آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-02:20م

ملفات وتحقيقات


تحليل: لماذا يصر الحوثيون على صرف المرتبات في مناطق سيطرتهم بعد ثماني سنوات من التسبب بحرمان الموظفين؟

الثلاثاء - 04 أكتوبر 2022 - 07:00 ص بتوقيت عدن

تحليل: لماذا يصر الحوثيون على صرف المرتبات في مناطق سيطرتهم بعد ثماني سنوات من التسبب بحرمان الموظفين؟

(عدن الغد)خاص:

تحليل يتناول مطالب الحوثيين الابتزازية بصرف المرتبات ضمن شروط الهدنة..

هل تستطيع الحكومة صرف المرتبات لمناطق الحوثيين في ظل قصور بصرفها في مناطق الشرعية؟.

أين تذهب إيرادات النفط منذ ثماني سنوات.. وهل تكفي لصرف المرتبات؟.

أوقف الانقلاب الحوثي أواخر العام 2014، وبداية العام 2015، كل تفاصيل الحياة في اليمن، وأحال جميع اليمنيين إلى نقطة ما تحت خط الفقر، بعد أن تسبب بإيقاف مرتبات السواد الأعظم من الموظفين.

ولولا نقل الحكومة الشرعية البنك المركزي اليمني إلى عدن، واستئناف صرف مرتبات الموظفين في مناطق سيطرة الحكومة، لكانت الكارثة قد عمّت كل أرجاء اليمن، وليس فقط مناطق سيطرة الحوثيين.

وبعد ثماني سنوات عجاف، حرم فيها الحوثيون موظفي الدولة من مرتباتهم في مناطق سيطرة المليشيات، بل وأجبروهم على العمل والدوام الوظيفي بلا مقابل، عاد الانقلابيون إلى الحديث عن مظلومية جديدة.

وبنفس مزاعم الحوثيين حول مظلوميتهم بسبب إغلاق مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة، وتأثيراتها الإنسانية، متناسين أنهم هم السبب وراء هذا الإغلاق، انتفضت المليشيات مؤخرا عند الحديث عن تمديد الهدنة لتصعّد مطالبها بصرف مرتبات موظفي الدولة في مناطق سيطرتها.

تأتي هذه المطالب، في ظل تنكر الحوثيين للموظفين في مناطقها وحرمانهم طيلة ثماني سنوات من حقوقهم الأساسية في المرتب، بالإضافة إلى عدم تنفيذ التزاماتها فيما يتعلق بصرف مرتبات موظفي الحديدة بحسب اتفاق استكهولهم 2018.

وهي الالتزامات التي وافقت بموجبها الحكومة اليمنية إيقاف معارك تحرير الحديدة وموانئها، واستئناف استقبال الميناء لسفن الوقود رغم بقاءه تحت سيطرة الحوثيين، لدواعٍ إنسانية بحسب اتفاق استكهولهم.

وهي جميعها تاريخ أسود للمليشيات، وجب أخذه بعين الاعتبار عند تقييم مطالب الحوثيين، التي تحولت إلى مجرد ابتزاز للحكومة الشرعية والمجتمع الدولي كلما اقترب الحديث عن تمديد الهدنة.

فالحوثيون عادوا مجددا للتباكي على المرتبات، في محاولة للفوز بالحصول على تعهدات بصرفها، تماما كما هو حال مطار صنعاء وميناء الحديدة حينما فازوا باستئناف تشغيلهما خلال الهدن السابقة، دون أي مقابل يؤخذ منهم، ولا حتى فتح منافذ تعز المحاصرة.

> الفكر المليشياوي

يختار الحوثيون أحاديثهم وبنودهم بعناية ودقة، في محاولة منهم لتطبيع الأوضاع في مناطق سيطرتهم على حساب الآخرين، وعلى حساب الحكومة الشرعية والمجتمع الدولي.

بينما هم يمضون في سياسية عدم الاكتراث بالمسئوليات القائمة على عاتق أي سلطة أمر واقع، فقط يتسببون بالحرمان والمآسي، ولا يقومون بأي شيء في إصلاح ما يفسدونه.

ولهذا فهم يختارون قضاياهم التي يطرحونها على المجتمع الدولي الباحث عن استمرار الهدنة بكل إصرار، فالحوثيون يعتبرون ما يتحقق من بنود الهدنة نصرا هم صانعوه، بينما هي في الأساس عبارة عن تنازلات.

وهذه التنازلات تقدمها الحكومة الشرعية إما استشعارا منها بمسؤولياتها الإنسانية والقانونية كحكومة تجاه الشعب اليمني في مناطق سيطرة الحوثيين، أو نظير علاقاتها الدبلوماسية كدولة مع الأطر الأممية والدولية.

غير أن المليشيات لم تستطع مغادرة طبيعتها المليشياوية البعيدة عن شكل وتصرفات الدولة الغائبة عنها، غير أن المسئولية هنا ليست فقط مسئولية الفكر المليشياوي للحوثيين، ولكن أيضا مسئولية التماهي الدولي مع المليشيات والسكوت عن ابتزازاتها المتكررة.

> المرتبات والشرعية

يطالب الانقلابيون الحوثيون من الحكومة الشرعية صرف مرتبات الموظفين في مناطق المليشيات، وهي مطالب غير واقعية بالنظر إلى طبيعة الصراع في اليمن الجاري منذ ثماني سنوات.

صحيح أن الشرعية كحكومة ودولة عليها الكثير من الالتزامات الأخلاقية والقانونية، ولكن طبيعة الصراع وأشكاله التي اتخذت أبعادا خطيرة من مصادرة مليشيات الحوثي لأصول الدولة ونهبها ضمن خصومات الحرب، يجعل من هذه المطالب غير مقبولة.

بالإضافة إلى ما سبق، فإن مطالبة الانقلابيين للحكومة الشرعية بصرف المرتبات للموظفين في مناطق سيطرة الحوثي قد لا يقوم عمليا، ليس فقط بسبب علاقة الصراع الندّية، ولكن لأسباب عملية أخرى.

فإذا كان الموظفون في مناطق سيطرة الحوثيين لم يحصلوا على مرتباتهم منذ ثماني أو سبع سنوات، بشكل كلي وكامل0فإن الشرعية أيضا غير قادرة على انتظام عملية صرف المرتبات في مناطق سيطرتها بالمحافظات المحررة.

وما زالت الحكومة الشرعية تعاني من صرف مرتبات الموظفين، في ظل تحركات واضرابات واسعة ضدها نتيجة التأخر في صرف المرتبات أو توقف بعض المرافق والمؤسسات عن انتظام مرتبات منتسبيها، كما هو حال القطاع العسكري والأمني.

وهذا ما يجعل الحكومة الشرعية بل ويؤكد أنها غير قادرة على الإيفاء بعملية صرف المرتبات، في مناطق سيطرتها، ناهيك عن مناطق سيطرة الحوثيين، ويبدو أن هذا ما كان يعتقد الحوثيون أنه سيتم هو ما عرقل الموافقة على تمديد الهدنة الأممية.

> مبررات الحوثيين

تتمسك المليشيات الانقلابية بصرف الحكومة الشرعية مرتبات الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين، تحت مبرر وجود عدد من الشركات النفطية الأجنبية العاملة داخل مناطق الشرعية.

ويعتقد الحوثيون أن استمرار عمل الشركات الأجنبية في اليمن، خاصةً في ظل توجه أنظار الدول الأوروبية وحتى الولايات المتحدة إلى بدائل للطاقة في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، سيضاعف الغاز والنفط المستخرج من اليمن.

وعليه، يرى الانقلابيون أن الحكومة الشرعية ستكون مستفيدة من وراء كل ذلك، ولهذا يبدو أنهم وجدوا ضالتهم في التوجه الدولي لاستئناف تصدير النفط والغاز اليمني للخارج، من خلال طرح هذه الورقة في مفاوضات تمديد الهدنة.

لكن هذا لا يعني أن الشرعية قادرة بالفعل على صرف المرتبات لمناطق سيطرة الانقلابيين، كما أنها لا تعني انتظام صرف المرتبات لموظفي المحافظات المحررة الواقعة تحت سلطات الشرعية نفسها.

وهذا ما يقودنا إلى سؤال مشروع آخر، أين تذهب إيرادات النفط والغاز اليمني، طيلة السنوات الماضية، صحيح أن الحرب منعت التصدير الواسع وبكميات كبيرة للخارج، لكن العملية لم تتوقف نهائيا، وإن استمرت في حدها الأدنى.

> أي تذهب إيرادات النفط؟

خلال ثماني سنوات، كانت إيرادات النفط والغاز اليمني في حدها الأدنى، موجودة، لكن مصيرها غير معروف، وإن كان البعض يرى أنها تذهب لمصارف ونفقات خاصة بالدولة ومسئوليها، وليس للمرتبات.

فنفقات مسئولي الدولة ضخمة، سواء في الداخل أو في الخارج، وتكلف خزينة الدولة أموالا باهظة، يتم تخصيصها من الإيرادات المالية للنفط والغاز، بدلا من توجيهها إلى مرتبات للموظفين، وهذا ما يسبب العجز وعدم الإيفاء بتوفير كافة مرتبات الموظفين من الشعب، بحسب مراقبين.

وهذا أمر غير صحي، بالنسبة لدولة وحكومة، تقدم مصلحة كبار مسئوليها على حساب احتياجات الشعب ومرتباتهم التي يتم توفيرها من الإيرادات المحلية ورسوم الجمارك وغيرها من المرافق الإيرادية الأخرى، وفق تأكيدات اقتصاديين وخبراء.

خاصة وأن مناطق الشرعية باتت جزرا مستقلة بذاتها، من ناحية توريد الإيرادات الداخلية في المحافظات لحسابات خاصة بكل محافظة على حدة، وما يتم توريده للبنك المركزي اليمني في عدن لا يكاد يذكر.

غير أن الحوثيين لا يسلمون بهذه الحقائق، ويتوقعون زيادة في مردودات الشرعية في حالة تصاعد مطالب الدول العظمى من تصدير مواد الطاقة الخام من اليمن عبر شركات النفط الأجنبية العاملة في المحافظات المحررة.

وهو ما دفعهم لتحذير تلك الشركات قبل يومين، في حالة عدم تمديد الهدنة وعدم انصياع المجتمع الدولي والشرعية لمطالب الحوثيين بدفع مرتبات الموظفين في نطاق سيطرة المليشيات.

لكن.. ماذا لو انصاع المجتمع الدولي والشرعية فعلا لمطالب الحوثيين، في سبيل تمديد الهدنة؟ ووافق الحكومة على ذلك؟

> استغلال واضطرابات

يمضي الحوثيون في استغلال ضعف الحكومة الشرعية -بحسب رؤيتهم- وفي سياستهم كمليشيات بلا مسئوليات تذكر تجاه مواطنيها، ومهما كانت النتائج فإن الانقلابيين يرون أنهم لا يملكون ما يخسرونه.

فهم لا يعيشون إلا في بيئة حرب، وليس بيئة سلام أو هدنة، وأي رفض لمطالبهم يعني العودة إلى مربعات القتال، كما أن الموافقة على مطالبهم يعني بالنسبة لهم ولأنصارهم انتصارا سياسيا قبل أن يكون انتصارا شعبيا أو معيشيا للناس في مناطقهم.

غير أن هذا الاستغلال الذي يدركه الحوثيون جيدا، قد يتسبب بالضرر الكبير الحكومة الشرعية في نظر أنصارها ورعاياها في المحافظات المحررة، خاصة أولئك المحرومين من المرتبات.

فكيف للدولة والشرعية أن تصرف مرتبات الحوثيين، بينما ما تزال مرتبات الموظفين في مناطق الشرعية متوقفة أو متأخرة، ويكابد فيها الموظفون الكثير من المعاناة المعيشية، وهو ما قد يؤدي إلى اضطرابات شعبية متوقعة.

فشتان بين تهرب الحوثيين من المسئولية في صرف مرتبات موظفيهم في مناطق سيطرتهم، وبين مسئولية الشرعية تجاه مواطنيها أينما كانوا حتى داخل مناطق سيطرة المليشيات.

حيث لا أحد يتحدث عن مصير الإيرادات المحلية في مناطق الحوثيين، أو حتى إيرادات شحنات سفن الوقود التي استقبلها ميناء الحديدة منذ الهدنة الأولى في أبريل/نيسان الماضي؛ لأنها فقط مجرد مليشيات لا ينتظر منها أحد الإيفاء بأي التزامات.

بل إن الحوثيين ماضون في تحميل الشرعية اليمنية عبء مرتبات موظفيها، في ابتزاز واضح للمجتمع الدولي كلما طالب هذا الأخير بتمديد أو توسيع الهدنة، التي لم يستفد منها سوى الحوثيين، ولم يستشعر بفوائدها مواطنو المحافظات المحررة.