آخر تحديث :الإثنين-06 مايو 2024-12:03ص

ثقل الحمل ولا حل

الثلاثاء - 27 فبراير 2024 - الساعة 11:15 ص

عبدالجبار ثابت الشهابي
بقلم: عبدالجبار ثابت الشهابي
- ارشيف الكاتب



عبدالجبار ثابت الشهابي

منذ طفولتنا؛ رضعنا الأمانة، وعزة النفس؛ مع مارضعناه من حليب أمهاتنا، وكانت المرأة الأصيلة؛ وهي تربي أبناءها على عزة النفس؛ تطعم صغارها ماتوفر لبعلها، أحيانا مااكتنزته من قشر السنابل مع قليل من الحبوب، التي تطحنها بمطحنتها، ويكون هذا هو يوم عيد حقيقيا، لأن الأغلب قد يكون في كثير من البيوت مسحوق الرغيف اليابس، المائل للخضرة، المليء بالفطريات، أو عصيدة من أوراق (الحلص) المخلوطة بقشر (الدجرة) أو قشر الذرة الخشنة.
هذا كان غالب طعامنا في الأرياف إن وجدناه، وفي المدن مازال غالبية أولاد الفقراء يتذكرون علاقتهم الحميمة مع (الروتي الباسي) والشاي الأحمر، وأحيانا مع الماء القراح، عندما لايجدون الشاي الأحمر.
ومع ذلك؛ ياويله، وسواد ليله من تسول له نفسه التقاط شيء من الطريق، من نقود، أو ذهب، أو فضة، ولو كان بقدر لايذكر.. يضرب، ويتم توبيخه، وفوقها يؤمر بإعادة ذلك المال إلى حيث كان.
هذه كاتت شيمة الناس الفقراء، من كل الفئات، وحتى كبروا، وصاروا رجالا ونساء، ولا تستغرب بعد هذا إن قرأت خبرا عن رجل كان يعمل جنديا في أمن الدولة في ذلك الزمان، وذكر الخبر أن هذا الرجل وجد يوما في طريقه مئة ألف دولار كانت تنتظر على قارعة الطريق، أمام أحد الفنادق بالتواهي عودة صاحبها (الدبلماسي) الأجنبي، الذي غادرها ثملا، فأخذها، وسلمها لقيادته، التي أخذت المبلغ، وأعادته لصاحبه؛ الذي جاء للموقع بعد ساعات، عندما طارت السكرة، ولم تكن هناك قمرات، ولا أجهزة متطورة، سوى ذلك الضمير الحي، والأمانة، وعزة النفس.
طبعا لادخل لهذا يلون، او جنس الٱدمي، فقبل فترة بسيطة من الٱن؛ بلغنا أن أحد عمال النظافة، في أحد منافذ البلد، وتحديدا عدن؛ وجد ثروة طائلة، بداخل كيس، لم يره أحد، ولا القمرات، لكن ذلك الشيء الجميل في أعماقه كان يراقبه، لم يتركه حتى سلم ذلك المال، بعد أن علم بوجود صاحبه.
هكذا تربينا، على الأمانة، والصدق، لانستطيع أن نسرق، لانستطيع أن نغش، لانستطيع أن نحتال، أو نلف وندور، وقد مر العمر، ويكاد ينتهي المشوار عما قريب، وهاهو عسكري أمن الدولة، الذي كوفئ برتبة جندي أول، والذي مازال يفتخر بإنجازه هذا، مع أنه
قد لايعرف راتبه طريق الوصول إليه شهورا كاملة؛ هذا الٱدمي مازال، وغالبية ذلك الجيل يناضلون بشرف للوصول إلى لقمة(روتي) مغموسة بالشاي الأحمر، فهل يدرك المسؤولون، وهل تدرك حكومتنا الرشيدة مانحن فيه من العناء اليوم، وقد جعل البعض نصيبنا من الحياة الجوع، ورمونا نحو خيارات لم نترب عليها.
لقد غدا الإنسان منا لايكاد يصل حتى إلى حقه من الراتب الذي يشبغ جوعته؟! ولا حتى إلى أكذوبة الراتب الذي يرفضون تعديله، والعدل فيه.
فبالله عليكم!! ماذا نفعل، ونحن لم نتعلم منذ صغرنا كيف نسرق؟! ولا كيف يقلب الانسان يديه في هذا الزمان ليعيش؟!
الٱن بعض البشر ققدوا عقولهم جراء هذا الغبن، وبعضهم ماتوا كمدا، وبعضهم في الطريق.. سدت أمامهم السبل، وأظلمت الدنيا، ولم يبق لنا من حل سوى أن نذهب إلى المزابل لمقاتلة الكلاب على عظام موائد اللصوص، أو الجلوس مع من سبق على عتبات أبواب المساجد.. أو فاسعفونا حفظكم الله بحل نافع، يخفف الاختناق والمواجع، ققد صرنا غير قادرين على الاحتمال، بل صار الحمل محال، والحال أثقل من الجبال على الرجال.