آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-02:59ص

أدب وثقافة


لغة الإشارة.. لغة السلام

الثلاثاء - 19 أكتوبر 2021 - 03:28 م بتوقيت عدن

لغة الإشارة.. لغة السلام
كلمة أحبك بلغة الإشارة.

عدن الغد((منصتي30)):

 

من : يسرى النهاري 

 

صديقي الزائر أريد أن أطلب منك أن تتخيل معي أنك في مكان فارغ كبير لا يوجد فيه أي بشر آخر.. أنت فقط وحدك.. فجأة تشعر أن شخصاً لمس كتفك بشكل سريع، ثم تلتفت وإذا بشخص يخاطبك بشكل متردد وخائف يحاول جاهداً أن يتكلم لكن لا يستطيع، يحاول أن يشرح لك باستخدام أصابع يديه الاثنتين وبتعابير وجهه الظاهرة المرتبكة وبجسده أيضاً وحركة عينيه، وأنت تزداد توتراً، وتبدأ تظهر على ملامح وجهك علامات الاستغراب والتعجب والذهول. ماذا تقول؟ أنا لا أفهمك؟ لماذا لا تتحدث أنا لا أسمع صوتك؟ يا إلهي ماذا بك؟ انطق تحدث ألا تعرف الكلام؟.

 

هذا مجرد خيال ماذا لو كان حقيقياً؟ إن هذا الموقف قد يكون جزءاً من لحظة قد تكون مقلقة، وقد تكون مرعبة لشخص آخر، أن يخاطبك شخص لا يتكلم ولا يسمع، قد تكون نادرة جداً لكن للنصف الآخر قد تكون روتين حياتهم بأن يصادف أن يوجد في أسرة شخص أصم أو أبكم. إن الأشخاص الصم والبكم ميزهم الله عن باقي البشرية، فإن فقدانهم لحاسة السمع كلياً أوالكلام لا يعني أنهم ناقصون، بل إن سرعة الاستيعاب لديهم تفوق الأسوياء، ففي طبيعة الحال أن طبيعة البشر يرون الأشياء من منظورين، الأبيض والأسود، أو الطبيعي وغير الطبيعي، فهذه النظرة تبني لنا حاجزاً، وتضع لنا حدوداً بين الفئتين، والمشكلة هي أننا لا ندرك مدى الضرر الذي قد تسببه رؤيتنا هذه، و خاصة إذا كانت اللغة من تقف بينهم..

 

وإن لغة البشرية لها طريقتان، الطريقة الأولى :هي طريقة شفهية سمعية للغات المنطوقة، وأما بالنسبة للطريقة الثانية وهي محور حديثنا: هي اللغة المرئية باستخدام اليد للغة الإشارة، وإن لغة الإشارة هي لغة هجائية تستخدم الحروف ولغة وصفية أو تعبيرية، وبما أن الأغلبية العظمى من الناس من الناطقين يستخدمون الطريقة الأولى، أو الطريقة الشفهية، فهذا يؤثر على التخاطب أو التعلم لدى الصم والبكم، وهذا يجعلنا نجهل فئة الصم والبكم، بالإضافة إلى أن عدداً كبيراً منا نحن الأسوياء لا نعرف الكثير عن لغة الإشارة، وأن فئة الصم تشكل 72مليون من الناس في العالم، وأن 30% من الصم يعيشون في البلاد النامية، ومن ضمن الأشياء التي نجهلها أن للإشارة أكثر من 300 لغة حول العالم، بمعنى أن هناك فارق كبير بين لغة الإشارة الأميريكة ولغة الإشارة البريطانية، حتى أن هناك فروقات بسيطة في الإطار المحلي في الدول العربية باختلاف اللهجات والثقافات بينهم، وتتطور حسب المجتمع والبلد والبيئة، وليس كما كنا نعتقد أن لغة الإشارة لغة موحدة بين الصم والبكم في العالم. لكن لكي أكون معكم صريحة، هناك لغة للإشارة يستخدمها الصم في اللقاءات الدولية وأثناء ترحالهم وممارسة نشاطاتهم الاجتماعية، وتعتبر تلك اللغة شكلاً مبسطاً من لغة الإشارة وذات معجم لغوي محدود، ولا تتصف بالتعقيد مثل لغات الإشارة الطبيعية.

 

إننا إذا انفصلنا عن الصم والبكم تظهر لدى الصم والبكم بعض السلوكيات التي تدل على عدم قدرتهم على التواصل معنا، أو ظهور بعض المشاعر التي تدل على التحفظ أو القلق والاكتئاب والانطوائية وتجنب مخالطتنا، وهذا يفسر لنا أن من النادر مصادقتهم، لأنهم منعزلون عن عالمنا، وذلك لأننا لم نتوقع نتائج سلبية لتخصيص أماكن خاصة لهم وبعيدة عن الأشخاص الأسوياء حتى في أبسط الأماكن، وأن الصم و البكم يملكون مشاعر وأحاسيس عميقة وقوية.. لذلك نجد أكثرهم سريعي الزعل و سريعي الرضا بأشياء قليلة. وحقيقةً أن الأطفال الصم يولدون في عائلات تسمع، فهذا يفقدهم القدرة على تعلم لغة الإشارة لأن المجتمع والعائلة لا يتواصلون بلغة الإشارة ولا حتى الصم، لأن بعض المراكز الطبية تنصح بعدم تعلم الوالدين لغة الإشارة ويفضلون الاعتماد على الأجهزة السمعية الحديثة أو التكنلوجيا، إن هذا يبدو جيداً للوهلة الأولى، لكن للأسف هذة الطريقة لا تنجح دائماً،إذن فما الذي يمكننا كشباب تقديمه في هذه الحالة؟ لماذا لا نجرب أن نتعلمها؟ قد تبدو الفكرة غريبة في بداية الأمر، لكننا سنكتشف أنه أمر مثير للانتباه، خاصة للأشخاص الذين يستخدمون أياديهم كثيراً في الحديث وفي الكتابة على لوحدة المفاتيح، فهذه الحركات كفيلة بأن تمرن فيها كلتي يديك، لكن هذا لا يعني أن البقية لا يستطيعون.

 

إن فكرة إعادة دمج الصم والبكم لها عوائد لنا كشباب وللصم والبكم، فهذا يحفز شغفنا للتعلم ويزيد من شجاعتنا وثقافتنا. نحن الشباب نملك طموح واسع لنتعلم وإن لا حدود للعلم وفضولنا هو محركنا ووقودنا. إن ما نحتاجه الآن هو أن نسعى لأن نخلق بيئة مشجعة للصم والبكم بأنفسنا كشباب ونطالب بأن يتم إدماجنا وتعلمنا للغة الإشارة وممارستها معهم ولنحقق لهم بيئة سهلة التواصل والأهم هو حتى لا يواجه أي أصم أو أبكم موقفاً قد يصعب عليه توصيل المعلومة فيه، ولكن هل تعلم أن الصم والبكم لديهم مطالب بتعلم الأشخاص الأسوياء أكثر لغة الإشارة  ليسهل التواصل معهم في سوق العمل وتقديم الخدمات وحالات الطوارئ؟ إن هذه المعلومة تدفعنا للعزم على تحقيق هذا المطلب وخاصة أنها تبدأ من ذواتنا ومن شغف تعلمنا وأن تعلمها قد يكون مرتبطاً بمجالات دراستنا أو من منبع حب ومبادرة كما يعرف عنا نحن الشباب. فمثلاً إذا كان تخصصك مترجم للغة الإنجليزية فإن طبيعة عملك كمترجم هي أنه يتحتم عليك توصيل المعلومات بترجمتها من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية لغير الناطقين بها حتى تصل المعلومة، لكن إذا كان عملك توصيل معلومة وترجمتها فما هو موقفك من أن تترجم للأسوياء ولا تترجم لأصدقائنا الصم والبكم؟ هذا محرج أليس كذلك؟ يجب على المترجم وغيره أن يكون ملماً بلغة الإشارة وخاصة في بيئة العمل وقطاعاتها المختلفة ويجب إلزامها بتوفير مترجمين للغة الإشارة.

 

ولغة الإشارة لغة تتعرض لسوء فهم في بعض الأحيان، فمثلاً في شهر فبراير في هذا العام تحديداً في مؤتمر محاكاة للأمم المتحدة في المكلا في الصورة الختامية للمؤتمر شارك جميع المتواجدون في الصورة بتوحيد حركة اليد فكانت العبارة بلغة الاشارة (أحبك) لكن لسوء الحظ، ظن بعض الناس أنها علامة تشير إلى قرني الشيطان، ولا نلوم جهلهم بل نلوم أنفسنا بأننا لا نملك ثقافة لغة الإشارة التي أصبحت في عصرنا هذا شأنها شأن اللغات الأخرى والحرص عليها كالحرص على تعلم الإنجليزية وغيرها.

 

لنأخذ مثال على استخدام لغة لاشارة كلغة تواصل في الإفلام لأشعل فيكم شعلة حماس لتعلم لغة الإشارة، في عام 2019 صدر فيلم بعنوان  A Quiet Place (مكان هادئ) ويتحدث الفيلم عن مدينة مهجورة تم القضاء على شعبها عن طريق مخلوقات لا تبصر(عمياء) تماماً، لكن المثير في الأمر أن هذه الكائنات تمتلك قوة هائلة في السمع، حتى صوت جناح البعوضة، ولم يبقَ في هذه المدينة إلا أسرة واحد مكونة من أم حامل وأب و 3 أبناء، وما يميز هذا الفيلم الطابع الصامت كلياً وهذا يعزز فكرة الفيلم  والصمت الذي يعيشه الأصم والأبكم مع أن أفراد العائلة أسوياء، وبما أنهم لا يتحدثون فيستخدمون لغة الإشارة فيما بينهم حتى لا يصدروا أصواتاً قد تودي بحياتهم من قبل وحش أعمى.

 

هناك أيضاً فيلم 122 المصري هو فيلم رعب بتقنية 4DX ومن الأدوار المهمة في الفيلم هو دور فتاة صماء تتحدث بلغة الإشارة وكان للفيلم ضجة أيضاً بسبب نفس الإشارة السابقة التي كانت علامة لغلاف الفيلم وهي (أحبك). وهناك الكثير والكثير من الأفلام التي كان لها تطرق لعالم الصم والبكم ولغة الإشارة، لكن تبقى نسبها قليلة.

 

لنتخيل أن لغة الإشارة مثل أي لغة أخرى، نبدأ بالأسهل وهي الأحرف والأرقام والمصطلحات اليومية والطريقة المثلى هي أن يتم دمج أصحاب الصم والبكم مع الطلاب الأسوياء في الدرس والجامعات بكل مراحلها، ويكون لهم فصول مخصصة داخل المدارس وأوقات نشاط لتكون نقطة الالتقاء بيننا وبينهم ويتم تفعيل دورات لتعلم لغة الإشارة للصفوف وعمل برامج إذاعية في إذاعات الصباح في المدارس ليعزز تعلمها وتنميتها. إن في حضرموت وتحديداً في سيئون يتم دمج طالبات الثانوية الصم والبكم مع صفوف الأسوياء وهذا يحقق تعايش وسلام بين طلاب الصم والبكم و الطلاب الآخرين وهذا يحقق الهدف الذي نرنوا إليه وهو كيف يمكن لنا كشباب أن نخلق تعايشاً وسلاماً مع مجتمعنا ومنهم الصم والبكم، كما إنه يعترف بأهمية الحفاظ على لغات الإشارة كجزء من التنوع اللغوي والثقافي.

 

أخيراً أعزائي.. لنوحد رسالتنا ونقول (لغة الإشارة هي لغة الجميع، وليس من الضروري أن أسمعك لكي أنصت، حدثني بالإشارة وسأفهمك).