آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-12:18ص

ملفات وتحقيقات


تقرير: الحوارات الجنوبية المتعددة.. هل تفضي إلى مسارات تفاوضية موازية لنفس القضية؟

الإثنين - 29 مايو 2023 - 09:32 ص بتوقيت عدن

تقرير: الحوارات الجنوبية المتعددة.. هل تفضي إلى مسارات تفاوضية موازية لنفس القضية؟

(عدن الغد)خاص:

تقرير يسلط الضوء على الحوارات الجنوبية المتعددة والمسارات التفاوضية الموازية..

ما هي الدواعي والمبررات من إنشاء كيان سياسي جنوبي آخر في هذا التوقيت؟

ما نقاط الخلاف بين هذا المكون السياسي الجديد ومكون الانتقالي الجنوبي؟

هل فتح أكثر من نافذة للحوار الجنوبي يضعف القضية الجنوبية؟

هل ستسفر هذه الحوارات عن أكثر من وفد تفاوضي لنفس القضية؟

ما هو مستقبل القضية الجنوبية في ظل تعدد الكيانات والحوارات؟

الحوارات الجنوبية المتعددة.. إلى متى؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

يتوالى المزيد من فتح النوافذ للحوار السياسي الجنوبي بين القوى والكيانات السياسية الجنوبية على هامش إيجاد الحل العادل للقضية الجنوبية، وكأن حوارا واحدا لا يكفي.

فمن لقاء عدن التشاوري الذي دعا له الانتقالي إلى لقاء سيئون التشاوري الذي دعت له مكونات وكيانات سياسية وقبلية حضرمية، إلى لقاءات حوارية تجري منذ ثلاثة أيام في العاصمة السعودية الرياض بشأن القضية الحضرمية.

وفي ثنايا هذا الزخم في المشهد السياسي الجنوبي، تأتي أنباء عن لقاء تحضيري في العاصمة المصرية القاهرة لقوى سياسية جنوبية حراكية وسياسية، تستعد لإشهار مجلس تنسيقي يضمها في إطار واحد، يمهد بالتأكيد لحوار موازٍ آخر للحوارات التي جرت مؤخرا.

بات الانقسام والتباين في المواقف بين الطيف السياسي الجنوبي ظاهرة تميز العقل السياسي الجنوبي، فمنذ الحراك السلمي في عام 2007 وصلت المكونات السياسية إلى أكثر من 50 مكون وكيان وتجمع وحزب، وما تزال الأيام المقبلة كما يبدو حبلى بالمزيد من هذه الكيانات والمكونات تحت يافطات مختلفة.

> الميسري يتصدر كيانا سياسيا جديدا.

بحسب المصادر الخاصة لـ(عدن الغد)، فإن الجهود التي يقودها وزير الداخلية الأسبق ورئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الشعبي العام الجنوبي  أحمد الميسري، تستعد لإشهار تكتل سياسي ضمن إطار تنسيقي واحد.

يضم التكتل السياسي الجديد عدداً من مكونات الحراك الجنوبي وقوى سياسية جنوبية، لم يشملها لقاء عدن التشاوري، بالإضافة إلى شخصيات سياسية ووزراء ومسؤولين سابقين وشخصيات قبلية واجتماعية جنوبية، كان لها موقف سياسي مشكك ورافض لحوار عدن الذي دعا له المجلس الانتقالي في 4 مايو من الشهر الجاري.

وقالت مصادر للصحيفة إن مشاورات أجريت في الأردن وسلطنة عمان وعدن والقاهرة وعواصم أخرى لهذا الشأن، أفضت إلى اتفاق على إشهار الكيان السياسي الجنوبي الجديد.

ومن المتوقع أن يفتح هذا المكون الجديد حوارا جنوبيا بين تلك المكونات، سيفضي إلى مخرجات ونتائج قد تتفق أو تختلف مع ما سبقها من نتائج ومخرجات للحوارات واللقاءات السابقة التي انعقدت في كل من عدن وسيئون.

وقال الدكتور عبدالكريم السعدي، رئيس تجمع القوى المدنية الجنوبية، وأحد مؤسسي هذا التكتل: يضم هذا التكتل الجديد إلى الآن 15 كيانا جنوبيا قابلا للزيادة، وإننا نسعى للوصول إلى المؤتمر العام الجنوبي الذي يضم الجميع، والأهم في هذا الكيان الجديد ليس الحشد بل التنوع السياسي للكيانات والمكونات المنظمة له.

وأضاف السعدي: إن الانتقالي بذل جهودا كبيرة وأرسى اللبنة الأولى للحوار الجنوبي الجنوبي، مشيراً إلى أن الهدف ليس منافسته بل السعي  إلى مصالحة جنوبية - جنوبية شاملة، تضع الجميع أمام الاستحقاق الشعبي لتقرير القضية الجنوبية ومستقبل الجنوب.

وأشار السعدي إلى أن مشكلة الجنوبيين الكبرى ليست في استعادة الدولة بل في إدارة التنوع السياسي والتخلص من إرث الإقصاء والتهميش.

وتساءل السعدي: ما قيمة دولة استعيدها اليوم، وغدا أول ما يختلف "السعدي" مع فلان أو علان في هذه الدولة، يمارس عليه الإقصاء والتهميش والنفي والقتل والسحل؟!.

وأكد السعدي أن خلافنا مع الانتقالي ليس في الهدف، وإنما في الآليات التي جرى الحوار عن طريقها.

وبين السعدي نقاط الخلاف بين المكونات الجنوبية المقاطعة والانتقالي بقوله: كان يجب التمثيل في المجلس الانتقالي على أساس المساحة والسكان، والحضور الوطني، كما أنه يجب أن تكون هناك آلية لتدوير المناصب القيادية في الهيكل القيادي للمجلس، لتطمين الجنوبيين بأن تجربة الإقصاء والاستفراد للجبهة القومية في تقرير مصير الجنوب لن تعود مجددا.

> قضية واحدة.. وحوارات كثيرة

من الملاحظ إن المشهد السياسي في الجنوب يعاني من تعدد المكونات والكيانات والتيارات السياسية، إذ أصبح الانقسام السياسي بينها واضحا للعيان، وانعكس هذا الانقسام على الحوار السياسي بين تلك القوى ما بين التشكيك ببعضهم البعض والقدرة على الوصول للتوافقات بشأن تمثيل القضية.

يرى متابعون للمشهد السياسي الجنوبي أن هذه الانقسامات، قد تتجاوز طبيعة البحث في المشكلة والقضية الجنوبية، وما هو خيار الحل الأمثل لها، إذ تتعدد خيارات الحل للقضية الجنوبية وفق عدة رؤى لعل أبرزها ما عرف بخيار "استعادة الدولة" أو "فك الارتباط" الذي يتبناه المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي وقوى حراكية أخرى انضمت إليه مؤخرا.

في نفس السياق تقدم قوى ومكونات جنوبية أخرى حلولا في إطار اليمن الواحد وتتبنى الصيغة السياسية الفدرالية - كما هو في مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد في العاصمة صنعاء بين عامي 2013 - 2014، وهناك مكونات جنوبية أخرى تتبنى خيار "فك الارتباط" لكن ليس بشكل فوري وإنما بشكل تدريجي على صيغة سياسية كونفدرالية تنتهي باستفتاء شعبي على تقرير المصير بفترة زمنية لا تتعدى خمس سنوات، وهذا الخيار الأخير تم تبنيه من قبل مؤتمر القاهرة 2011 الذي حضره الرئيس الأسبق لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية علي ناصر محمد ورئيس الوزراء في دولة الوحدة المهندس حيدر أبوبكر العطاس وآخرون.

وحسب هذا الرأي فإن الصراع بين القوى والمكونات السياسية الجنوبية يكمن حول الزعامة والتمثيل للقضية الجنوبية في المحافل المحلية والإقليمية والدولية.

وفق سياسيين جنوبيين، فإن ما يعزز من هذا الانقسام الجنوبي التدخلات الإقليمية وحالة الاستقطاب السياسي الحادة لمختلف قوى الحراك الجنوبي الثوري منه والسلمي والحزبي على حد سواء.

مما لا شك فيه أن هذا التشرذم الجنوبي في الرؤى والأولويات وطرق المعالجة، قد يضعف من القضية، ما لم تجري حوارات جادة وشفافة بين تلك القوى، تسهم في تضييق مساحة التباينات في المواقف والرؤى، وتجعل من الجميع يسيرون خلف قضية واحدة ومصير واحد.

> تعدد في الرؤى.. أم غياب للثقة؟

من الواضح للمتابعين أن هناك حالة عدم ثقة بين المكونات الجنوبية المختلفة، سواء تلك التي تتبنى خيار فك الارتباط الفوري أم تلك التي تتبنى خيار فك الارتباط بشكل تدريجي، أو تلك القوى الحزبية الجنوبية الوحدوية التي تتبنى خيار اليمن الواحد متعدد الأقاليم.

ووفق محللين سياسيين، فإنه لم يكن في الحسبان أن تبرز إلى السطح "القضية الحضرمية" على هامش هذا الصراع الجنوبي، وتعلن عن نفسها كقضية مختلفة نوعا ما، فالأصوات التي تتبنى هذه القضية تزعم أن حضرموت ليست يمنية ولا هي جنوبية.

ما يزيد المشهد الجنوبي السياسي سخونة، هي ظاهرة الاستئثار بالحوار السياسي، والبحث عن الصدارة لتمثيل هذه القضية والتفاوض نيابة عن الآخرين لتحديد مصيرها- يقول آخرون.

تبدو المقاطعات في نظر البعض طبيعية بين القوى والمكونات الجنوبية لاختلاف التوجهات والتجارب السياسية، وتجري الجهود لتجاوز الصعوبات التي تعترض تحقيق التوافقات على طريق صياغة رؤية جنوبية مشتركة تساهم في تعزيز نهج الحوار بدلا عن دوامة الصراع السياسي التي عانى منها الجنوب كثيرا.

> وفد تفاوضي.. أم عدة وفود؟

تشير المعطيات السياسية الحالية للمشهد السياسي للقوى والمكونات الجنوبية إلى ما سيؤول إليه ملف التفاوض السياسي بشأن القضية الجنوبية في سياق الحل الشامل، فمن المتوقع أننا ذاهبون إلى أكثر من وفد تفاوضي جنوبي يدعي تمثيل القضية، ما لم تجر حوارات جنوبية - جنوبية تفضي إلى وفد يتوافق عليه الجميع.

وفق نظر الكثير من السياسيين الجنوبيين، فإن التاريخ السياسي الجنوبي قد شهد تجارب من هذا النوع، وهو أن يذهب فصيل ثوري أو مكون حزبي وسياسي بالتفاوض عن الجميع، دون أن تتوافق كل الفصائل والمكونات والكيانات الثورية والحزبية على هذا الخيار أو ذاك.

بصورة أوضح يخشى البعض من تكرار تجربة الاستقلال من الاستعمار البريطاني 1967، حين انفرد يسار الجبهة القومية بملف التفاوض السياسي بعد أن تم اقصاء وتهميش يمينها، أما التجربة الأخرى التي ما يزال يعيش جنوب البلاد آثارها ونتائجها، حين  قرر الدخول في دولة اندماجية مع الشمال ثم انتهت هذه التجربة إلى الفشل السياسي.

ففي مثل هذا الشهر من مايو 1990 ذهب الرئيس الجنوبي علي سالم البيض مع بعض من وافقه رأيه في المكتب السياسي واللجنة المركزية  إلى وحدة اندماجية مع شمال البلاد، ثم تبين له بعد 3 أعوام من تحقيقها أنه كان على عجلة من أمره، فما كان منه إلا أن يصحح هذا المسار بالإعلان عن فك الارتباط، عقب انفجار حرب صيف 94م.

يرى باحثون ومختصون أن الذهاب إلى حوارات تحت سقف فك الارتباط أو الانفصال دون السماع إلى المكونات الجنوبية الأخرى التي تخالف بالرأي، والسماح بطرح خياراتها على الطاولة ومناقشتها، فإن ذلك قد يؤدي إلى نتائج تنعكس سلبا على الحلول المقدمة للقضية الجنوبية، وقد لا يدرك مناصرو خيار فك الارتباط بشكل فوري المخاطر والتكاليف الباهظة التي ستلحق بالقضية، إذا ما تم تجاهل الخيارات العقلانية الأخرى التي قد تصب في خدمة القضية بشكل أفضل.

> مستقبل القضية.. في ظل تعدد الكيانات والحوارات

كما يبدو، فإن تجربة (نفق جولد مور) قد عافها الجنوبيون، ولا يريدون للقضية الجنوبية أن تمر في نفق آخر وفق خيار أحادي لا يأخذ رأي الجميع.

الأغلب من القوى الجنوبية يؤكدون أن الإجماع هنا مهم، ولذا يجب أن تشمل اللقاءات التشاورية الجنوبية كل الكيانات الفاعلة في المحافظات الجنوبية من الحركات والقوى والفصائل والأحزاب السياسية النضالية دون إقصاء أو تهميش أو استفراد بالقرار التفاوضي على قضية تمثل اليوم مفتاح السلام في المنطقة وأساس الحل للقضية اليمنية برمتها.

يتطلع الجنوبيون هذه المرة إلى تجربة مختلفة، لا يحضر فيها العقل السياسي الجنوبي الإقصائي الذي تسبب بكوارث على جنوب البلاد منذ الاستقلال عن بريطانيا 1967، وما تبعه من مراحل سياسية أفضت إلى ما آل إليه وضع الجنوب اليوم.

ما يخشاه البعض هو تكرار هذا الإرث السياسي الذي كان ينبغي تجاوزه، عطفا على الأحداث السياسية التي مر بها الجنوب.

هناك من يشكك باستطاعة المجلس الانتقالي الجنوبي في أن يذهب منفردا بتمثيل القضية الجنوبية، دون ممثلي الكتلة الشرقية الجنوبية الأكبر مساحة وسكانا، كمؤتمر حضرموت الجامع، ومرجعية وحلف حضرموت، وكتلة حضرموت النيابية وقيادة الهبة الحضرمية، والعصبة الحضرمية، ولجنة اعتصام المهرة والمجلس العام لأبناء المهرة، بالإضافة إلى كيانات سياسية وحزبية مؤثرة كالائتلاف الوطني الجنوبي الذي يقوده رجل الأعمال الشيخ أحمد صالح العيسي، والمؤتمر الشعبي العام الجنوبي الذي يقوده المهندس أحمد الميسري، والمؤتمر الوطني لشعب الجنوب بقيادة محمد علي أحمد.

وهناك شخصيات اجتماعية لها كلمتها غابت أيضا عن مشاركة الانتقالي حواره كالشيخ القبلي المؤثر صالح بن فريد العولقي، والرئيس علي ناصر محمد ورئيس الوزراء الأسبق حيدر أبوبكر العطاس، وغيرهم من القيادات الجنوبية.

خلاصة القول، من المهم تحقيق إجماع وتوافق سياسي جنوبي حول مضامين التغيير المنشود لجنوب ما بعد الحرب، لكنه في نفس الوقت لا يجب أن يذهب كيان واحد من الجنوبيين، ويدعي أن له الحق الحصري، لما لهذا الخطوة، إن حدثت، من مخاطر سياسية على مسار القضية الجنوبية تعيد ماضي الصراعات وتضع كوابح أمام الحل العادل للقضية الجنوبية حاضرا ومستقبلا.