آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-06:10ص

ملفات وتحقيقات


(تقرير) .. المواجهة الاقتصادية بين السعودية والإمارات.. كيف ستنعكس على ملف الأزمة اليمنية؟

الأربعاء - 14 يوليه 2021 - 11:35 ص بتوقيت عدن

(تقرير) .. المواجهة الاقتصادية بين السعودية والإمارات.. كيف ستنعكس على ملف الأزمة اليمنية؟

(عدن الغد)خاص:

تحليل يرصد مآلات المواجهة الاقتصادية والخلافات السياسية المفتوحة بين
السعودية والإمارات.

لماذا اعترضت الإمارات على السياسة النفطية السعودية بعد عقود من الرضا؟

ما الهدف من استنساخ السعودية الكثير من الخطط الاقتصادية من تجربة الإمارات؟

هل تمارس الإمارات استعراضاً لقوتها السياسية والعسكرية الصاعدة ضد المملكة؟

لماذا تسعى المملكة لمنافسة الإمارات وأخذ حصة من كعكتها في أسواق الشرق
الأوسط وأفريقيا؟

كيف باتت السعودية تتخذ قراراتها سريعة المفعول دون تنسيق مع الإمارات؟

هل تهدد الخلافات السياسية المتصاعدة بين الجارتين بتقويض أسس مجلس
التعاون الخليجي؟

السعودية والإمارات.. منافسة أم صراع!

(عدن الغد) إبراهيم محمد:

تبدو الرياض وأبوظبي أمام مواجهة اقتصادية شرسة بعد بدء الأخيرة بالرد
على الخطوات السعودية التي تهدد مكانة الإمارات الريادية في الخدمات
والسياحة. كيف تبدو عقباتها وأضرارها على علاقات البلدين التي شهدت أشهر
عسل طويلة؟.

تتجه الخلافات المتصاعدة التي ظهرت إلى العلن بين حكام السعودية
والإمارات نحو مزيد من التصعيد في المجال الاقتصادي بعد التوترات
السياسية المتزايدة بين الطرفين. أبرز فصول هذا التصعيد مؤخرا رفض
الإمارات لاقتراح قدمته السعودية وروسيا من أجل تمديد الاتفاق القائم
حالياً بين دول تحالف "اوبك بلاس" حول إنتاج النفط. إذ تطالب الإمارات
بتوزيع حصص الإنتاج بشكل أكثر عدالة حسب وزير النفط الإماراتي سهيل
المزروعي. غير أن وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان يستغرب
الموقف الإماراتي ويتساءل عن "سبب سكوت الإمارات سابقاً" عن التقسيم
القائم للحصص. ويقضي هذا التقسيم بخفض الإنتاج الإماراتي بنسبة 18
بالمائة مقابل خفض سعودي بنسبة 5 بالمائة.

اعتراض إماراتي غير مسبوق

في الواقع وكما ذكر وزير النفط السعودي أن الإمارات لم يسبق لها خلال
العقود الأربعة الماضية أن اعترضت على السياسة النفطية السعودية التي
حددت مسار منظمة أوبك على مدى عقود. ومن هنا يرى مراقبون بأن الموقف
الإماراتي يشكل تحدياً غير متوقع للسعودية واستعراضاً جديدًا للقوة
الإماراتية السياسية والعسكرية الصاعدة.

الرياض تستنسخ مشاريع إماراتية

يأتي تحدي أبو ظبي لإرادة الرياض في خضم قرارات وخطط تقول الأخيرة أنها
تهدف فقط إلى تنويع مصادر الدخل في إطار الرؤية الشاملة "رؤية 2030"
للأمير محمد بن سلمان. غير أن الكثير من الخطط تبدو استنساخاً لتجربة
الإمارات. فمشروع بناء مدينة "نيوم" على البحر الأحمر يُذكر بمشروع بناء
مدينة "مصدر" في أبو ظبي. ويبدو مشروع الجزر السياحية السعودية في البحر
الأحمر على غرار مشاريع الجزر الإماراتية في الخليج.

أما خطة السعودية لتحويل المملكة إلى "مركز طيران عالمي" بتكلفة تصل إلى
147 مليار دولار فتذكر بمحاولة اللحاق بتجربة دبي التي أضحت أهم مركز
للسياحة والسفر في الشرق الأوسط. وسيعني تنفيذ هذه الخطط منافسة قوية
للإمارات وأخذ حصة من كعكتها في أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا. ويساعد
السعودية على ذلك سوقها الأقوى في العالم العربي ونفوذها السياسي. وإذا
ما ترددت الشركات والتجار والمستثمرين بالمجيء إليه طوعاً فإن سياسة
العصا والجزرة ستحاول إجبارهم على ذلك.

سياسة العصا والجزرة لجذب الأعمال

سياسة العصا والجزرة ظهرت على سبيل المثال عندما أعلنت الرياض أنها ستمنع
الشركات المتعددة الجنسيات من الحصول على العقود الحكومية ما لم تنقل
مقراتها الإقليمية الرئيسية إلى الرياض حيث تحظى بالكثير من الإعفاءات.
ويشكل هذا القرار تحدياً خطيراً للإمارات وخاصة لإمارة دبي التي تتمركز
فيها فروع هذه الشركات. ويزيد الطين بلة أن القرارات السعودية السريعة
المفعول تحصل دون سابق إنذار وتنسيق مع الجارة الشقيقة التي قيل حتى عهد
قريب عن شراكتها مع الرياض بأنها استراتيجية وتقوم على المصالح
المتبادلة.

على سبيل المثال جاء قرار التعليق المفاجئ لسفر السعوديين إلى الإمارات
أوائل الشهر الجاري بحجة حمايتهم من وباء كورونا بين ليلة وضحاها بشكل
أدى إلى توقف الرحلات الجوية بين البلدين خلال أقل من 48 ساعة. ومما
يعنيه حرمان الإمارات من ملايين السعوديين الذين يتدفقون سنوياً إليها
للسياحة وحرمان شركات طيران البلدين من عشرات الملايين من الدولارات
أسبوعياً. كما يعني تراجع تدفق الاستثمارات السعودية إلى الإمارات
والإماراتية إلى السعودية إلى مختلف المشاريع بقيمة تصل إلى مئات ملايين
الدولارات سنوياً.

وقبل أيام عدلت الرياض قوانين الاستيراد من دول مجلس التعاون الخليجي
باستبعاد المنتجات التي يتم إنتاجها في المناطق الحرة بعمالة أجنبية
كاملة من الاتفاق الجمركي لمجلس التعاون الخليجي. ويعني هذا القرار ضربة
قوية للإمارات التي يعتمد اقتصادها على المناطق الحرة أكثر من أي دولة
خليجية أخرى. كما أنها ثالث أكبر شريك تجاري للسعودية بعد الصين
والولايات المتحدة كونها المركز الرئيسي لإعادة تصدير المنتجات الأجنبية
للسعودية. وعلى سبيل المثال استوردت الأخيرة ما يزيد على 7 بالمائة من
وارداتها من الإمارات وعبرها بقيمة تزيد على 10 مليارات دولار في عام
2019 حسب مؤسسة التجارة الخارجية والاستثمار الألمانية.

مواجهة مفتوحة تهدد بعواقب وخيمة

تبدو الإمارات والسعودية اليوم في منافسة، لا بل مواجهة اقتصادية مفتوحة
قد تبدو عواقبها وخيمة عليهما وعلى منطقة الخليج. وستكون هذه المواجهة
أكثر سخونة وشراسة مع بدء الإمارات بالرد على الخطوات السعودية. ويزيد من
تبعات الوضع سوءا إن لم تقم المنافسة القادمة على تكافؤ الفرص أو على
التنسيق المشترك، ما يعني من جملة ما يعنيه أن على أبو ظبي القبول
بالتخلي عن جزء من الكعكة التي بحوزتها لصالح الرياض.

غير أن الأخيرة لن تتمكن من حرق مراحل التطور في هذه الظروف الصعبة
واللحاق السريع بالإمارات التي ستحاول الحفاظ على مكانتها الاقتصادية من
خلال تقديم مزيد من الاغراءات والامتيازات التي يصعب على السعوديين
تقديمها والابقاء على مشاريعهم الجديدة مجدية في نفس الوقت. ومع الاحتقان
السياسي المتزايد بين حكام البلدين الذين يحكمون بشكل شبه مطلق سيتم هدر
الكثير من المال في تلميع صور المشاريع واستنساخها دون مبررات اقتصادية.

حق السعودية في المنافسة.. ولكن؟

في هذا السياق وعلى ذكر الجدوى من الصعب من ناحية العقلانية الاقتصادية
فهم تركيز الرياض على إقامة مشاريع سياحية تشبه مشاريع الإمارات بتكاليف
تصل إلى عشرات المليارات، في وقت يمكنها فيه تعزيز سياحتها الدينية
والوصول إلى استقطاب 30 مليون سائح بتكاليف أقل بفضل الحج والعمرة. ومن
الصعب أيضاً فهم الاصرار على صرف 500 مليار دولار لبناء مدينة "نيوم"
الجديدة في الوقت الذي لا يوجد فيه ما يشير الى نجاح مشروع مدينة "مصدر"
الإماراتية مقارنة بالأهداف المعلنة منه. كما أن استثمار ولو قسم من هذه
الأموال في المدن السعودية القائمة يمكن أن يحولها إلى أفضل مراكز العلوم
والتكنولوجيا وحاضنات الأعمال.

لكن وفي كل الأحوال من حق السعودية تنويع اقتصادها ولو من خلال المنافسة
مع الإمارات وغيرها، غير أن ذلك ينبغي أن يقوم على التنسيق ووضع إطار
مشترك يضمن منافسة تساعد على التكامل بين البلدين بدلاً من التباعد
والحروب التجارية والخدمية بينهما. ومما شك فيه أن اتجاه الأمور بالشكل
الذي نشهده حاليا سيعني أيضا خسائر كبيرة للسعودية التي سيكلفها التوجه
إلى أسواق بديلة للسوق الإماراتية تكاليف إضافية باهظة يصعب تقديرها. كما
سيعني تهديم ما تبقى من أسس مجلس التعاون الخليجي على ضوء الخلافات
السياسية المتصاعدة وبعد فشل خطوات استكمال السوق المشتركة واعتماد عملة
خليجية موحدة.