آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-11:47ص

مفارقات عجيبة في عملية طوفان الأقصى

الثلاثاء - 09 يناير 2024 - الساعة 04:50 م

علي ناجي عبيد
بقلم: علي ناجي عبيد
- ارشيف الكاتب




بقلم اللواء الركن علي ناجي عبيد


منذ بداية تسعينيات القرن الماضي شُنت عدة حروب في هذا العالم كان نصيب الوطن العربي والشرق الأوسط بشكل عام وفلسطين بشكل خاص النصيب الأكبر...
أول تلك الحروب التي غيرت بمفاهيم علم وفن الحرب التاريخية كانت حرب الخليج الثانية بتحالف دولي تجاوز الواحد وثلاثين دولة إثر غزو العراق للكويت والتي شكلت بنتائجها النكبة الرابعة للعرب.(سنتطرق إلى تلك النكبات في حلقة قادمة). أهم متغيراتها أن التمهيد الناري بكل الوسائل الجوية والصواريخ من الأرض والجو البحر والمدفعية إستمر لأكثر من أربعين يوما في الوقت الذي كان يقاس بـ أربعين دقيقة وثاني المتغيرات دخول طائرات بدون طيار ولكن لغرض التشويش والتعمية على الردارات العراقية، أذ أطلقت في اللحظات الأولى حوالي أربعة ألف طائرة مسيرة.

تلتها حرب صيف 2006 في لبنان (حزب الله ـ إسرائيل ) أهم متغيراتها تمكن حزب الله بوسائل لا ترقى إلى مايمتلكه العدو من مواجهة الجيش الإسرائيلي في حرب مواجهة على الأرض وتكبيده خسائر فادحة لجأ فيها الأخير إلى تدمير البنية التحتية لجمهورية لبنان والتي يهدد في تكرارها في هذه الحرب .
تلك الحرب أنهت مقولة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر.
خاضت حركة حماس ومنظمات مقاومة فلسطينية بعدها عدة حروب شكلت تمارين واقعية لطوفان الأقصى مواجهة العدوان الاسرائيلي التي تكاد تختتم شهرها الثالث لجأ فيها الاسرائليون إلى حرب إبادة غير مسبوقة.

من أهم مفارقاتها وغرائبها وعجائبها التالية:
1..في عصر المعلوماتيّة والاعتقاد بأن لا شيء يخفى على أجهزة الاستخبارات للدول العظمى حليفة إسرائيل بالاضافة إلى تلك الهالة المنتشرة حد الأسطورة عن جهازي الاستخبارات الصهيونية الخارجي الموساد والداخلي الشاباك فقد أثبتت المقاومة تحقيق ما كان مستحيلا في التصور بحفظ سرية الاعداد تحت الحصارة والمفاجأة في التنفيذ الذي أصاب العقل الصهيوني بالشلل ومعه حلفائه.
2.. المفاجأة الثانية بحكم الشلل الذي أصاب العقل الصهيوني خرج عن عادته المعروفة بالإهتمام كثيراً حد المبالغة بمن يؤسرون من قواته ومواطنيه وحتى جثثهم أو أشلاء منها والتضحية بهم بجنون ما أثار على حكومته الشارع الداخلي.
3.. عرفنا من الحروب السابقة العربية الإسرائيلية والفلطينية الصهيونية حملات جسور جوية بالعتاد والسلاح واشطن تل أبيب لكن أن ينظم جسر جوي من الزعامات الأمريكية ــ الغربية إلى تل أبيب لإظهار الدعم الفج لحكومة متطرفة فهذا من الغرائب وهي الهادفة إلى الدعم النفسي للحكومة الاسرائلية وجيشها اللذان فقدا التوازن وذاقوا طعم الهزيمة.
إنها إلى جانب جسرين جوي وبحري غير مسبوق وإعلامي منحاز من قبل إمبراطوريات إعلامية أمريكية غربية شكلت إنقاذاً حتى غير متوقع من الصهاينة أنفسهم.
4.. إلى جانب تلك الجسور تحركت ولأول مرة في تاريخ حروب المنطقة حاملات الطائرات (حاملات أمريكيتان) بالاضافة إلى أحدث الغواصات النووية إلى شرق المتوسط بالقرب من شوطئ غزة وأساطيل إلى البحر الأحمر خليج العرب ضد منظمة مقاومة شعبية.
هذا ما عبر ويعبر عن خوف وهلع أمريكي غربي يعكس شدة الخوف والهلع الإسرائيلي.
5.. تخاذل فلسطيني سلطوي ( السلطة الفلسطينية) غير متوقع وصل حد توجيه النقد للمقاومة الذي توقعنا أن يتأخر على الأقل إلى ما بعد حرب الإبادة الإسرائيلية.
6.. تخاذل عربي رسمي غير متوقع حتى لدى الصهاينة وتسابق أنظمتها الاسلاموية والعلمانية إلى الوساطات.
7.. رفض عربي للتهجير القسري إلى غزة ولم نسمع رفض الحرب بذاتها والفرق بينهما كبيرا الناجم عن أثر أي منهما. مع العلم أن الابادة الجماعية للسكان وتدمير كل وسائل الحياة في غزة هو عين التحضير لهجرات طوعية.
8.. تقارب وتعاون بين قوى سياسية دينية ( شيعة ـ سنة) يكفر بعضها بعضا... إيران حزب الله، أنصار الله الحوثيين، الحشد الشعبي في العراق ومنظمات شبيههة في سوريا كلها تدور حول الفلك الإيراني ما يشكل ظاهرة جديدة تستعصي على الفهم.
9.. والأعجب تعاون إسرائيلي أمريكي مع منظمات تدعي الإسلام السني الحق كماتقول (إرهابية) بمختلف المسميات ضرب الجيش السوري والمنظمات المساندة للمقاومة الفلسطينية والمنشآت المدنية الحيوية على رأسها المطارات إلخ وتعلن عملياتها دون مواربة أو خجل.
10..دعوة أعظم قوة عسكرية في العالم إلى تشكيل تحالف دولي لحماية الملاحة البحرية في باب المندب ضد مليشيا تشكلت حديثا في صنعاء.
11.. العالم يطالب في هذه البسيطة بوقف الحرب والابادة الجماعية وينبري الرئيس الأمريكي وإدارته والمستشار الألماني ورئيس الوزراء البريطاني وغيرهم بالرفض بشكل متكرر وبلا خجل. كيف لذي عقل أن يفهم ذلك ؟.
12.. دفن أنظمة الدول المدعية للحرية والديمقراطية لتلك المبادئ المدعاة دون أدنى حذر بوقوفها إلى جانب إسرائيل بوقاحة.
13.. نهوض صحوة ضمير عالمية في شعوب العالم ضد مواقف تلك الأنظمة وعلى رأسها شعوب أمريكا وأوروبا مما يدل أن العالم ما بعد حرب غزة ليس ما قبلها.
14.. ترسخ السير العالمي على طريق نهاية سيطرة القطب الواحد على هذا العالم المترامي.
15.. الكل حريص على ألاَّ تتوسع الحرب خارج غزة، ألا يعني ذلك حرصا على أمن إسرائيل؟؟.؟!!!.
16.. عاش العالم العربي والإسلامي بشكل عام وبشكل خاص المقاتل العربي المشارك في الحرب ضدالعراق عام 1991م عندما استهدف العراق بالصواريخ تل أبيب إذكان المقاتل العربي يهتف الله أكبر عندما يرى ذلك الاستهداف وبنفس الوقت يوجه سلاحه ضد الجيش العراقي.حاليا يعيش نفس الفصام هذان العالمان بما فيهم الزعامات وهي بكاملها تقريباً في حالة خصام مع حماس إلا أنها تنظر بإعجاب لتلك المقاومة وتتألم لما يعانيه الشعب الفلسطيني.
17.. نفس القوى المساندة للمقاومة الفلسطينية من خارج فلسطين في الوقت الذي تستجيب فيه لمشاعر الشعوب فهي في حالة خصام بل وتدمير لشعوبها؟؟؟؟؟!.
18.. صمود أسطوري للمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في المواجهة البطولية لحرب إبادة غير مسبوقة والتشبث بالأرض. شكل ويشكل مدرسة جديدة في علم وفن الحرب ومثالا لصمود الشعوب المناضلة من أجل حقوقها المشروعة وضد آخر أشكال الإحتلال الإستطاني.

*إن إهانة كرامة العرب (أنظمة وشعوب) على حد سواء. وزير الخارجية الأمريكي يقول بصراحة إن كل من قابلناهم من العرب يطلبون وقف الحرب " لم يقل يرفضون الحرب " ونحن نرفض وقفها)، في الوقت الذي فيه تتواجد المصالح الأمريكية والغربية بيد العرب وليس بيد إسرائيل والرئيس الأمريكي يقول بكل بساطة ( لو لم تكن إسرائيل لصنعناها لحماية مصالحنا دون أدنى إعتبار للعرب ومعهم المسلمين).
أليس في ذلك دروسا عوبر لكل ذي عقل ولو كان صغيرا.
المسألة تكمن بإستغلال الخلافات العربية وحروبهم المدمرة لأوطانهم وقتل وتهجير وإهانة مواطنيهم.
لم تعد للعربي قيمة في هذا العالم على ما يقدم له من خيرات.
الأمر يتطلب مراجعة سريعة من أصحاب القرار العربي ملوكا ورؤساء وزعماء ومفكرين لمعالجة ذلك الفصام ووقف الخصام بينها ومع شعوبها.
سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه من يبادر إلى التنازل من أجل المصالحة البينية ومع الشعوب.
فهل ستقدم اليمن بقواها المختلفة المتحالفة والمتخاصمة مثالا يحتذى به؟
*
الخبير العسكري والإستراتيجي
اللواء الركن
علي ناجي عبيد
عدن
31 ديسمبر 2023