آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-12:22م

ملفات وتحقيقات


تحليل: ما هو الحل المتوقع للقضية الجنوبية عقب التسوية السياسية في اليمن؟

الأحد - 29 يناير 2023 - 06:24 ص بتوقيت عدن

تحليل: ما هو الحل المتوقع للقضية الجنوبية عقب التسوية السياسية في اليمن؟

(عدن الغد)خاص:

تحليل يتناول مصير شكل الدولة في اليمن عقب أنباء عن قرب إنهاء الصراع والتوصل لحلول سياسية..

اختيار الأنظمة الاتحادية في اليمن.. هل سيكون صالحاً لمستقبل البلاد؟

ما مبررات المكونات الجنوبية أمام أنصارها بعد التخلي عن خيار الانفصال الكامل؟

كيف ستمثل أنظمة كالفيدرالية والكونفدرالية حلاً للوضع السياسي في اليمن؟

ما مدى تطبيق تلك الأنظمة السياسية في اليمن.. وهل هي ممكنة؟

لماذا يتم اللجوء حالياً لخيارات غير الانفصال.. أم أن هذا الأخير لم يعد مجدياً؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

المتتبع لواقع الجغرافيا السياسية الحالية في اليمن، يلحظ أنها عبارة عن كيانات و"كنتونات" ذات سلطات شبه مستقلة إلى حدٍ بعيد، أشبه ما تكون بـ"جزرٍ منعزلة سياسيًا" إن صح القول.

ففي الشمال، تسيطر مليشيات الحوثي على نسبة كبيرة منه، بينما تتقاسم كيانات أخرى أجزاءً من الجوف ومأرب، وقوى سياسية أخرى تبسط سلطاتها على بعض مديريات تعز، ومكونات عسكرية تنشر نفوذها في مديريات غرب الحديدة.

وجنوبًا، هناك المجلس الانتقالي الجنوبي يبسط سيطرته العسكرية على محافظات غرب الجنوب كعدن، لحج، الضالع وأبين، وكيانات سياسية أخرى على شبوة، وتتقاسم حضرموت قوى حكومية وقبيلة، بينما تخضع المهرة لسيطرة قوات حكومية.

لا يختلف الوضع الجغرافي السياسي بين الشمال والجنوب، ثمة انقسامات لسلطاتٍ متعددة تتعارض مصالحها ومقاصدها وغاياتها السياسية، حتى بات ما تحت يد كل مكون منها يمثل كيانًا مستقلًا بذاته، أو شبه ذلك.

وهذا الوضع يقود المتتبع إلى التسليم بأن المستقبل السياسي لليمن كدولة واحدة بالمفهوم البسيط والتقليدي للدولة أصبح من الماضي، وأضحت البلاد مهيأة للتحول إلى نظام سياسي "عصري"، حد وصف مراقبين.

هذا التحول، لم يكن يومًا وليد الصدفة، أو أنه تحقق بشكل عفوي، ولكنه كان نتيجة للتشظي القائم عليه الوضع السياسي في اليمن، والذي كشفت عنه أحداث عام 2011، وعززته حرب العام 2015، وجميعها أكدت أن الدولة البسيطة لا يمكن أن تستمر.

> المصير السياسي  للجنوب

ما قاد إلى الحديث عن مستقبل الشكل السياسي للدولة في اليمن، هو ما شرعت به القوى السياسية الإقليمية والدولية بالتوصل إليه من تسوية سلمية للصراع والحرب باليمن، وسط توقعات باستيعاب كافة القوى السياسية في شكل الدولة القادم، بما فيها الحوثي نفسه.

وهذا ما يثير تساؤلًا عن مصير القضية الجنوبية، عقب ما يزيد على 15 عامًا من الحراك الجنوبي، ونحو 6 سنوات من "مزاعم" التفويض الشعبي للمجلس الانتقالي الجنوبي باستعادة الدولة الجنوبية.

فالتسوية السياسية المرتقبة التي يكثر عنها الحديث مؤخرًا، تتحدث عن دولة يمنية بشكل جديد، تضم كافة المكونات السياسية والقوى العسكرية التي تفرض نفوذها وسلطاتها على كافة مناطق البلاد، شمالًا وجنوبًا.

هذا الشكل الجديد المتوقع، لن يحافظ على شكل الدولة التقليدي البسيط، المتمثل بالدولة المركزية، والتي توافق الجميع على أنها لم تعد صالحة، ولن تستمر بشكلها القديم، مع ضرورة التفكير بصيغ ونماذج عصرية تناسب الوضع الحالي لـ"الكنتونات" السياسية المتبعثرة على الخارطة اليمنية.

الأمر الذي يجعل من مصير أي دولة جنوبية قادمة بشكلها الذي كانت عليه ما قبل عام 1990 يكاد يكون مستحيلًا، في ظل رفض عدد من مناطق الجنوب استعادة تلك الدولة، مثل شبوة وحضرموت والمهرة، بالإضافة إلى الممانعة التي تلاقيها احتمالات تلك الدولة من الفرقاء السياسيين الآخرين.

وبالتالي، فإن أقصى ما قد تحصل عليه القضية الجنوبية في ظل التفاهمات الإقليمية والمحلية الحالية هي كيانات سياسية ضمن دولة ذات نظام اتحادي، إما فيدرالي أو كونفدرالي، يتلاءم مع الجغرافيا السياسية الراهنة لليمن.

حل كهذا، يكاد يكون مقبولًا -بشكل ضمني- حتى من الكيانات والقوى السياسية والعسكرية الجنوبية، وهو بالفعل ما ألمح له المجلس الانتقالي الجنوبي في إحدى اجتماعاته حين خاطب اللاعبين الدوليين والإقليميين بمراعاة "الوضع على الأرض" في أي تسوية سياسية قادمة.

ولعل في تلك الإشارة تسليم بما توافق عليه الواقع السياسي، وأجمع عليه صانعو القرار الإقليميين والدوليين تجاه مستقبل الوضع في اليمن، ومحاولة من الانتقالي بالحفاظ على ما تبقى تحت يديه من نفوذ وسلطات.

> بين الفيدرالية والكونفدرالية

ارتمى الجنوب في عام 1990 في أحضان وحدة اندماجية، ربما هربًا من أوضاعه الاقتصادية وتخلي حليفه الأيديولوجي عنه، أو ربما بسبب انقسامات الجنوبيين أنفسهم ومخاوف احتمالات تكرار أحداث يناير/كانون ثاني 1986.

وبغض النظر عن أسباب هذا الارتماء ودوافعه، إلا أن الاندماج الكامل لم يكن الصيغة الوحيدة المطروحة من قبل سياسي الشمال والجنوب لتحقيق الوحدة اليمنية، فوفق مؤرخين فإن الفيدرالية والكونفدرالية كانت مطروحة أيضًا.

فالفيدرالية ليست مصطلحًا حديثًا على الحياة السياسية اليمنية، ولم يكن وليد مخرجات الحوار الوطني فقط، ولكنه طُرح قبل ذلك بعقود في اليمن، وهي مفهوم سياسي يسمح بسلطات سياسية واقتصادية واسعة للمناطق المختلفة وذات الخصوصية من الدولة الواحدة.

ومن سمات نظام الفيدرالية أنه يجمع بين مناطق متجانسة ثقافيًا واجتماعيًا، تسمى "أقاليم" ويمنحها سلطات خاصة بها اقتصاديًا وتشريعيًا، ولكنها تبقى في إطار الدولة المركزية التي لا تكاد تكون شخصيتها ظاهرة في مناطق الحكم الذاتي الفيدرالي، باستثناء ما يتعلق بالقضايا السيادية والثروات الوطنية.

أما الكونفدرالية، فهي نظام سياسي تذوب فيه المركزية تمامًا، لأنها أصلًا تجمع بين كيانات مستقلة سياسيًا وذات سيادة واضحة وقوية، واقرب نموذج للكونفدرالية الراهنة في العالم "الاتحاد الأوروبي"، ومجموعة دول "الكومنولث".

والكونفدرالية نظام كان يمكن تطبيقه في اليمن قبيل تحقيق الوحدة اليمنية، حيث يسمح لأعضائه بالانفصال بشكل ذاتي ودون أية عواقب تذكر، غير أنه في الحالة الراهنة للبلاد من الصعب تحققه؛ نظرًا لانعدام صفة السيادة في المكونات و"الكنتونات" السياسية الموجودة اليوم.

وعليه، فإن الفيدرالية تكاد تكون هي النظام الأنسب للجنوب، من خلال احتفاظ كل منطقة من مناطق بخصوصيتها وتجانسها الثقافي والاجتماعي، لكن تبقى في إطار الدولة الحاضنة، وهو ما قد ترضى به بقية المكونات اليمنية الرافضة للانفصال الكامل.

وهذا الخيار يبدو مقبولًا حتى بالنسبة للجنوبيين أنفسهم، والذين لا يمكن الجزم بتوحد رغباتهم السياسية المتمثلة باستعادة دولة الجنوب بشكلها ما قبل 1990، خاصة مع تصاعد نزعات مناطقية انفصالية كما في حضرموت والمهرة وسقطرى وأبين.

> ما بعد التخلي عن الانفصال؟

يبدو تخلي القوى السياسية الجنوبية التي تبنت خيار الانفصال، منذ بداية الحراك السلمي الجنوبي عام 2007، والمجلس الانتقالي الجنوبي عام 2017، قاسيًا بالنسبة للأنصار الذين عقدوا آمالًا عريضة على هذه المكونات.

غير أن المبررات لا بد أن تكون جاهزة، كما اعتاد أي فصيل سياسي يمني على ذلك، ومن باب الإنصاف فإن دهاليز السياسة لا يمكن أن يكون فيها ثوابت أبدًا، لهذا فإن القوى السياسية الجنوبية ليس أمامها إلا التبرير بالانحناء لعاصفة التسوية السياسية، تمهيدًا لاقتناص الفرصة المناسبة.

وبرأي مراقبين، فإن القوى السياسية الجنوبية، وعلى رأسها المجلس الانتقالي من الضروري أن يكون في حسبانها "تقرير مصير" الجنوب والقضية الجنوبية وتضمين ذلك في أية تسوية سياسية قادمة، وهو أحد المبررات المتوقعة للأنصار.

وهو ما يمنح المكونات السياسية في الجنوب تفسيرًا لما قد يبدو أنه تخليًا عن فكرة الانفصال، وهي الفكرة التي منحت شرعية للمكونات الجنوبية حتى تتصدر الحديث عن قضية شعب الجنوب، بل إنها قد تعود للحديث عن مكاسب الحصول على موطئ قدم في أنظمة سياسية أخرى كالفيدرالية.

وباعتبار أن نظام الكونفدرالية من الصعوبة بمكان أن يتم تطبيقه في الواقع اليمني الراهن، في ظل تمسك الأطراف الإقليمية واليمنية بالدولة ورفض أي خيار للانفصال، في ظل ضغوط دولية قوية، يمثل خيار الفيدرالية "أفضل الممكن" بالنسبة للقوى السياسية الجنوبية.

وهذا ما يمكن الانطلاق منه لتبرير ما ستفضي إليه الأمور بالنسبة لانصار الجنوب. القوى السياسية التي فوضت نفسها لاستعادة دولة الجنوب.

> جدوى الخيارات

سياسيًا، وواقعيًا، لم يعد خيار الانفصال مجديًا بالنسبة للعالم والإقليم، وهو ما يتم فرضه حاليًا على المكونات السياسية المتبنية لقضية الجنوب، بما فيها فصائل الحراك الجنوبي، التي اقتربت مؤخرًا مع المجلس الانتقالي، ربما للفوز ببعض المكاسب السياسية التي حققها هذا الأخير.

كما أن عدم جدوى تحقيق الانفصال أو حتى إمكانية تنفيذ النظام الكونفدرالي في اليمن، جعلت من تعزيز وترسيخ واقع الجغرافيا السياسية المتجسدة اليوم في البلاد هو الحل الأخير لإنهاء الحرب والصراع في اليمن بما يرضي جميع الأطراف.

وهذا الحل هو ما يبدو أنه الحل المتاح لشكل الدولة اليمنية القادم، بل إنه خيار اشتغل عليه اللاعبون المؤثرون في الملف اليمني منذ ما بعد تحرير المحافظات الجنوبية أواخر عام 2015، وبات اليوم واقعًا متجسدًا.