آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-07:45م

أدب وثقافة


مقدمة لرواية زجاجة عطر

السبت - 18 سبتمبر 2021 - 08:03 م بتوقيت عدن

مقدمة لرواية زجاجة عطر

عدن ( عدن الغد ) للكاتب المهندس / جميل السروري:

منهك، متهالك ، مرهق ، وجداً متعب !  أنام وبجانبي دفاتر وقصاصات من الأوراق مثقلة بحروف وكلمات معقدة الفهم لمن لا يعرف الألم ، لا اصطنع فيها الأحداث لأنني قلب الحدث، هكذا يتكرر الأمر معي عادة في كل ليلة أحس بالوحشة ! أتساءل؛ مالسبب ؟ أيعقل أن الكلمات وتفاصيل الذكريات التي أكتبها قد تبخرت من الصفحات و تمحورت على هيئة أشباح، أم أن صخب الحنين  في داخلي تحول إلى عالم من الأشباح، أم أنني شبح من الذكرى بحد ذاتي!  اتحسس جدران الغرفة كي استدل إلى مفتاح الضوء ، لكن بلا جدوى ومن غير فائدة  ! أحس الحصى تتنعثر بين أصابعي ، أجد نفسي داخل أنفاق لا نهاية لها  وبداخلي أنفاق معتمة أشد ظلاماً من خارجي

أصيحُ .... أصرخ .... استنجد.... لا يسمعني أحد! .... إلى أين الهروب ... شيء ما يتداركني.... أشياء تلاحقني ! تركض ورائي ، تطاردني! 

أفتقدك ! أين أجدك ! هنا أو هناك؟!  لا بأس ! المهم أن أراك ، لكن كيف لي أن أصل إليك؟ بل كيف اجتمع بك؟ 

 

أعبر كل سبيل... كل درب وكل طريق ، أبحث عنك في كل أرض وطأتها قدميك ، تحت كل سقف جمعني بك ، إلى كل مكان رأيتك به أو لمحتك فيه على أمل أن أجدك، أو عساي اشتم شيء من رائحتك لأهتدي بها إليك ، أخال أنني سوف أراك، هكذا اوهمت نفسي لكن وبلا فائدة ! لم أجد  سوى طيفك المترامي بسرعة خاطفة 

ااه ياوجعي والشتات ! 

هل تدرين ما فعله غيابك بي ، وعما خلفه رحيلك ، هل تعلمين مالذي تركتيه وراء ضهرك ؛ جثة نازفة يطوقها الماضي من كل اتجاه ، ضريحها يتنقل بين أمكنة  جمعتها  بك ذات يوم ، الأطلال بنفسها تنعيك ، تبكي غيابك ، تترجى عودتك ؛ لتعود لها الحياة من جديد ،  أصبحت مثل  خرابة ، لا شيء فيها سوى صفيرُ رياح الشقاء وتردد صدى الذكريات. 

  ياوجع الفقد والحنين ! 

لماذا رحلتي؟ وما الدافع؟ وكيف ؟ ومتى؟ وإلى أين؟ وعلى أي سبب؟

  كنتي الروح التي أحيا بها ، أما وقد رحلتي فلست  إلا شبه إنسان ! .. جثة لم تُؤدى لأجلها أي شعائر أو طقوس ، لم يصلي عليها أحد ، كل من يراها لا يدري أنها جثة  منزوعة الروح عديمة الحياة تعيش برزخية الذكرى . 

تبخرت أنفاسي بعد رحيلك ، أكاد اختنق ! لا أستطيع التنفس، انقطع عني أكسجين الحياة، جف الدم في شراييني و أوردتي ، أذبل كما تذبل  زهرة الخريف .

انا بعد رحيلك  لست إلا جملة  من الحسرات، وركام من  الخيبات، تحت وطأة الحزن والصدمات ، ....أكاد أحتظر  !

 

 يا عطش الحروف 

أما آن لي أن أكسر حاجز الخوف و أعترف بأنني أحبُك .

حبك ليس ذنباً ، ليس جرماً ولا خطيئة 

حبك حقيقة لا هروب منها ولا مفر ، وعلي مواجهتها كيفما كان الأمر بل وكيفما أمكن ومهما كانت العواقب .

قد ربما اخسرك ولكن لا بأس بذلك ، سيكون عذابي مرة واحدة وهذا أهون لي من عذاب دائم ومستمر في كل لحظة وعند كل وقت

لحظة ....

 

قبل أن أجدك بساعات كنت قد شعرت بما لا يوصف ، شعرت براحة وارتياح وهدوء نفسي وذات مطمئنة وكأن شيء جميلاً سيحدث معي 

وبالفعل حدث أجمل شيء وهو أنني لمحتك ، رأيتك ، وتبادلت الحديث معك ، ذلك الشعور هو ايحاء شاء أن يخبرني بأنني سألتقي بك

 

كنت قد كتبت لك في اليوم التالي رسالة ذكرت بها ماهو بك من غير مدح ودون أن اكتب شيء آخر ، وفي اليوم الثالث أذكر أنك قلت ؛ بأنني اكتب بأسلوب جميل ، رغم أنني لم أكتب لك شيء سوى أنني وضعت قرائتي لشخصيتك في رسالة 

تمنيت لو أقول لك أنني لو لا سحر عينيكي ما تعلمت شيء من هذا ولو لا عينيكي لما انبعثت من داخلي شحنات الحروف والكلمات لتتجه نحوك ، أقصد نحو قاعدتها والهدف 

 

يا ، أنتي 

بمجرد ما أراك يتدفق تيار اللغة على أوراقي ودفاتري وتتزاحم عبارات الوصف متسربة على أوشال الصفحات بقدر أعجز عن تجميعها 

 

لحظة .....

وأنا أكتب أيضاً يا معشر الكتاب والأدباء ، أكتب ولكن على غير مدارسكم ، قد ربما فكرت مسبقاً بأن يكون حرفي مدرسة بحد ذاته ، اسمها المدرسة الشعورية ، لأنني لا اتقيد بغير الحقيقة ، ويدي مخولة بكتابة ما يمليه الشعور والإحساس فقط 

لا أستعين بعنصر الخيال غرضاً لجذب إهتمام او لفت انتباه ، لا استعير بأبطال لقصصي لخلق شيء من التشويق ، لا اصطنع شيء من الأحداث لأن ما أعيشه من مزيج الشعور جعلني في غنى عن كل ذلك

وبعيدا عن التكلف ، قد يكون المحتوى الذي أكتبه بحاجة الى اضعافه إذا ما تطلب الأمر تفسيره وأضعاف أضعافه إذا ما شاء النقاد قراءته 

 

انا لا أكتب رواية بل أكتب قضية 

أنا هنا إسم ليس إلا ، روحي تصبح شاردة ، تائهة ، ضائعة ، وجسدي يصبح مشلولاً وأنفاسي كذلك تعاني الاختناق الشديد عند أبسط غياب 

من هنا قد ربما بدأ الحرف يفضحني ويوقعني خجلا عند من يتابع ويقرأ ويطلع ، لا بأس في ذلك فحروفي غالبا ما تكون عارية دون ستر ومع ذلك تأبى إلا أن تظهر متباهية بل وأكثر ثقة ، وقد ربما يتهور الحرف ويجتاز الخطوط الحمراء دون أن يسعفه التمهل ، وقد ربما يهذي لدرجة أن الخجل ينتظره بآخر سطر بعد آخر كلمة ، ولهذا أقف دون أن أكمل ما بدأت به 

 

ومن هنا ابدأ 

من عينيكي استمد محاسن اللغة "

عينيكي ! ما عينيكي !

عينيكي بحر أخجل اللغة 

عينيكي سحر آمن به عجز الحروف 

عينيكي عالمي الفسيح و سجني ، فيه فسحتي وتنزهي ، قضباني التي لا أود الخروج منها

عينيكي ادخلتني عالم من الخيلاء ، لا أدري إن كان خيال أم حقيقة ، المهم أنه عالم آخر ، غير الذي كنت فيه 

عينيكي ورطتي التي لا أريد نجاة منها 

عينيكي طوق يسلب البشرية حريتهم ويمنحها لي

عينيكي فخ وما أسعدني منذ أن وقعت به

 

آه يا أنتي ، ما ألذ العذاب حينما تكونين سبباً بحدوثه

إن كان بقلبي حريق و حطام ودمار شامل فلا بأس في ذلك ، طالما وأنك من اشعلتي هذه النار فهي نعيمي وفيها خلودي الأبدي 

يا أنا كم اتعذب 

يا أنتي ، نار حبُك جنتي 

ما أكرم الحظ حينما جمعني بك وجعلني التقي بفتاة مثلك ، كم أنا ممتن لتلك الصدفة بل ولتلك اللحظة التي شردت بها نحوك على غير قصد ، كنتي تجلسين على ردهة الممر شاردة في سطور ذلك الكتاب الذي كان في يدك ،  أتمنى لو بإمكاني زيارة ذلك المكان والذهاب اليه بل  أتمنى لو أن لي نفوذ او سلطة لكي أجعل من ذلك المكان مزاراً لي وحدي دون أن يخطو عليه أحد 

 

يا أنا، كم أتحرق ببعادك ، اتفتت بغيابك ، حينما تكونين معي أذوب وأتشكل شخص اخر

يا أنتي كم أحبك ! هل تدرين كم ؟ 

الى درجة أنك ستصابين بالاعياء والارهاق والتعب 

إلى درجة أن جسدك لن يتحمل هذا القدر من الحب إذا ما عبرت عنه جسدياً ، ولن يقوى على تحمل أذيتي المستمرة لك ؛ 

أحبك يا ، زادي ومائي والهواء !

اقول لك هيا اصعدي ، اركبي 

-  إلى أين ؟ .. اتمنى أن تسعفني الجرأة وأقول لك إلى حيث لا مكان ، إلى حيث لا أحد ، حيث لا ضجيج ، ولا زحام ، و لا صخب ولا ازدحام ، أود القول لك بأننا سنذهب إلى ذاتنا ، إلى عالمنا ، إلى بعضنا ، ما لمانع في أن أقول لك هذا وانت على يقين بأنني لن اجرؤ على فعل شيء ، لن اتصرف بحماقة ، لن اتهور ، لن افعل..... 

أتمنى لو يطول بنا الطريق..... يا نقطة التفتيش أوقفوا حركة السير... في الباص عبوة ناسفة أوقفوا الخط.... 

اتمنى أن يحدث ازدحام لا خروج منه، أتمنى أن تبقي معي وبجانبي  لساعات... لأيام... لأعوام... اتمنى أن تكوني بجانبي إلى حيث لانهاية إلى حيث لا زمان ولا مكان... إلى حيث أُفنى وأموت وانت بجانبي 

اه يا يديك الناعمتان يا اناملك النحيلة يابشرتك السمراء ، أكاد احترق 

 إلى أين؟ إلى كريتر 

من أين؟ من الخور ! 

تبقت نصف المسافة حتى نصل ، وسيذهب كل منا في طريقه ، عجلات الباص تلهف الأسفلت بسرعة جنونية

  اقول لصاحب الباص تمهل... أتظاهر بالتعقل و الحقيقة اني لا أريد أن أصل 

أريدك أن تبقي بجانبي ، أريد أن أعبر معك كل شبر وكل متر، كل طريق وكل درب، كل اسفلت وكل تراب وكل محيط وكل يابسة، أريد أن نسافر إلى حيث لا نهاية، إلى آخر نقطة تعود بي الى هنا وهناك وتذهب بي الى كل أرض ، إلى حيث لا يتحدد لنا مكان ولا زمان ، إلى حيث لا وجهة معينة، أود أن يقف العالم ومن عليه وتسكن عقارب الساعات، اتمنى لو أن الوقت يقف حينها 

التفت نحوك، تصادمني عينيك، الابتسامة المتوارية خلف ملامحك تزيدني ولعاً وتعلقاً بك ، ليت لي أن امسخ الحدود والمليمترات التي تفصلني عنك 

ااااه يا لهفتي يا غلمتي ونشوتي حين يصطدم كتفي بك، أشعر بجسمي  كما لو أنني تناولت جرعة هروين

انتي بجانبي في الباص نفسه على المقعد نفسه  تفصلني عنك مليمترات فقط، مليمترات مليئة بالنشوة من احتكاك ثوبي بعباءتك، مليمترات فقط ومع ذلك لم أستطع تجاوزها ، أستنقذ بمنعطف أو بحفرة، لكن بلا فائدة،  أمد يدي أغلق نافذة الباص خشية عليك من صفعة  الريح، تمر يدي فوق كتفيك، أريد أن اطوقك بيدي، داخلي يحترق وجسدي كذلك ينصهر، اريد أن التصق بك، جسدي يتأوه نشوة قرب جسدك ، كل خلية بجسدي تموت شوقا لملامستك، يداي كذلك متلهفة ليديك ، شفتاي ترتعد شوقاً لتقبيل شفتيك، أريد أن أطوقك و احتضنك

ياوجع الفقد والحنين 

هل كنت في عداد الموتى حتى أقول أنني بك أحيا ولأجلك أعيش وأبقى 

كيف انجذبت اليك وكيف تعلقت بك وكيف انقذفت نحوك ؟ هل ملت اليكي واستملت  !  إن كان كذلك فبأي وقت؟ بأي مكان؟ وبأي موقف؟ 

اجيبيني... قولي... تحدثي

أرى أن حبك خلق معي في المهد وولد معي ولازال يرافقني ولن يتخلى عني حتى اللحد 

تعلقت بك هذا كل ما في الأمر، لكن منذ متى، وكيف... لا أدري! 

أرى أن حبك  هبوط فجائي إلى دواخلي على شكل روح! كل الاحتمالات واردة 

ومن هنا أعيد المعنى ذاته وأكرر الشيء نفسه، و آن لي أن أُقسم لك بأنني بك أحيا ولولاك لكنت في عداد الموتى، ها أنا ذا ملقي على فراش المرض، 

أتمنى منك اتصالاً لكي أفيق

أتمنى لو أسمعك وأحدثك عما حل بي

أتمنى لو أسمعك لكي أتعافي وأُعافي وعكة الداء من استحلال جسدي 

يضحكني هذا القدر من الحقن وكبسولات الأدوية، أضحك على كل من يرغمني بأن احشي بضع لقيمات في فمي

كل هذا لن يفيد ولا يفيد وما أفادني بشيء... وأنا على يقين بأن كل شيء من هذا قد يكون سماً على جسدي.

تضحكني وصفة الطبيب الذي يقبع جانبي ويشخص حالتي ويحدثني عن الملاريا التي حلت بي وعن التهابات الحلق والصدر وعن نقص مناعتي

لأول مرة أدرك أن أجهزتهم كاذبة... وما بي من شيء غير أنني أتمنى لو أسمع صوتك فقط

بإمكاني إجراء إتصال لكن ذلك لن يفيدني بشيء وشحت الاهتمام شيء موجع ومؤلم يجعل الشخص في غاية الضعف ويحط من ثقته بمن أحب " أريد " أود " أتمنى لو يصدق إحساسك ولو مرة واحدة فقط؛ لكي أؤمن بأن لي شيء من القدر والتقدير عند شخصك الذي أسرني و عند ذاتك التي تملكتني

احظري وأنظري ما حل بي 

ااه لو تعرفين كم أنا بحاجتك؟ 

كم أتمنى لو أنك بجانبي، وجودك سيمنحني روح غير التي أماتها المرض

بإمكاني مباشرة الإتصال، لكني أفضل أن أموت على أن أشحذ اهتمامك، وأدعو الرب أن لا أُحمل من هذا السرير إلا جثة هامدة ففي الموت راحة لي من هذا العذاب، أحن لتلك الرقعة البيضاء، أتمنى لو تطوى على جسدي وأُزف إلى حفرة لا نهوض منها... معك انتِ، أو هناك فقط تكون راحتي وارتياحي.... وفي هذا خلاص لي مما أعيشه من هول العذاب وشديد الألم وكثرة العناء والوجع

أتمنى لو أموت......

لا أدري لماذا اكتب لك ولست لي، أكتب عنك ولن يصلك شيء مما أكتبه 

اقترب منك أيضاً ولست ليرغم أن يقيني كامل أنني بهذا أجلب لنفسي عذاباً أنا في غنى عنه.

لكن لماذا؟ كدت أنسى! فلماذا حل بي هذا المرض؟ ألكي أتذكرك فقط ويشعرني باحتياجي الشديد لك