آخر تحديث :الخميس-02 مايو 2024-07:38ص

اختطاف وطن!

الإثنين - 16 أغسطس 2021 - الساعة 04:59 م

عز الدين الأصبحي
بقلم: عز الدين الأصبحي
- ارشيف الكاتب


رغم تمسكى بكل بارقة أمل مهما تبد ومضة فى سماء مكفهرة، فإن التدهور الحاد الذى يصيب الحالة اليمنية يشعر المرء بخيبة أمل لا توصف. فمنذ سقوط صنعاء فى 21 سبتمبر 2014 بيد ميليشيا الحوثى واليمن يشهد مزيدا من التمزق الذى ليس له مثيل. كأنه كتب على هذا البلد الجميل حالات من المعاناة والقهر لينهض مجددا كعادته فى تاريخ طويل مابين الكبوات والنهوض، منذ لعنة انهيار سد مأرب الشهير قبل آلاف السنين وبذخ أصحابه فى طلبهم من الإله أن يباعد بين أسفارهم وكأن الشقاء هواية يمنية أصيلة.

وكما وصفت الآية الكريمة طلب اليمنيين العذاب لأنفسهم (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِى ذلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) لتبقى صفة السفر والشتات سمة يمنية منذ أيام سبأ التليدة وحتى رحلة الشتات الجديدة لليمنيين التى بدأت فى 21 سبتمبر 2014 ، لحظة اقتحام صنعاء من قبل الميليشيا وإعلان الحوثى بدء تدمير مؤسسات الدولة، لتبدأ تغريبة عذاب جديدة لليمنيين!. يومها كانت صنعاء قد عاشت أياما مرعبة من القصف والقتل وأطبق الصمت على العالم وهو يرى أكبر مجازر الانتهاك تصيب اليمنيين ولا يجدون لهم نصيرا وكأن ما يجرى استجابة أخرى لطلب اليمنيين بالتمزق والبدء برحلة أخرى من التيه دون أن يطلبوا ولكنه دعاء آبائهم الأولين. وأشير إلى حالة الانهيار المدمر منذ إعلان سيطرة ميليشيا الحوثى على صنعاء فى 21 سبتمبر 2014 كونه كان أبرز محطة انهيار الدولة حينذاك.

حاول العالم بعد تلك النكبة أن يخفى هول الفاجعة فى جعل الميليشيا تكف عن مسيرة الإعلان عن هذا الانهيار وإبقاء حكومة تحفظ لليمنيين ما تبقى من مؤسسات هشة، لكن قرار الانهيار كان أكبر من المتهورين الذين تعاملوا مع قضية(الوطن بكل خفة) فانفجر الوضع الهش بحصار الحكومة ورئيس الجمهورية وإعلان الميليشيات بكل وضوح محاولات قتل رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادى ورئيس الحكومة آنذاك خالد بحاح . ولما توقف أو بالأصح تأجل قرار القتل بقى الرئيس وما تبقى من الحكومة تحت الإقامة والحصار.

وحاولت مؤسسات دولية وجهات إعلامية عدة ألا تذكر هذه الفترة القصيرة المهمة فى تاريخ الوجع اليمني، أى منذ سبتمبر 2014 وحتى التدخل العربى فى مارس 2015 وأن تؤرخ لحرب إنهاء الدولة اليمنية ابتداء من مارس 2015 يوم بدء تدخل التحالف العربي.

وقد شِهدتُ الكثير من النقاشات التى تتم بتعسف عجيب لرؤية الصورة فى اليمن، فى محافل دولية وإقليمية عدة بحكم عملى كوزير فى الحكومات السابقة ومشاركتى كعضو بوفود التفاوض التى بدأت فى مؤتمر جنيف يونيو 2015 ثم بيال السويسرية فى ديسمبر 2015 ثم الكويت فى أبريل 2016، حيث كان همُّ معظم الوسطاء فقط وقف الطيران، وأى قتل قادم من السماء والإبقاء على حرب الأرض والموت القادم منها.

ومن المؤلم أن من أسباب استمرار الحرب أيضا هو تجاهل مصدر الموت القادم من حصار المدن وإلغاء الطرق بين مختلف المدن اليمنية من قبل الميليشيا الحوثية، والسماح باستمرار إنهاء مؤسسات الدولة وهو الدمار الذى يفتك باليمنيين ويمزق الوطن ولحمته الاجتماعية أكثر من أى قصف جوى مهما يبد مدمرا.

ولا تزال حقول الألغام التى تزرعها الميليشيا الحوثية أكثر خطورة على واقع ومستقبل هذا البلد من كل معارك الموت المؤلمة، كما أن تعزيز ميليشيا المدن ونشر الفوضى هو الكارثة التى تهدد المستقبل كما هى دمار يومى للناس. ولكن العالم الذى يهتم بصورة العلاقات العامة أكثر من حياة البشر، كان ولا يزال يعنيه وقف أى ضجيج لطائرة عابرة من أن تحاصر مدينة لسبعة أعوام متواصلة. وأذكر تعليق أحد المسئولين الدوليين عن عدم الضغط على ميليشيات الحرب بما يخص تفجير منازل المواطنين أو حصار القرى بحقول الألغام قال: إنه موت غير معلن، ولايثير إزعاج الإعلام والشارع فى عواصم أوروبية وبالتالى لا يعنيه هذا الخراب فهى مسألة يمنية.

مثلا من شهر سبتمبر 2014 وحتى مارس 2015 حدثت فى اليمن مجازر مؤلمة من قتل ودمار وبدء حصار للمدن، والأهم إنهاء مؤسسات الدولة واختطاف وطن بكامله ومع ذلك هذه الأشهر غير موثقة فى ذاكرة الحرب ولا تُعطى الأهمية. بينما لو كان ضمير العالم تعامل معها بجدية وأيضا تعامل معها المجتمع اليمنى بأحزابه ومثقفيه والشخصيات الاجتماعية المختلفة بيقظة وقوة، كان توقف مسلسل انهيار الدولة فى اليمن وأوقفت أكبر عملية اختطاف لوطن كامل. ما تم هو كارثة إنهاء الدولة التى حلت باليمن، فهى ليست مجرد انقلاب لتغيير الحكم ولكن مغامرة لاختطاف بلد وتدمير مجتمع، وستبقى نفس النقطة هذه هى مفتاح الحل، ووقف التمزق اليمنى الذى يزداد كل يوم عبر يقظة مجتمعية أخرى الآن تعيد لليمن نهوضا جديدا. وهو أمر لا يبدو مستحيلا على شعب أعاد للتاريخ ألقه مرات عدة، فاليوم عبر استنهاض خطاب مثقفى هذا البلد وشبابه يمكن وقف انهيار مؤلم، فقد وصل البلد الجميل إلى آخر نقاط السقوط الموجعة وآن أن ينهض، أما كيف؟ فذلك السؤال الذى يفتح بابا للأمل وطريقا لبدء العمل عبر تقاسم فكرة استعادة الوطن وبناء الدولة اليمنية الحديثة المؤمنة بهذا التنوع الهائل.