آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-12:25ص

ملفات وتحقيقات


مركز القلب بادرة صحية متفردة تنبض بالحياة والسلام(تقرير)

الأحد - 19 سبتمبر 2021 - 01:53 م بتوقيت عدن

مركز القلب بادرة صحية متفردة تنبض بالحياة والسلام(تقرير)

المكلا(عدن الغد)خاص.

تقرير/عبدالرحمن بن عطية

يتأرجح الوضع الصحي في اليمن على حافة الانهيار الكامل، بعد أن أصبح أحد ضحايا الصراع المستمر منذ أذار/مارس 2015، ومع تزايد حدة هذا الوضع بتفشي الأوبئة والمجاعة ونقص الخدمات الطبية؛ تزداد حاجة الناس إلى جهود السلام والمبادرات التطوعية والإنسانية، للتخفيف من شدة المعاناة التي أفقدت أكثر من 14,8 مليون شخص فرص الوصول للخدمات الصحية. بحسب منظمة الصحة العالمية.

يسلط هذا التقرير الضوء حول جهود إنسانية تطوعية تمخض عنها إنشاء مركز صحي تخصصي ينبض بالكثير من الحياة في بلد انهكته النزاعات والأزمات وأدت إلى تدهور مرافقه الصحية التي يعمل منها 45% فقط بكامل طاقتها، فيما تعمل 38% من المرافق جزئياً، وتوقف العمل تماماً في 17% من هذه المرافق. وفق تقرير لمنظمة الصحة.

بداية النبض

على أحد الشوارع الرئيسية في مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت ينتصب "مركز نبض الحياة لأمراض وجراحة القلب"، مجسداً نموذجاً متفرداً في العمل التطوعي الإنساني بما يعزز قيّم السلام المجتمعي ويخدم سلامة كثير من مرضى القلب اليمنيين ليكون بلسماً لقلوبهم.
أفتتح المركز في نيسان/أبريل من العام 2017 من قبل مؤسسة أمراض القلب الخيرية -وهي مؤسسة غير ربحية- ليصبح أول مركز قلب متخصص في المحافظات الجنوبية، والمركز الخيري الوحيد الذي يقدم الخدمة والرعاية الصحية لمرضى القلب على مستوى اليمن.

يقول محمد باشعيب رئيس مؤسسة أمراض القلب الخيرية في حديث خاص، "نظرا لتصاعد حدة النزاعات وظروف الحرب في اليمن التي أدت إلى تدهور مستوى الخدمات الطبية وتوقف معظم مراكز القلب عن العمل، جاءت الحاجة لإنشاء مركز قلب متخصص من أجل تقديم أفضل رعاية طبية ممكنة تسهم في إنقاذ آلاف المرضى كبارا وأطفالا من جميع المحافظات اليمنية دون استثناء".
وأضاف باشعيب، "يستقبل المركز حوالي (120) مريض يوميا ما بين مراجعين لقسم العيادات وحالات القساطر والعمليات، ويضم المركز أكثر من (100) كادر طبي مؤهل من أطباء وممرضين وفنيين."

وحول التجهيزات والخدمات التي يقدمها المركز قال الدكتور طيّب بافضل رئيس قسم القسطرة بمركز نبض الحياة، "جُهز المركز بتقنيات وأجهزة طبية حديثة، تشمل غرف العناية المركزة وغرف العمليات ومعمل القسطرة وأقسام الترقيد والمختبر وقسم الأشعة، ويعمل على إجراء أنواع متعددة من عمليات القساطر التشخيصية والعلاجية وتركيب الدعامات، وعمليات القلب المفتوح وعلاج التشوهات الخلقية عند الأطفال، وغيرها من التدخلات".
مشيراً "إلى أن تكاليف الخدمة في المركز مخفضة لعموم المرضى ومجانا للفقراء والحالات الطارئة، من خلال البعثات الطبية الزائرة التي يتم استقدامها بشكل مستمر من بعض الدول العربية والأجنبية".

حملات الإنقاذ

إنقاذ القلوب وانعاشها هي الحالة التي يعملها عليها مركز نبض الحياة من خلال تنفيذ برامج البعثات الطبية المجانية المستقدمة من الخارج، وتعمل على تنفيذ مختلف العمليات الجراحية لاسيما المعقدة والحرجة، وتدريب الكوادر الطبية المحلية.
وقد نفذت مؤسسة أمراض القلب نحو (68) حملة طبية مجانية شارك فيها نخبة من استشاريي جراحة القلب والقسطرة من جمهورية ألمانيا الاتحادية وجمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان وغيرها من الدول.

عهد عبداللطيف (16 عاما) مريضة في القلب قدمت من محافظة عدن إلى المركز تقول في حديث خاص، "منذ ثلاث سنوات أعاني من ثقب في القلب وكان يسبب لي ضيق في التنفس وكنت أتعب سريعا وأحيانا أفقد الوعي من شدة التعب، وبسبب حالتي هذه كنت اتغيب كثيرا عن المدرسة".
وأضافت عهد، "ظروف البلاد والمشاكل لا تساعد أحد على العلاج، لذلك سجلنا في هذا المركز وانتظرنا حتى قدوم بعثة طبية مجانية لإجراء العملية، وبفضل الله وهذه الجهود الطيبة استعدت صحتي وأصبحت قادرة على ممارسة حياتي بشكل طبيعي".

وفي إحصائية لمؤسسة أمراض القلب حول أعداد العمليات الجراحية، والمعاينات التشخيصية المنفذة، وصرف الأدوية، من بداية الافتتاح وحتى يونيو من العام الجاري، حيث بلغت عمليات القساطر التشخيصية والعلاجية (11,800) عملية، وبلغت عمليات القلب المفتوح (2,537) عملية، وتمت معاينة وفحص (83,384) مريض، كما صرفت أدوية للمرضى بواقع (75,661) مريض.

قلوب أنهكها الصراع

مع تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع أسعار تكاليف العلاج وصعوبة التنقل بين المحافظات وتوقف أغلب المطارات في اليمن، فإن تأخير التشخيص والتدخل الطبي السريع يمثّل سبباً رئيسياً في تفاقم معاناة معظم الحالات المرضية التي تجد نفسها محاصرة وسط دوامة من الوجع.

"بسبب الصراع والحرب أصبح الحصول على علاج مناسب في اليمن أمر في غاية الصعوبة خصوصا عندما يكون الشخص مصاب بأحد أمراض القلب" هكذا بدأت روضة الأصبحي حديثها وهي أم لطفل مريض بالقلب قدمت من محافظة تعز إلى مركز نبض الحياة.
وأضافت، "ابني عنده ثقب في القلب بين الشريان الأورطي والشريان التاجي، وكان يعاني من صعوبة التنفس وازرقاق وتبول لا إرادي، ونتيجة تدني مستوى الخدمات الطبية في جميع المستشفيات وغلاء تكاليف العالج -التي تتجاوز أكثر من (4 آلاف) دولار- لم أستطع إجراء العملية لابني". 
وتابعت، "هذه البعثات والخدمات الطبية المتميزة التي تقدمها عبر هذا المركز، تفّرج على الناس وتدخل السرور على أسرة بأكملها وليس للمريض فقط".

ويقول ناصر البريكي أحد المرضى المستفيدين من حملات مركز نبض الحياة في حديث خاص، "عانيت لفترة طويلة من أنسداد صمامين في القلب وبحاجة إلى تركيب دعامتين، ولو لم تأتي هذه البعثة الطبية ما كنت أستطيع العلاج خارج البلاد؛ فأغلب مطارات اليمن مغلقة وتذاكر الطيران باهظة إضافة إلى تكاليف العملية والعلاج والإقامة، يعني أتحدث عن أكثر من (10 آلاف) دولار، وهذا أمر مستحيل بالنسبة لي". حسب وصفه.

ازدحام قوائم الانتظار

وبالرغم من الأثر الكبير للبعثات الطبية في التخفيف من أعباء الوضع الصحي، إلا أن قوائم الانتظار الطويلة والمكتظة بأعداد المرضى الذين ضاق بهم المرض ليحظو بفرصة علاج؛ تمثّل تحديا كبيرا أمام هذه المبادرة الإنسانية والقائمين عليها. فهناك نسبة غير بسيطة من المرضى لا يكونون أحياء في وقت قدوم الحملات.

وحول أسباب ازدحام هذه القوائم نتيجة نقص المراكز المتخصصة في القلب، أشار محمد باشعيب خلال حديثه، "إلى أن أغلب الحالات المرضية لا يستطيعون تحمل تكاليف ولو يسيره من كلفة المستلزمات الطبية المكلفة في عمليات القلب، حيث تصل أعداد المرضى المسجلين في كشوفات المركز لنحو (4 الآف) مريض".
مضيفا، "تواجهنا تحديات أخرى تتمثل في عدم توفر الكثير من مستلزمات وأدوية عمليات القلب لدى الشركات والوكالات في اليمن، حيث نضطر لتوفيرها من الخارج مما يضاعف كلفتها".

وعن مشاريع التوسعة وتطوير العمل لخدمة أكبر عدد من المرضى أوضح باشعيب "أن المؤسسة تعمل حاليا على توسعة العمل في مركز نبض الحياة بالمكلا من خلال استحداث غرفة إضافية لعمليات القلب المفتوح والقسطرة وتوسعة العناية المركزة وغرف الرقود، كما عملت على افتتاح فرع للمركز في مدينة سيئون يحتوي على عيادات معاينة ومختبر وصيدلية، بهدف استيعاب تزايد أعداد المرضى الوافدين من جميع المحافظات اليمنية".

الوقاية خير من العلاج

في اليوم العالمي للقلب الذي أعلنته منظمة الصحة العالمية WHO في 29 سبتمبر/أيلول من كل عام، بهدف تكثيف حملات التوعية للوقاية من أمراض القلب، التي تعتبر المسبب الأول للوفاة عالمياً وفق المنظمة، ففي عام 2015 توفي ما يقارب الـ 17.5 مليون شخصاً بسبب الأمراض القلبية والوعائية، أرقام مفزعة ينصح الأطباء إزاءها بالعناية بهذه العضلة الحيوية والحفاظ على سلامتها.

ونظرا لتداعيات الحرب التي أدت إلى تدني مستوى الوعي المجتمعي بأهمية السلامة والوقاية من الأمراض والأوبئة الفتّاكة، الأمر الذي يستدعي تكاثف ومضاعفة جهود المنظمات والمبادرات الصحية، بما يسهم في تحسين جودة العمل الصحي وزيادة فرص حصول المرضى على العلاج المناسب، في البلد الذي يعيش أسوأ كارثة إنسانية في العالم.