آخر تحديث :الخميس-02 مايو 2024-01:22م

عدن وحُلمي المفقود

الثلاثاء - 29 يونيو 2021 - الساعة 08:15 م

محمد الوجيه
بقلم: محمد الوجيه
- ارشيف الكاتب


 

 

 

إلى آسرتي ذات الطبيعة الخلابة، ذات المجد العظيم الذي جعلني أعشقه وكل تفاصيله، إليكِ يا جميلتي يا درة الشرق وعظيمة المنطق ولذيذة العناق.

 دعيني أفضفض لكِ عما يدور في ذهني وأخرج وابل كلماتي التي تأبى إلا أن تخرج وتفوح لكِ بأحرفها.

 

 حبيبتي عدن قبل أحد عشر عاماً ذهبتُ وأسرتي في رحلة من مسقط رأسي للتنزه والانتعاش بهواكِ.

 

 كم كنتُ طفلاً ساذجاً حينها، وأنا أتجول بين أزقة شوارعكِ ومناطقك الزاهية أتوه في أحلامي ولا أغتنم تلك اللحظات وأوثقها، لم أكن أعلم بأنّها ستكون ذات يوم حلماً منشوداً.

 

 أذكر وأنا واقفاً على الساحل الذهبي وذراعي مبسوطتان إلى اليمين والشمال" والشمس تحول إلى الغروب وكأنها تغمر نفسها في وسط بحركِ العذب، تراودني الأفكار والأحلام هل سأذهب إلى مدن أخرى وبلدان خارجية وقبل أن أختار ماهيتها، سمعتُ صوت والدتي تناديني عدتُ إليها راكضاً وجدتها تفترش الساحل مع بقية أسرتي وبجانبهم امرأة عدنية كبيرة في السن تعتصر لنا ذكرياتها وتطربنا بها منذُ أن كانت سائقة في ستينيات القرن الماضي، حدثتنا عن ثائرة تدعى نجوى مكاوي وعن بطولات المرأة العدنية في مواجهة الاستعمار وعودة الأرض الطيبة إلى أهلها، لم أكن أعي تلك المصطلحات والمسميات الثورية التي تتحدث عنها. 

 

في اليوم التالي صعدتُ إلى قلعة صيرة مسكتُ يد أختي الكبرى وقلت لها : متى سنصعد قمة كلمنجارو نظرت إليّ وكأنها تحتقر ما قلت تبسمتُ وواصلت رحلتي إلى القلعة. تناولت الرقاق العدني مع الشاي في الشيخ عثمان ثم وضعتُ يدي على خدي أتذكر ما أخبرني به جدي أنكِ ولحقبة زمنية طويلة كنتِ منارة للشرق الأوسط، لم تكن هناك مدن في الجزيرة سواكِ، حدثني عن أول ملعب رياضي يبنى على أرض الجزيرة وعن ميناء عدن الذي جعل منها مدينة ذات جاذبية اقتصادية تتصارع من أجلها الأمم، وعن نبيهة عزيم أول مطربة في الجزيرة والخليج، عن صوت أحمد قاسم ومسرح محمد مرشد ناجي، والأصول الهندية والإفريقية ممن يسكنوا على أرضكِ عن تنوع الأديان والمذاهب التي يعتنقها ذويكِ وبكل محبة وسلام يعيشون مع بعض.

أشياء أذكرها وأخرى لا أذكرها مكثت في أحضان جوفكِ أربعة أيام فقط.

 اليوم يا حبيبتي وبعد تلك السنين العجاف التي عشتها وإياكِ في كنف الأزمات والحروب، لم أعد أكترث لتلك الأحلام التي روادتني، كل ما أحلم به أن أعود إليكِ وأنتِ بذات المبسم والجمال بذات الأمن والأمان.

 أريد أن أصل التواهي وأبسط ذراعي لأغتنم لحظة غروب الشمس دون أن أشوش عقلي بتلك الأفكار، أريد أن أتناول الرقاق العدني والشاي اللذين لم أجد ألذ ولا أشهى منهما منذ أن غادرتكِ.

وكم أتوق لأتجول في شوارع البريقة وأرى ذاك الجندي يرشد طريقي عندما أخطئ مقصدي دون أن أطأطأ رأسي خوفاً من أن يطلب مني هويتي. 

كانت أختي محقة عندما تذمرت من حديثي عن كلمنجارو، كان الجدير بي أن أحلم بالعودة إليكِ أستمع إلى أغاني محمد سعد عبدالله وألحان أحمد بن غودل ذات الطابع العدني الخاص. 

كم تؤلمني تلك الأحاديث والأخبار عن ما حل بكِ، وكم يتقطع قلبي وأنا أرى أبناء عدن يتجرعون المعاناة والإهمال. وممن !! من أبنائكِ الذي أضاعوا مسؤوليتهم وأفلتوا التزامتهم لكِ، كم أحبك ياعدن وكم ادعوا الله بأن تعودي كما كنتِ ويتحقق حلمي وأعود إليكِ.