آخر تحديث :الأحد-03 نوفمبر 2024-12:21م

مفاهيم السلام ومحور العلاقات السعودية.

الجمعة - 05 يناير 2024 - الساعة 10:01 ص
منصور الصبيحي

بقلم: منصور الصبيحي
- ارشيف الكاتب


بالرغم ما قطعه التطبيع بين المملكة السعودية وإيران من شوط متقدّم أنعكس على تقارب اقطاب الصراع اليمني الرئيسين بالتفاهمات، إلا أنه لازال يحرص الحوثيون على توصيف المشهد بالطريقة التي بدأوا بها أول مرة عند انطلاق عاصفة الحزم 2015م وكأن شيئاً لم يكن من هذا القبيل، فالعبارة التي ترددت مرارًا وتكرارًا على مسامع الجميع واصفة السعودية بالعدوان المدعوم أمريكييا وبريطانييا تجري رطبة على لسان الوسط الإعلامي وجهابذة السياسة لديهم ولم تعتدل وتتغير مفرداتها بشيئ حتى الآن. 

من بعض ردودهم مثلاً على أسئلة القنوات التي تفتح لهم منابرها حال تعرضهم لعمل عسكر عدائي من قِبل ما سمي بحلف حارس الإزدهار في خليج عدن والبحر الأحمر بقيادة أمريكا، هم يعودوا للوراء يكيلونها تشويها وتعريضًا وبقولهم: ((الأمر ليس بجديد علينا فنحن من قاومنا هذا العدوان ولازلنا نقاومه إلى اليوم فمائة وخمسون الف طلعة جوية شنّت علينا لم تزدنا إلا ثباتًا وقوة وسيهزمون كما قد هزموا ثم يولون الدبر ويعودون صاغرين)). 

وعلى اساس ذلك ثمة أسئلة تطرح نفسها عن المحصلة النهائية من المصالحة المرتقبة... وهل هي مثمرة بالمستوى المطلوب للمملكة للتحوّل من شريك في الحرب إلى وسيط ينأى بنفسه عن أي تبعات أخلاقية مستقبلًا جراء تدخلها في الشأن اليمني لصالح الشرعية بمقابل الحوثيين أنفسهم ثم عادت تدفع للتقارب معهم؟. وعلى ضوء المستجدّات الراهنة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتكثيف الهجمات على  الملاحة في البحر البحر الأحمر عن مدى نجاح فرص السلام والمقاربة بين الفرقاء اليمنين واستمراريتها بهذا الشكل؟ وهل ستنجح أم سيكون مصيرها مصير ما سبقها من اتفاقيات وخرايط طريق بدءاً بالمرجعية الخليجية وآليتها التنفيذية وصولًا لمشاورات الرياض؟. 

فالتهمة المباشرة بالتخوين والعمالة للأمريكان والتي لطالما حافظوا عليها طويلًا جاهزة، ويبدو أنها لن تسقط لديهم عنها مهما كانت الإغراءت والتنازلات التي ستقدّم لهم، وكأننا أمام تطبيق رقمي مبرمج على فكرة محددة وهي معاداة السعودية لا توحي افعلاله وتلميحاته التخلّي عنها ولا يمكنه التكييف مع ما تفرضه الوقائع ولأحداث من تطورات حتّمت على الأخيرة أن تسلك طرقًا مغايره ومتعرّجة بموجبها. 

 واحدًا من تلك تراجع إعتماد العالم على النفط والتوجّه لبدائل أخرى أقل ضررًا وكلفة على البيئة بما سينعكس بالتأكيد مستقبلًا سلباً على اقتصاد المملكة.. ومن منطلق ما قطعه العالم من شروط وتعهدات وذلك على هامش مؤتمرات المناخ المتتابعة أخرها cop28 وتشدد دول الغرب الفاعلة في هذا الجانب وهم الآن بصدد اتخاذ تدابير تقلل من حجم الانبعاثات الدفيئة المتسببة في الاحتباس الحراري تمهيداً للوصول إلى صفر كربون في غضون 50 عام، لذلك لم تعد السعودية ترى في الغرب شريكًا تقليديًا معتبر والعكس، وعلى المدى المنظور قد يتحولان إلى خصمان لبعضيهما البعض وهذا ما يدفعها لتغير نهجها لاكتساب دول المنطقة لا اكتساحها. 

وإن كانت المسألة تصبح بأبعادها المختلفة اكثر إيلامًا للسعودية باعتبارها صاحبة اكبر احتياط نفطي في العالم ولسبب واحد: فهي لم تستغل عوائد التصدير الهائلة لإرساء دعائم نهضة صناعية واقتصادية حديثة بالمستوى الذي يمكّنها من الصمود في وجه التحديات المستقبلية، إلا أنها أيضًا للغرب هي كذلك ليس على ما يرام. 

فهناك "الصين المنافس الشره تقف على الحافة الأخرى في انتظار مزيدا من تصدّع علاقات الجانبين، وتعتبر الذهب الأسود كشراب الكوكاكولا إسوة بخامات أكثر ضرراً على البيئة وهي تمثل عصب التنمية لديها كالكربون الحجري مثلاً، ومن منطلق الهم المشترك مع من تتوقع فيهم حُلفاؤها المستقبليين هي بدأت تحتسيه الآن نَخَبًا يروي ظمأها الطويل ولا تبالي بالنتيجة، إذ تحتسب كل ما يساق من مخاطر مجرّد تضخيم من طرف الإمريكان ومن يقف خلفهم بغية عرقلة نموها المتسارع واصبح عن قريب بسبب ما يحققه من فائض مرتفع يشكل هاجس من الرعب لديهم ليس إلا. 

  وكإستدراكا لفتوة الشباب والعصر الذهبي لها السعودية وقبل أن تغلق الصين هي الأخرى أبوابها على وقع ضغط التغيرات المناخية المتسارعة ويحل الوهن ضيفًا طويل الإقامة، وباعتبارها مهندسة سياسة المنطقة ورائدتها الأولى من يقع عليها اللوم الأكبر في حال تراجع دورها ما يزيد من هامشية العرب عالميًا، كل ذا دفع بها إلى إتباع إستراتيجية تعاضد أمني موسع تتسق مع مصالح العرب القومية تشمل اعدائها و اصدقائها على حدٍ سوأ. 

 والموقف الذي بدأ يتبلور نجاحًا للقضية الفلسطينية مجبرًا الأمريكان معارضة مشاريع إسرائيل المعلنة في غزة، هو نتاج واقعي لذات التموضع الجديد الذي نحت إليه بمفردها واختطته اقتصاديًا كملاذ آمن اعتقادًا منها ستجني ثماره المنطقة برمتها. 
.