آخر تحديث :الأحد-05 مايو 2024-08:34ص

رمزية الاحتفاء بذكرى الهبة؟

الخميس - 21 نوفمبر 2019 - الساعة 02:19 م

صـلاح مبارك
بقلم: صـلاح مبارك
- ارشيف الكاتب


في تاريخ كل أمة , أيام مجيدة ومشرقة قادتها إلى العزة والكرامة , حيث تظل هذه الأيام خالدة في ذاكرة الزمن والأجيال .. وقد سطر الحضارم على مر التاريخ صفحات مضيئة في مقاومتهم ورفضهم لكل صنوف الظلم والطغيان والهيمنة , وفي العصر الحديث تبرز الهبة الشعبية الحضرمية كواحدة من الأحداث المجيدة التي كانت حضرموت مسرحًا لها وأحدثت فيها تأثيرًا بالغًا , مكنتها من استعادة عزتها وكرامتها وحقوق أهلها ..

 

هب الحضارم في 20 ديسمبر 2013 موحدين وبإرادة قوية في اقتلاع جذور الظلم والاستبداد من أرضهم , فلم يكن انطلاق الهبة الشعبية حالة عاطفية أو مجرد حالة عرضية , بل لها مسبباتها ودوافعها , وكانت ردًا عمليًا على ذلك الاستهتار والاستخفاف والبغي الذي مارسته السلطات الحاكمة آنذاك على حياة الناس والتسلط عليهم والتنكيل بهم , ووصل الأمر إلى اراقة دمائهم واستباحة أرضهم .. ففي عام 1998 صحت حضرموت على جريمة نكراء باغتيال المقدم علي بن حمد بن حبريش العليي في منطقة الريان بالمكلا بالقرب من معسكرات الجيش و قلبت هذه الجريمة المواجع في نفوس أبناء حضرموت جميعًا قبائل وشخصيات اجتماعية ومكونات مدنية  فتداعو للوقوف أمام ما يحيق بهم وبأهلهم من مخاطر وشرور , لكن صلافة جرائم الاغتيالات تواصلت بعنجهية لتطال قيادات وكوادر حضرموت الأمنية والعسكرية والمدنية , فكان لابد أن يكون لحضرموت ومقادمة قبائلها وأعيانها موقفًا حازمًا لوقف هذه الأعمال الإجرامية وأعلاء الصوت الرافض للانفلات الأمني بكل صوره  والاستخفاف المتعمد بقبائل حضرموت بصورة خاصة وبحق أهل حضرموت بصورة عامة , فعقدت عدة لقاءات عامة وعلنية لمكونات حضرموت القبلية والمدنية في (عين ون) ومن ثم أرض العوامر وغيرها من المناطق بهدف لمّ الشمل والتوحد في رفع شبح الظلم  والمعاناة الداهمة بمختلف أشكالها والمطالبة باستعادة الحقوق المسلوبة وقد تصدرت قبائل الحموم ذلك المشهد وبادرت في توجيه الدعوة لمقادمة ومناصب ومشائخ ورجالات حضرموت إلى اجتماع عام في وادي نحب في غيل بن يمين في 4 يوليو من عام 2013 لمناقشة القضايا التي تهم حضرموت وأبنائها والمرتبطة بأمنهم وحقوقهم , وادارة شؤونهم , ومجمل الأوضاع البالية والمتردية في حضرموت وعلى وجه الخصوص حوادث الاغتيالات المشؤومة ,وما يجري من امتهان وإذلال مقصود ومتعمد لكرامة ابناء حضرموت الشرفاء والمسالمين , ومنها الحادث المؤسف الذي وقع لأبناء الحموم في 14يونيو من ذلك العام, حيث هاجمتهم قوة عسكرية طاغية بكل عدتها وعتادها وأطلقت النار عليهم دون اقترافهم جريمة , مما أدى إلى تعرضهم لإصابات مباشرة وبليغة ومن ثم الزج بهم في السجون والاستيلاء على أسلحتهم وسياراتهم وضربهم بأعقاب البنادق على رغم من إصابتهم في ذلك الحادث.

 

لقد كان لقاء وادي نحب في 4 يوليو مشهودًا إذ أخذت قبائل حضرموت زمام المبادرة للدفاع عن حقوق أبنائها وأبناء حضرموت قاطبة .. وحددت عدة مطالب - معلنة – منها تسليم المهام الأمنية في حضرموت لأبنائها العاملين في أجهزة الأمن وافساح المجال أمامهم للانخراط في مؤسسة القوات المسلحة والأمن , والكليات العسكرية المختلفة وتعويضهم عن الإبعاد المتعمد الذي لحق بهم من سابق , واستبدال وتغيير ما يسمى قوات حماية الشركات النفطية بقوة محلية من أبناء حضرموت , والتغيير الفوري لقائد هذه الكتيبة بقائد حضرمي واخراج المعسكرات من المدن وإلغاء النقاط العسكرية المستحدثة وغيرها من المطالب الأخرى ,وكان الأبرز في ذلك اللقاء تعاهد شخصيات ومكونات حضرموت القبلية والمدنية على كتاب الله وسنة رسوله بان تكون كلمتهم ويدهم ودمهم واحد , واتفقوا ووقعوا على وثيقة حلف فيما بينهم كما اتفقوا تأسيس اتحاد أو مجلس يضم كل القبائل والشرائح الاجتماعية كمرجعية لحضرموت ومثل ذلك نقطة تحول جديد في مسيرة النضال من أجل حضرموت الأرض والإنسان والتعاطى مع قضاياها بجدية ووضوح ودون مواربة.. وفي ذلك ساهم الحلف بدور في تحقيق التماسك والتوازن المجتمعي الواعي بحقوق اهل حضرموت العادلة والمشروعة ورفع وتيرة الحماس لدى عامة أبناء حضرموت للدفاع عن أرضهم وأعراضهم وحقوقهم .. وبرزت المطالبات والتحركات علنًا في أجواء ازدادت فيه صلف العنجهية والتسلط بصورة مهينة وقمعية , حيث تواصلت بشكل وقح وفض استباحة الثروة والأرض وعمليات الاغتيالات المشؤومة لكوادر وقيادات حضرموت العسكرية والأمنية والمدنية في ظل عجز السلطات آنذاك في ملاحقة القتلة ووقف نزف الدماء , حتى وصل إلى رأس حضرموت المقدم سعد بن حمد بن حبريش في 2 ديسمبر 2013م في واقعة اغتيال آثمة و أثنين من مرافقيه في نقطة عسكرية بمدينة سيؤون  , فتداعت قبائل حضرموت  مقادمة ومشائخ ومناصب وكل مكونات المجتمع المدني للقاء في وادي نحب  لتدارس الموقف وتداعياته ودعوا للخروج بهبة شعبية عارمة في 20ديسمبر من ذلك العام استجاب لها كل شرائح المجتمع ومكوناته وانتفضت حضرموت عن بكرة أبيها في يوم مشهود وتاريخي كسر حاجز الخوف وأثبت الحضارم يومها شجاعتهم وقدرتهم على فرض وجودهم وسيطرتهم فوق أرضهم ..

 

لقد تهاوت عروش الظلم والاستبداد من أرض حضرموت وهذه حقيقة ساطعة لا يمكن أنكارها أو تغافلها , ومن يعرف مواقع استخراج النفط في هضبة حضرموت قبل انطلاق الهبة الحضرمية وكيف كانت تتعامل قوات حماية الشركات حينها مع الأهالي وتسلطها وقمعها وتدخلها في شؤون حياتهم لا يمكن أن يقلل من هذه الهبة العظيمة وبرجالها الشجعان الذين ضحوا وحملوا على أكتافهم اكفانهم حتى نعيش اللحظة والواقع الجديد الماثل للعيان أمامنا أمنًا واستقرارًا وأصبحت فيه قوات حماية الشركات والقوات العسكرية والأمنية قيادة وأفرادا من أبناء المنطقة ,  وهذا لوحده يكفي أن تبقى الهبة الحضرمية خالدة في وجدان أهل حضرموت وأن يحتفوا ويعتزوا بها.