آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-04:15م

ملفات وتحقيقات


كيف تحول مشروع إعادة تشغيل مصافي عدن إلى بؤرة فساد كبيرة؟

الثلاثاء - 28 يونيو 2022 - 11:31 ص بتوقيت عدن

كيف تحول مشروع إعادة تشغيل مصافي عدن إلى بؤرة فساد كبيرة؟

(عدن الغد)خاص:

تقرير يطرق أسرار شركة مصافي عدن ويسبر أغوار وخفايا تعثر مشروع إعادة تأهيل محطة الكهرباء بالمصفاة واستئناف تشغيلها..

لماذا توقفت أعمال إعادة تأهيل المصفاة حتى اليوم.. ومن المستفيد من ذلك؟

كيف انعكس تعثر مشروع إعادة تأهيل محطة المصفاة على البلاد والمواطنين وموظفي الشركة؟

ما تأثير عدم استئناف تشغيل المصفاة على موظفي الشركة واستمرار التلاعب بأسعار الوقود؟

لماذا يتم صرف مستحقات المقاول المسئول عن مشروع إعادة صيانة محطة الكهرباء دون تحقيق هدف المشروع؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

استكملت بريطانيا بناء مصفاة للنفط في مستعمرتها بمدينة عدن عام 1954، بعد عامين فقط من بدء إنشاءه، ليكون بديلا لمصفاتها الذي أممته ثورة وطنية في إيران العام 1952.

كان لا بد من امتلاك الإمبراطورية، التي لا تغيب عنها الشمس آنذاك، مصافي لتكرير النفط المستحوذ عليه من دول الخليج والشرق الأوسط الذي كانت تسيطر عليه بريطانيا وتحتكره.

كانت عدن المكان الملائم للمصفاة الجديدة، خاصة مع بداية حقبة جديدة من الاعتماد على الوقود الأحفوري بدلا من الفحم، والذي كانت عدن أيضا مركزا له على مدى عقود طويلة خلال الاحتلال البريطاني.

مثّلت المصفاة صرحا اقتصاديا لبريطانيا، كما أصبحت ركيزة رئيسية وأساسا مهما لاقتصاد دولة الاستقلال الوطني الذي ورثته من بريطانيا بعد 10 سنوات على خروجها من عدن والمحميات الجنوبية، وتحديدا في عام 1977، حين تم تأميم المصفاة.

واستمر هذا الصرح الاقتصادي في خدمة دولة الجنوب أكثر من 13 عاما، ويساهم في استقرارها التمويني من الوقود، كونه مركزا لتكرير الوقود في المنطقة برمتها، حتى تم تحقيق الوحدة اليمنية.

خلال مرحلة الوحدة، مرت شركة مصافي عدن بالعديد من المراحل والتحديات، التي سعت إلى حصحصتها تارةً، ومحاولات تصفيتها تارات أخرى، وتحميلها أعباء من الموظفين الذين لا تحتاجهم المصفاة، والتي انسحبت تأثيراتها إلى اليوم.

ولعل أبرز تلك التأثيرات توقف عمل المحطة الرئيسية لكهرباء المصفاة الـ"پاور هاوس"، والتي يعتمد عليها المصافي في تشغيل كافة أقسامه وإداراته، بل ويطلق عليها الورشة الأساسية.

فمشاكل مصافي عدن ليست وليدة اللحظة، أو بسبب توقف تشغيل محطة الكهرباء، ولكنها بدأت منذ وقت مبكر، وتحديدا عقب منتصف تسعينيات القرن الماضي، حين أُهملت عملية تحديثها رغم مرور قرابة نصف قرن على تأسيسها دون أي تجديد.

كما أن سياسة التوظيف التي عاشتها المصفاة خلال تلك الفترة، وما بعد بداية الألفية الجديدة، ساهمت في تدميرها وتكبيدها أعباء وهياكل مرتبات لموظفين لا تحتاجهم شركة مصافي عدن.

حيث تم المبالغة في توظيف حراس أمن وفراشين وعمال نظافة، في ظل حاجة الإدارات الفنية التي يقوم عليها المصفاة لمهندسين ومختصين وكوادر مؤهلة لإدارة أقسام الإنتاج والعمليات، وهو ما أثقل كاهل الشركة بهياكل أجور ضخمة ألقت بظلالها إلى اليوم.

وفي ذات الوقت، أُهملت عملية التأهيل الفنية للورشة الرئيسية واستيعاب كفاءات هندسية متخصصة كانت المصفاة بأمس الحاجة إليها، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، وهو ما أنتج الحالة الراهنة التي تعيشها المصفاة اليوم، والتي بلغت مستوى مأساويا.

> خسائر وتأثيرات توقف المصفاة

بدأت دعوات إعادة تأهيل شركة مصافي عدن منذ عام 2012، عقب ثورة فبراير الشبابية، ورغم جدية القائمين على ذلك المشروع في حينه، إلا أنه لم يرَ النور حتى اليوم، ولم يبدأ التحول من مجرد الدعوات إلى الأعمال إلا ما بعد فترة 2015.

كانت شركة مصافي عدن عقب معارك التحرير تعمل بطاقتها العادية ما قبل عام 2015، واستمرت كذلك حتى عام 2016، حين بدأ العمل في مشروع إعادة تأهيل محطة الكهرباء الرئيسية، حينها توقف العمل بشكل كامل في المصفاة، ولم يكن هناك ما يبرر هذا التوقف سوى إعادة تأهيل الورشة الرئيسية.

غير أن العمل في تأهيل المحطة الرئيسية تعثر طيلة السنوات الماضية، ولم تنجح عملية تأهيلها، كما لم يتم استئناف العمل في المصفاة برمتها، وباتت الشركة التي كانت تكرر نفط المنطقة مجرد خزانات مستأجرة.

وهو ما انعكس بتأثيراته على البلاد برمتها، ناهيك عن الوضع المعيشي للمواطنين بشكل عام، وموظفي المصفاة على وجه الخصوص، الذين لم يعودوا يتسلمون رواتبهم الشهرية، وليس فقط بقية المستحقات المالية الأخرى.

فالدولة كانت تعتمد على المصفاة في المواد المستخلصة من التكرير، والتي تستفيد منها في جانب المحروقات، وإعادة بيعها والاستفادة من إيراداتها الضخمة التي تصل إلى المليارات الدولارات، بالإضافة إلى رسوم التكرير وتصفية النفط الخام.

وهو ما كان يوفر للمواطنين حياة معيشية أفضل عبر الاستقرار التمويني للوقود، واستثمار العوائد والإيرادات في عملية توفير الخدمات العامة للمواطنين في كل اليمن، وليس عدن فقط.

كما أن التأثيرات طالت موظفي المصفاة، الذين كان الشعب ينظر إليهم كالمحظوظين، ويعتبرون أن أبواب الرفاهية والعيش الرغيد قد فتحت لكل من يتوظف في شركة مصافي عدن، والذين باتوا بلا مرتبات، ناهيك عن بقية المستحقات التي كانت تُصرف كل اسبوع على مدار الشهر للموظفين.

غير أن كل تلك الامتيازات التي كان يقدمها مصافي عدن تلاشت بمجرد توقف العمل فيه، بحجة إعادة تأهيل محطة الكهرباء الرئيسية التي لم ترَ الإنجاز حتى اليوم، في ظل غموض يلف الفضية، رغم مليارات الدولارات التي أُنفقت لأجل هذا المشروع.

وهو مشروع صار اليوم محل نظر، وتنتابه الكثير من الشكوك حول ملابسات فساد طالت تفاصيله، بعد ما يزيد على خمس سنوات من العمل في إعادة التأهيل دون تحقيق أي نتيجة تذكر.

> مشروع تأهيل أم بؤرة فساد؟

يرى مراقبون أن مشروع تأهيل الورشة الرئيسية لشركة مصافي عدن أحد أبرز بؤر الفساد التي تعيشها عدن والبلاد عموما، في فترة ما بعد عام 2015.

فهناك من يستفيد من تعثر عمل المصفاة، من أمثال مستوردي الوقود وهوامير النفط وأساطينه الذين لن يعجبهم استئناف عملية تكرير النفط عبر ناقلات النفط كما كان عليه الوضع ما قبل عام 2015.

ولعل هؤلاء هم أكثر المستفيدون من توقف عمل المصافي، حتى تستمر عملية استمرار التلاعب بأسعار الوقود محليا، وجعل منشآت المصفاة مجرد خزانات للتجار والمتلاعبين بأسعار الوقود، لجني الكثير من المكاسب وتحقيق مزيد من الثراء الفاحش على حساب الفقراء والبسطاء.

لهذا يعتقد مراقبون أن استمرار وجود امثال هؤلاء المستفيدين لن يعمل على استعادة ألق المصفاة، ولا دوره الاقتصادي والتنموي في خدمة اليمن، وتوفير المشتقات النفطية والوقود، بدلا من استيرادها كما في الوقت الراهن وتكبيد خزينة الدولة خسائر ضخمة.

وفي الوقت الذي يكابد فيه المواطنون المحرومون من الخدمات العامة كالكهرباء والمياه وانعدام وقود المركبات، بسبب ارتفاع تكاليف المشتقات النفطية المستوردة، يزداد هوامير النفط غنىً وثراءً وسطوة على البسطاء.

وهؤلاء المستفيدون من وضع كهذا، لن يتركوا مجالا لعودة شركة مصافي عدن إلى عهدها السابق، بل إنهم يسعون إلى عرقلة هذه العودة بكل ما أوتوا من نفوذ وسطوة، لتأخير إنجاز تشغيل المحطة الرئيسية، والحيلولة دون تحقيق هدف هذا المشروع.

> خفايا مليارات الفساد

دائما ما يتم الحديث عن استئجار شركة صينية لإعادة تشغيل محطة المصفاة الرئيسية، وهي الشركة التي تم استئجارها بالباطن من قبل مقاول محلي لقاء مبلغ وقدره 109 ملايين دولار.

ورغم هذه الميزانية الضخمة، إلا أن القدرة التوليدية لهذه المحطة لا يتجاوز 17 ميجا وات فقط، غير أنها قادرة على تشغيل المصفاة في حده الأدنى، لاستئناف تكرير النفط وتصفية المشتقات النفطية من الوقود الخام.

غير أن هدف هذا المشروع لم يُنجز حتى اليوم، بالرغم من أن الميجا الواحد الذي كان يمكن أن تنتجه المحطة بعد إنجازها سيكون بسعر 6 ملايين و411 الف دولار، وهي أغلى تكلفة للطاقة على مستوى العالم.

خفايا العمل في إعادة التأهيل التي لم تتحقق هذه، تبدو أكثر ألما ومأساوية إذا عرفنا أن الفساد بدأ منذ أن تسلمت الشركة الصينية عبر المقاول المحلي 104 ملايين دولار حتى الآن، دون تحقيق شيء يذكر.

حيث أنه لم يتبق للشركة سوى 5 ملايين دولار فقط من تكلفة عملها، إلا أن المفارقة الكبرى تتمثل في أن نسبة الإنجاز حتى اليوم 10 % من الإنجاز الكلي، بينما الشركة تسلمت مستحقاتها المالية وبواقع 93%، رغم أن العمل بدأ قبل سنوات، وتحديدا عام 2016.

وما يؤكد اسرار الفساد وخفاياه أنه لم يحدث حول العالم قط أن تسلمت شركة ما مستحقاتها كاملة عن مشروع لا وجود له ولا أثر، لكن الكارثة ليست هنا، ولم تقف عند هذا الحد، بل إن ما تم إنجازه من الـ 10 % باتت بحاجة إلى صيانة بسبب التوقف.

> مليارات تدفع بلا مقابل

القائمون على المشروع داخل شركة مصافي عدن وأعضاء في الحكومة ومسئولو الدولة، ممن نراهم داخل المصفاة وفي أروقة الوزارات والمرافق العامة هم المتورطون في هذه الخفايا، التي تهدد صرحا اقتصاديا ضخما بحجم المصافي.

لكن الكارثة لا تنتهي هنا، فهؤلاء المسئولون المتورطون ينهون هذه الأيام أوراق صرف ما تبقى للشركة ومقاولها في هذا المشروع، أي مبلغ الـ5 ملايين دولار المتبقية ويسابقون الزمن للصرف، ما يعني أن الشركة الصينية ستتسلم ومقاولها 109 مليون دولار من مال الشعب لمشروع لا وجود له.

ولعلها لعنة التاريخ التي ستتحدث أنه ذات يوم نفذت شركة ما مشروعا ما في بلاد ما لا أثر له، وستظل شركة مصافي عدن غير قادرة على العمل ليظل تجار المشتقات النفطية يبيعون النفط بأغلى الأثمان، ويظل البسطاء من أبناء هذا الشعب المطحون يدفعون 26 ألف ريال يمني وأكثر لتعبئة 20 لترًا من الوقود.

رغم أنه بالإمكان تلفي هذا الوضع، إذا توفرت إرادة إعادة تشغيل مصافي عدن وورشته الرئيسية، حتى تعود أوضاع الوقود، لكن ثمة من لا يريد لهذا الوضع أن يستقر، ليس فقط من المسئولين وهوامير الفساد المحليين، بل وحتى من الخارج.