتارة يفرح مع مشاهد الفرح وأخرى يحزن في مشاهد الحزن وهكذا دواليك.

وبطبيعة الحال فإن   كويفاتي غالبا لايحبذ الإسهاب والتكرار من خلال موسيقاه ،لكنه يحرص على توصيف حال ما ولمس محتوى المشهدية ومغزاها بأنامل الروح قبل الحواس الأخرى من خلال الموسيقى الوامضة المختزلة للحزن والأسى وأحيانا الفرح عبر نغمة العود وهي الومضة الموسيقية المشبعة بكوامن الإحساس وبما يضفيه هذا التكثيف  من قيمة إنسانية نبيلة ، وفي الوقت ذاته تعد نظرة استشراف وتأملات ثاقبة وسابرة لعمق المعنى الذي يمخضه الحدث وماتمليه تداعيات الموقف ومن هنا يبدأ المشهد أو يُختتم  بنغمة عود ذات رنة حزينة ولمرة واحدة دون تكرار ، وبالرغم من أن الناي ينماز في نواحه بصبغة الحزن إلا أن كويفاتي وظفه لصالح الأرض في بعض المشاهد كاستلهام سيمائي ذكي منه وبمعاني متباينة السمات لصالح الأرض كالعزم والهمة والأمل مصحوبا بإيقاع خفيف من خلال مشاهد الفلاحين وهم يُعمِلون معاولهم في الأرض ومشهد تجوال راغدة على دراجتها الهوائية عبر الحقول في استعراض بنورامي للطبيعة، لكنه بالمقابل (أي الناي) يستبطن الحزن والأسى في مواطن مختلفة وهنا تكمن مهمته الأساسية كالمشهد الذي يظهر فيه وحيد وخالته وهو يحاول إطعام أمه التي أصيبت بالجنون بعد موت أخيه وهي تجلس ساهمة خارج البيت دون كلام  فلا يفلح  في إقناعها لتأكل.

أما البيانو فكان له حصة من التوزيع الموسيقي في بعض مشاهد المدينة باعتباره آلة فخمة وأنيقة ترمز للمَدَنية

وتوحي بدلالاتها إلى الوجه الآخر للمدينة ومادياتها وهذا مابدا واضحا في المشاهد التي تعبر عن الأمور النفعية والوصولية  وعقد الصفقات والجشع والثراء والمؤامرات كما لم يستثني كويفاتي في توزيعه المشاهد  الأروستقراطية في التعبير عنها بنغمات البيانو ، كجلسة الدكتور خليل وحديثه مع عائلته عن الإرث ووكالة أملاكه في صالون  بيته المزين بالتحف والأثاث الفخم أو في بعض الاجتماعات في مشفاه الخاصة أو  جلسات العمل وهذه المشاهد كلها في المدينة، لكن لم يمانع كويفاتي من أن يرافق البيانوا بنغماته بعض المشاهد المشحونة بالتوتر والقلق أو التدبير لمكيدة ما

في القرية أيضا ..

ولعل التناغم السيميائي

(الصوتي /البصري) بين النص

( السيناريو والحوار ) والإخراج والتوزيع الموسيقي قدّمَ ثيمات العمل في إطار إبداعي متكامل حد الإبهار من خلال طرح بعض الرؤى والأفكار الفلسفية التي طُعِّمَ بها الحوار لاسيما  إبراز قيمة الأرض كثيمة أساسية  والتشبث بها ومالها من سمات دلالية في صميم الذاكرة الجمعية وهذا ماكان يبدو جليا من في كثير من المشاهد خاصة أحاديث بطل القصة وحيد مع شبان قريته قبل شيبانها.

فيما كانت الفصحى السهلة الممتنعة هي لغة العمل وقريبة إلى قلوب العامة قبل الخواص أو النخبة..

ويأتي دور المخرج في انتقاء العنصر الأنسب والمتقِن للدور المناط به، خلفية لها أبعادها ودلالاتها في تقديم  الصورة التي طبعها المخرج في ذاكرته البصرية من تخيُّل المشهد متبوعا بعناصره كما شاهده في لاوعيه  وهي سمة لاتتوفر لدى كثير ممن يمتهنون الإخراج

كذلك التجلي السينمائي في بعض المشاهد كمشهد سقوط الجدر الذي كان يُتبِعه أنزور  نهاية مشهد ما كإشارة إلى حصول شرخ في النسيج الإجتماعي أو تجاوز ولاأقول سقوط  مبدأ أوقيمة اجتماعية راسخة في العادات والتقاليد المتبعة في الريف مثلما حصل في مشهد رفع صوت عادل على والده أو كدلالة على تداعي مشكلة بين أصدقاء أو أقارب وكذلك مشهد موت الدكتور خليل زوج السيدة وصال عندما وضعت السيدة وصال يدها على مسند أو مقبض الكرسي وتشبثت فيه مبتهجة فور علمها بموت زوجها الذي كان عقبة بينها وبين ملذاتها في إشارة إلى أنها ستمارس سطوتها وتتصرف بحرية كسيدة من الطبقة المخملية أو الأروستقراطية إن جاز التعبير، بالمال الذي سترثه عن زوجها وستصرفه على بذخها وملذاتها دون رقيب ،

وهكذا يضع أنزور لبنة راسخة ويبتدع طريقة من خلال بصمته التي يؤسس بها مدرسة خاصة به في عالم الإخراج

ومهما بلغ أي عمل قيمة إبداعية عالية أوقارب حدود الكمال إلا أنه من الطبيعي أن تظل هناك بعض الهنات والمثالب التي يترصدها النقاد و تؤخذ على مسلسل أوراق الزمن المر كمشهد موت الدكتور خليل حيث لم تكن ابنته راغدة مقنعة وموفقة كفاية في البكاء على والدها ولاأدري هل اكتفى المخرج بهذا المشهد دون إعادة أم أنها لم تستدعي طاقة الحزن الكامنة التي بات حضورها ضروريا في هكذا مشهد لتقنع المشاهد بجو الحدث إلا أنها تتباين أراء النقاد ووجهة نظر المخرج في الطرح وختاما يظل هذا العمل الفني فلتة من فلتات التسعينات رغم أن قصته لم تأتِ بجديد في موضوعها الذي يتناول صراع الخير مع الشر.. لكن التجديد في التناول والمغايرة في الطرح

قدم العمل بهذا المستوى الفني العالي والراقي .