آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-07:03م

شرطة الذاكرة

الخميس - 09 فبراير 2023 - الساعة 05:26 م

سهير السمان
بقلم: سهير السمان
- ارشيف الكاتب


الإخفاء الإنساني والوجود الطبيعي للمواطن اليمني بعد نكبة اليمن التاريخية لعودة الحكم الإمامي في أسوأ نسخة له، سلطة لا تمارس عملية الإخفاء فقط في حق المواطن بل تعمد إلى محو وجوده الإنساني على كافة المستويات.
منع النساء من السفر بدون محرم، إغلاق العديد من برك السباحة وصالات الرياضة المخصصة للنساء في صنعاء، والمقاهي والكافيهات، قرارات منع حفلات التخرج المختلطة من الجامعات وفي المطاعم بالإضافة إلى منع الموسيقى خلال الاحتفالات، إقصاء المرأة من المؤسسات والدوائر الحكومية بالتدريج بحجة عدم الاختلاط، إلغاء قطاعات المرأة في الوزارات بحجة تقليص الهيكلة والتضخم الوظيفي، خطب الجمعة التي تحرض على النساء وتخويف الأهالي من إلحاق الفتاة بالتعليم والعمل... والكثير من الممارسات. 
هكذا يتم تعطيل وقتل نصف المجتمع، ليسهل بعدها قتل المجتمع بأكمله نساءه ورجاله. ولأجل أن تتقبل موتك بمنتهى البساطة يجب أن تتعرض إعاقة إعضائك شيئا فشيئا.  
لم أجد عنوانا أفضل أو أعمق لهذا المقال من عنوان رواية الكاتبة اليابانية "يوكو أوغاوا" "شرطة الذاكرة"، لما يحدث من جرائم في حق الحياة للمواطن اليمني، خيال لا يبتعد عن الواقع حين توجته الكاتبة بتلك الأحداث التي وصلت ذروتها إلى أن يصل مدى عنف سلطة القمع لأن تتحكم في ذاكرة الشخص، وتسعى إلى محوها.
سلطة أمنية تُمارس فعل القمع، والرقابة على الذكريات، ومحاكمة النيات، من جهة، ورعيّة مغلوبة على أمرها، يقع عليها الفعل ومشتقّاته، من جهة ثانية.
اختفاء الأشياء والأعضاء والمخلوقات، في ظاهرة غير طبيعية تثير فضول السكان وخوفهم وقلقهم لكنهم لا يلبثون أن يتكيّفوا معها، ويعتادوا القبول بها والخضوع لها. وفي هذا السياق، تختفي: الأم، الطيور، الورود، الصور الفوتوغرافية، الثمار، المراكب، الروزنامات، صناديق الموسيقى، القبعات، الروايات، العبّارة، السيقان اليسرى، الأذرع اليمنى، والأجساد. هي مظاهر الحياة تختفي تباعاً. والغريب أنه في كل مرة يختفي فيها شيء معيّن، تقوم شرطة الذاكرة، الجهاز الأمني السري، الغريب الاسم والمهام، بتطبيق قانون الاختفاء غير الطبيعي، ومطاردة الذكريات المتعلقة بالشيء المختفي، ومحوها من الوجود، ومحو حامليها. فينشأ تواطؤ غير معلن بين القوى الخارقة، غير المرئية، التي تتخذ قرار الإخفاء، والقوى البشرية الغريبة التي تطبّق القرار. ويكون الناس على الجزيرة ضحايا هذا التواطؤ. ولكلٍّ من الفريقين آليات عمله، سواءٌ من موقع الهجوم أو الدفاع.
ما تقوم به جماعة الحوثي يكاد أن يصل إلى حد أن تتولى محاكمة المواطن على نياته، وربما تصل إلى مرحلة لو استطاعت فيها أن تفرض قرارا على قمع الحواس، بل وقطع الأطراف لمنع الحركة، لن تتوانى في فرضه في ظل كل هذا الصمت والخنوع. شرطة الذاكرة تتطبق اليوم فيما تقوم به جماعة الحوثي من محو ممنهج لذاكرة الجيل اليمني، ومحو هويته وتاريخه، ومحو كل خلق وإبداع في حياة اليمنيين .