آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-06:09م

أدب وثقافة


ديوان الجنيد (( دمون تبكي امرأ القيس )) 

السبت - 12 يونيو 2021 - 06:08 م بتوقيت عدن

ديوان الجنيد (( دمون تبكي امرأ القيس )) 

(عدن الغد )خاص:

بيان سياسي جنوبي في حلة شعرية فائقة الجمال 
كمال محمود علي اليماني 
الشاعر هو جنيد محمد الجنيد ، وهو شاعر استطاع أن يشق لاسمه دربا بين دروب مجايليه من شعراء السبعينات أمثال محمد حسين هيثم، شوقي شوفيق ،مبارك سالمين ،جلال أحمد سعيد ، نجيب مقبل ، عبدالرحمن السقاف ، عبدالرحمن إبراهيم و جمال الرموش والقائمة تطول. 
والشاعر جنيد يكتب القصيدة العمودية بحرفية عالية ، وليس أدل على ذلك من قصيدته (حضرموت) المنشورة في ديوانه ( منمنمات حضرموت)وقصيدته (حداد الناي)المنشورة في ديوانه الذي أعرضه عليك اليوم وهو بعنوان ( دمون تبكي امرأ القيس )، فحين تقرأ تينك القصيدتين تجد أنك تقف أمام شاعر عمودي أصيل ، له في عمود الشعر باع طويل وعميق ، غير أنه اختار الشعر التفعيلي طريقة واسلوبا فنيا لإيصال أشعاره إلى المتلقي، وبذا لايكون هذا الاختيار عن عجز،ولكنه قرار تأكد في نفسه لما تبدى له من جماليات هذا الأسلوب الشعري واندياحاته ، وماتشكله القصيدة السطرية من فضاءات واسعة لاتحد ،ولاتقيدها صورة التوازي في الأبيات .
وديوان ( دمون تبكي امرأ القيس ) كما تبدى لي من خلال محتوى قصائده، بيان سياسي جنوبي جاء في بصياغة شعرية عالية الجمال. 
الغلاف حوى لوحة فنية بديعة تصور بعض أبنية بنيت على الطراز الحضرمي ، ويتثنى في اللوحة درب يبتدىء من البياض المنفسح ليوغل في البياض المنغلق المؤدي إلى البيوت ، واللوحة بريشة ابنة الشاعر ذاته ، المهندسة المعمارية مريم. 
ويقف نص ( وطن) شامخاً أمام عينيك حالما تبدأ تصفح الديوان ، حيث يظهر أمامك نص قصير ، أشبه مايكون بقصيدة هايكو ، موزع على خمسة أسطر لا أكثر ، لكنه يحفل بجمال باذخ مفعم بالإنزياحات. 
يقول الشاعر في نصه ذاك : 
راية للجنوب 
في سماء عدن 
حولها الشهداء
يطوفون في فرح 
رافعين وطن 
وسواء عليك اتفقت معه في موقفه السياسي أم اختلفت ، فإنك لاشك ستقف مشدوها أمام هذا التصوير الجميل للقضية . 
وفي قصيدة ( الحصان ) أحسب أنه قد وظف انزياحاً دلالياً ، بل قل انزياحات دلالية كثر ، ولعل أولها هو عنوان القصيدة ، فالحصان هنا معادل موضوعي ، كما أرى ، للمؤتمر الشعبي العام ، فهي قصيدة سياسية بامتياز ، لكنها خالية من الخطب والنبرة العالية ، والشجب أو الندب ذي اللهجة الصريحة ،إنها قصيدة تحمل إدانة واضحة للمؤتمر الشعبي العام الذي كانت له صولات وجولات ، وكان يمنّي الشعب بالوعود التي أضحت وعوداً خلّباً ، وغدت بروقه رعوداً لاتحمل سوى غيمات يابسات : 
الحصان الذي خط حافره الأرض.. 
فالتأمت 
خر منكسراً 
الحصان الذي ضمخ الصدر بالكبرياء
توسد أحزانه
وانزوى
الحصان الذي ..
وهكذا تتابعت النقاط ثلاثا ثلاثا ثم راحت تتلاشى لتظهر نقطة واحدة فقط في البياض كدلالة على انحساره .
وفي قصيدة ( على باب صنعاء) تقرأ بيانا  سياسيا ألبسه الشاعر حلة الشعر ، وأعلن فيه موقفه السياسي من الوحدة اليمنية ، هنا يجسد رؤيته التي كانت مع الوحدة مثل كثيرين غيره ، جاءوا إلى صنعاء : 
نجيء لصنعاء 
نحمل في سلة الحلم خمرتنا 
لكن الحلم الذي حملوه داخل جرتهم سال على أرصفة الواقع
ثم صورها،  إذ:
فتكسر جرتنا 
وتتركنا
ثم يشير بجمالية عجيبة إلى دعوى الانفصال ، فترتسم صورة بديعة تتمثل فيها الانزياحات الدلالية بصورة مذهلة حيث يقول : 
ندور على بعضنا
والنسيج تمرد من مغزله 
سنمسك بالخيط من أوله .
وفي قصيدته العصماء ، درة تاج الديوان ، وواسطة عقده التي اتخذها الشاعر عنواناً لديوانه، يقول الشاعر : 
دمون إنــّا معشر .. أهلٌ محبون ، وهذا البيت كان امرؤ القيس هو من قاله قبل قرون بعيدة ، غير أن الجنيد عمد إلى انزياح يطلق عليه أهل النقد الشعري الحذف ، فجاء البيت على تلك الشاكلة في حين أنه في الأصل : 
دمون إنا معشر يمانون .. ولأهلنا محبون 
فاسقاطه لفظة يمانون تؤكد موقفه السياسي من قضية الوحدة اليمنية ، واتجاهه نحو دعوى الانفصال .
وفي الديوان إدانات عدة للحرب التي اندلعت في مارس 2015م ، ولازالت رحاها تدور منذ ذاك الحين وحتى يومنا هذا ، ولايعلم نهايتها إلا الله .  
ومن  أجمل الإدانات التي حملتها قصائد الديوان ، قصيدة ( في ضفاف الأبد )  إذ تحكي قصة فتى كان يرى مقبل عمره يتزين جمالا فإذا بالقناصة الذين اطلقوا حقدهم على كل شيء أودوا به وبحلمه :
قرب بيتي 
فتىً كان يحلم ُ
والأفقُ الرحبُ يملأُ عينيه 
بين يديه النجوم يرصّعها زينة ً
للحياة على أرضه
غي أن الرصاصةَ أسبق من حلمه
فمضى هانئاً
روحه في ضفاف البلد .
وفي قصيدته ( على جبلٍ وقفتُ) تجد انزياحا معنوياً يتوافق مع وقوف الحجيج بعرفة ، فهناك تأسرالحاج القداسة الدينية ، وهنا ، على هذا الجبل ، تشدالشاعر إلى عليائه القداسة الوطنية ، ويعني بها قداسة القضية التي آمن بها الشاعر وسمت به إلى حيث يرسم نجماً ، يقول : 
 على جبلٍ وقفتُ رسمتُ نجماً
يشع على البيارق في سمائي
ثم يؤكد أهمية الجبل/ القضية وثباته من خلال تكرار جملة ( هنا جبل) ، فهي قد تكررت مراتٍ أربعا، وهو جبل لاتهزه العواصف ذلك أنه : 
هنا جبلٌ
 عليه تسابق الشهداء أفواجا
ومايبغون إلاّ
أن تطلَّ الأرضث عرساً
هنا جبلٌ
يشع على البيارق في سمائي
أما قصيدته ( مراثي الثمالة) فهي بحق مسك الختام ، ولو كان هناك متسع من الفراغ الأبيض لأوردتها لكم كاملة ، إنها قصيدة استطاع الشاعر جنيد أن يشحن فضاءاتها بكل أحاسيسه ومشاعره ، وأن يرسم من خلال حروفها وسطورها لوحة متكاملة عن تاريخ الخوذة العسكرية التي شكلت نظاماً قمعياً لايفي بعهوده ، ولايعرف طريقا للسيطرة سوى الحرائق والدم ، ويؤكد الشاعر مرة أخرى موقفه من وحدة حاكمها يعتمر خوذة عسكرية فيقول : 
كيف نفسر ماكان .. ماحولنا 
كيف يجرؤ من يتمنطق بالخنجر الخصر،
أن يتآلف يوما مع الماء..
كيف نفسر أن يعتمر الشجر البض
بالنبضات التي ينكسر إيقاعها 
وكيف نشد على وتر المأزق الصعب.. 
كيف بنجمتنا أن نلم الشتات.  
الديوان من إصدارات دار حضرموت للدراسات والنشر لهذا العام 2021م ، وقد جاء في نحو 120 صفحة ذات المقاس الصغير، وهو الديوان السادس للشاعر جنيد محمد الجنيد ، وإن كان هناك ديوانان معدان للطبع أترقب وغيري من محبي الشاعر الجميل والرصين صدروهما في عاجل وقت وقريب فرصة .