آخر تحديث :الأحد-19 مايو 2024-04:10ص

تعميم تربية عدن الذي قصم ظهر التعليم

الإثنين - 26 فبراير 2024 - الساعة 12:42 م

عارف الضرغام
بقلم: عارف الضرغام
- ارشيف الكاتب


مما لا شك فيه أن التربية والتعليم هي أساس تطور المجتمعات وازدهارها، وكثير من الدول قديمًا وحديثاً نهضت وتطورت من نقطة الصفر، ولكنها ركزت اهتمامها على التربية والتعليم وأعطتهما الميزانيات الكبيرة واهتمت بالمعلمين وأعطتهم أعلى المراتب والمرتبات، فكاد المعلم لديهم أن يصبح رسولا، فصارت تناطح السحاب في كل مجالات الحياة.

وبلادنا مازالت تنظر إلى التربية والتعليم نظرة استعلاء، وما زالت تعتبرهما مهنة دنيا وشيئاً من توافه المهن، ولذلك فإن دول العالم كله في تقدم، ومازالت بلادنا تسير إلى الوراء، ولذلك فإن الهوة التربوية والتعليمية تزداد بيننا وبين دول العالم، حتى أنه لينظر إلينا نظرة ازدراء، لتخلفنا عن الركب نتيجة تقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة وتقديم المقربين ولو كانوا فاشلين وإعطائهم المناصب المهمة على حساب العامة من الناس من المؤهلين لهذه المناصب، ما يجعل الأمر أكثر تعقيداً وأخطر على مستقبل البلد وشعبه.

ولعل ما نراه حالياً من تدهور العملية التربوية والتعليمية في بلادنا.. هو نتيجة معلومة لمثل هذه السياسات الهدامة التي تنتهجها الحكومة ممثلة بوزارة التربية والتعليم ومكاتبها التربوية في المحافظات والمديريات.

الأمر جد خطير.. وحكومتنا لا تعطي أمر التربية والتعليم حقه من التركيز والاهتمام، وهذا الواقع انعكس تأكيداً على مخرجات التعليم التي لا شك أنها ستكون بمستوى هزيل لن يفيد البلد ولا أهله، ولن يرفع من شأن وطننا الجريح الذي أثخنته الحروب والمعارك وتقاذفته السياسات الخاطئة خلال مراحل طويلة من السنين.

لن نذهب بعيداً ولن نطيل الحديث في أمور قد تطالنا وتصيبنا في مقتل ونذهب في سين جيم، وعواقب وخيمة لن تحمد عقباها.. في زمن يتم فيه اغتيال السباع، ويتم فيه تكميم صريح اليراع، بل سنحاول وضع النقاط على الحروف في قضية بذاتها، بعيداً عن شطط القول وحفاظاً على أرواحنا من عبث العابثين.. ونستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ونسمي بالرحمن الرحيم.

أما بعد..
إن معشر التربويين المعلمين في بلادنا يعانون أشد المعاناة من ضيم الحكومات التي تعاقبت في حكم البلاد، وساد الإحباط بين صفوفهم، وأصبحوا غير قادرين على تنفيذ المهام التي أوكلت إليهم بسبب شظف العيش ومرارة طبيعة عملهم وشعورهم بعدم اهتمام الحكومة بشريحتهم، الأمر الذي انعكس على أدائهم تجاه طلابهم.. فما يحصلون عليه من مرتبات هي الأدنى، وما يصادر عليهم من علاوات هو الأطغى، وما يعانونه من تهميش هو الأقوى.. فإلى اين الفرار، وما هي الحاضنة التي يمكن اللجوء إليها في زمن سادت فيه القسوة وتم فيه تغييب الضمير، سوى الله العلي القدير.

ولا مندوحة من القول إن التعميم الذي أصدرته مديرة التربية والتعليم بمحافظة عدن بوقف المساهمة المجتمعية كان بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، وبهذا التعميم قصمت ظهر التعليم وأصابته في مقتل.. ذلك بأن معظم المدرسين والمدرسات في المدارس الحكومية هم من المتعاقدين الذين يعتمدون في الحصول على مرتباتهم على المساهمة المجتمعية، وإذا توقفت المساهمة المجتمعية ستتوقف مرتبات المدرسين المتعاقدين، وبالتالي سيعلنون الإضراب ومن ثم ستتوقف الدراسة وسيتضرر الطلاب الذين سيجدون في الشوارع ملاذاً لهم، وإن نجوا من الشوارع وخباياها فلن ينجوا من أوكار الحبوب والمخدرات.. فهل أنتم مدركون مآلات ونتائج هذا التعميم وعواقبه الوخيمة، أم أن القرارات تصدر على عواهنها ودون اعتبار لأي عواقب.

وإذا ما ضربنا مثلاً على هذا التأثير السلبي في مدرسة بئر أحمد للبنين، فإن هذه المدرسة تضم بين جوانبها 50 معلماً ومعلمة، الاساسيون منهم 20 بينما المتعاقدون 30 فكيف ستكون المعادلة إذا ما تم توقيف المساهمة المجتمعية عن هؤلاء الثلاثين؟!

منحة المحافظ التي لا تزيد عن 28 ألف ريال لعدد منهم لا تسمن ولا تغني من جوع، بينما المساهمة المجتمعية تكاد تغطي جزءًا من هذه المرتبات ومبالغ لا تفي بالغرض، وأولياء الأمور الذين التزموا بدفع المبالغ الرمزية توقفوا مؤخراً عن دفعها انطلاقاً من هذا التعميم، رغم الجهود التي يبذلها كل من رئيس اللجان المجتمعية ومديرة المدرسة لثنيهم عن ذلك، والمعلمون والمعلمات من ذوي التعاقد يهددون بالإضراب عن العمل لعدم حصولهم على مرتباتهم الزهيدة لشهر يناير وهي - كما قلنا - مبالغ متواضعة عبارة عن 40 ألف ريال لمعلمي الثانوية و30 ألف ريال لمدرسي التعليم الأساسي.. ومن سيلزم هؤلاء المعلمين والمعلمات المتعاقدين والمتعاقدات بتدريس الطلاب، وهم وأسرهم يتضورون جوعاً لعدم دفع مرتباتهم التي لا تساوي شيئاً في ظل الأوضاع المعيشية الحالية الصعبة.. وها هو شهر فبراير تكاد أيامه تصل إلى نهايتها دون بصيص أمل في الحصول على مرتبات يناير..
وها هم المعلمون يلوحون بالإضراب.. فماذا أنتم صانعون يا تربية عدن..
وهل توقعتم هذه النتيجة..
وهل لديكم البدائل..
أم أنكم ستظلون متفرجين على هذا الوضع الذي أوصلتم المعلمين والطلاب إليه؟!
وأمام هذه النتيجة الوخيمة لتعميمكم ماذا أنتم فاعلون؟