1 -
لا أظن أحداً قضى عمره - أو ردحاً منه - في صنعاء ، في امكانه أن يعشوشب ذهناً وفضاء مع أعمال ارنست هيمنجواى أو حنَّا مينا . فصنعاء جبل بلا بحر ، ورصيف بلا ميناء . بَيْدَ أن المرء في عدن - مثالاَ - أو الحُديدة أو المُكلاَّ ، لقادر على أن يعيش أجواء تلكم الروايات التي نسجها هذان الروائيان من رمال الشاطىء وأصدافه ، وزَبَد البحر وأمواجه ، وصدى العاصفة ينشقّ في قلب المحيط الهادر عن عروس أُسطورية تنام على ضفافه الدافئة ، مزدحمة برنين الذكريات وأنين الصواري وحنين العذارى .
سئمتُ الاقامة في صنعاء من دون بحر .
سئمتُ القراءة في صنعاء من دون موج .
سئمتُ الكتابة في صنعاء من دون هدير .
فما أشدَّ شوقي - يا صنعاء - لصيرة وجولدمور والغدير !
أريد أن أصطاد فكرة ، لا محارة .
أريد أن أبني نصَّاً ، لا عمارة .
أريد أن أتسلَّق غصن زيتون أو ريحان أو جُلّنار .. في مدينة ينبت القات في أحجارها ، وتُثمر في أشجارها عناقيد القار !
لا لبلاب في البحر يتمطّى ، ولا نيون .
وفي صنعاء استشرت ديدان النايلون ، على أغصان البرتقال والليمون !
أشتهي أن أُصلِّي صلاةً بَحْرية .. أحُجُّ الى شاطىء لازوردي .. أطوف بساحل العشق الأبدي .. وأعود مُبللاً كعصفور الندى .. مُكللاً بالحريق والمطر .. ومُظللاً بالعواصف والخطر .
فاعطني يا صديقي بحراً ، أُصلِّي لصنعاء دهراً .
اعطني صَدَفة أُوشوشها وأنفخ فيها صور العشق الأعظم .
فمن دون صَدَفة واحدة ، ومن دون حبة رمل ، ومن دون زَبَد يرغي في فمي ، أرى صنعاء جهنم .
دَبَّ الجدب فيَّ ، واستشرى القحط الأرقم .
وناءت بكلكلي صخور الوادي اللاهث الى قطرة ماء ، من زمزمية كانت أو زمزم .
2 -
هنا ،
حيثُ نامت بلقيسُ
على حَجَر الخُـــرافه .
وانهمرتْ بهاراً
من رماد الرقص
واندلقتْ قهوةً
لم يبقَ منها
غيرُ السُّـــلافه .
هنا ،
- في أديِّس
يا برديس -
حيث ديك الحَبَش
أنتشى .. وانتفش
والخُلاسيةُ تحسو ما تبقَّى
من " عَرَقٍ "
على شفـــاهي
ومن أَرَقٍ
تَمَوسقَ في مياهي
ومن تباشـــير الغَبَش .
----------------------
( بلقيس )