آخر تحديث :السبت-11 مايو 2024-12:11م

حينما كان المدرس مربيا!

الثلاثاء - 29 أغسطس 2023 - الساعة 11:55 ص

نبيل محمد العمودي
بقلم: نبيل محمد العمودي
- ارشيف الكاتب


 

في صف أول ثانوي في ثانوية الفقيد عثمان عبده مرت علي إيام كنت فيها في غاية الحزن لمشكلة حدثت في حياتي تخص ناس أهتم لأمرهم بشدة...
كنت بسببها على غير العادة كثير الصمت منعزل عن الأصدقاء..
ما أن يدق جرس الإستراحة حتى أنطلق إلى ذلك الركن خلف المدرسة ولكن داخل الدرب الذي يحيط بها، كنت أهرب إليه من كل شيء حتى أشعر بتيار من الخدر المبكي يسري في جسدي..
وكنت على ذلك الحال لمدة يومين تقريباً..
لم أكن أعلم أن هنالك من يلاحظني و يتابعني فقد كنت شبه مفصولاً عن محيطي..
في مثل هذه اللحظات يكون الطفل الشاب في أضعف حالاته و من هنا يتم إصطيادهم من قبل الذئاب البشرية من تجار مخدرات و غيرهم من خفافيش الظلام..
ولكني و لله الحمد الذي نجاني كنت في مجتمع رغم عيوبه فهو يفوق في نواحي عدة مجتمع اليوم..
و أحد تلك العوامل كان المدرس الذي لم يكن يلقنك التعليم بكل أمانة و نزاهة فقط بل و يربيك و يهتم لأمرك..
جأتني إلى ركني الشديد الست زرينة إسماعيل أستاذة الكيمياء الله يرحمها و يعفو عنها و يغفر لها..
قالت لي نبيل تعال أمشي معي إلى الإدارة..
ونحن نمشي كانت تسألني مالذي أصابك إيش فيك يا أبني؟! و أسئلة قلقة كثيرة..
لم أكن ارد عليها بل أمشي معها حتى وصلنا الإدارة..
لم يكن هنالك أحد بعد أن غادرت المديرة حين وصلنا وكأنهما كانتا متفقتان على ذلك..
و بدأت تقول كلمات حفرت في ذاكرتي كلمات من ذهب لن أنساها..
كلمات تتدفق مع حنان أم عظيم..
كلمات كنت اتذوقها و أستشعر دفئها و حتى الأن و أنا أكتب لازال صداها يرن في مسمعي و الدمع يترقرق في عيني..
قالت شف يا إبني..لا داعي ان تخبرني بما فيك ولكن يجب أن تثق أن المشكلة مهما كانت فأنها لن تدوم و أن مستقبلك أراه بسبب مستوأك و إمكانياتك كبير..
المستقبل أمامك..
و قالت لي أعلم أن هنالك ناس كثير يحبونك و أن إستسلامك لمشكلة و هزيمة نفسك ستضرهم قبلك..
وقالت يا إبني لا تضيع نفسك فصدقني أن هنالك لدى الأخرين مشاكل لو أخبرتك عنها لسخرت مما عندك مهما تظن أن مشكلتك ليس لها حل...
لا تدع حد يحرف مسارك ويسقطك و تضيع فهنالك هي المشكلة الحقيقية..
قم و شمر عن ساعدك..
المستقبل أمامك...
وكثير من التحفيز و النصح كانت تقوله بكل إحساس و مشاعر  حتى أني ظننت أنها كانت تنفخ في قلبي عاصفة من المعنويات والسعادة...
لقد برحت كل أحزاني و أنتهى كل شيء.. 
لم تبتسم إلا حين رأتني أنظر في وجهها و أبتسم و قد زال عني كل ألم..
هكذا كان المدرس إلى جانب تفوقه العلمي فهو مربي إيضاً..
ومع ذلك هذه الأستاذة الرقيقة الطيبة و مثلها كثير كانوا جادون لايمزحون حين يتعلق الأمر بالتربية والتعليم..
لم يكونوا يسمحون لك بالغش لم يكونوا يستظرفوا أنفسهم على حساب دراستك..
لم يقف أحدهم في باب الفصل أثناء فترة الإمتحانات ليراقب اللجنة متى تصل حتى يحذرك وينبهك ان تتوقف عن الغش بقوله اللجنة وصلت..
لم يكن احداً منهم إلا من شذ يقف معك في ركن يتعاطى معك الدخان او القات
هؤلاء كانوا هامات تحملت على عاتقها مسؤولية و لم تخنها..
فياليت مثل روح هذه الأستاذة الله يرحمها ويسكنها فسيح جناته أن تنغرس في قلوب (أساتذة) اليوم ونرى جيلاً مسؤولاً يكمل الطريق..