آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-04:18م

ملفات وتحقيقات


تقرير: كيف سيستقبل أهالي عدن رمضان في ظل المتغيرات التي طرأت على تغيير مسارات السفن التجارية؟

الأربعاء - 15 مارس 2023 - 06:00 ص بتوقيت عدن

تقرير: كيف سيستقبل أهالي عدن رمضان في ظل المتغيرات التي طرأت على تغيير مسارات السفن التجارية؟

(عدن الغد)خاص:

تقرير يتناول أثر تحول مسار السفن عن ميناء عدن وأثر رفع الرسوم الجمركية على حياة المواطن..

(عدن الغد) القسم السياسي:

ترتسم على محياها جراح حرب غائرة دخلت في عامها التاسع، وماتزال المدينة وسكانها موعودين بالمزيد من الجراح، مادامت الحرب والانقسامات والأجندات السياسية والاستقطابات الحادة مستمرة.

تعيش المدينة وسكانها بما يشبه خيبة الأمل الكبيرة، وما ضاعف من هذه المعاناة هي الحالة المعيشية للسكان الذين يعتمد جلهم على الراتب الشهري، أو ما يسمى هنا بالمعاش.

منذ الانقلاب الحوثي على التوافق السياسي في البلاد 2014م، أصبحت عدن عاصمة مؤقتة تحتضن آخر ما تبقى من مظاهر وفكرة الدولة اليمنية.

سكان عدن هم في الأساس جيران لأهم ميناء عالمي كان في عام 1960م الثاني بعد ميناء نيويورك، والأول في الجزيرة العربية والخليج.

لا يكفي أن يتحمل سكان هذا المدينة الأعباء السياسية ذات الطابع الصراعي، كونها عاصمة مؤقتة للبلاد، بل ستصبح عما قريب من أكثر المدن تكلفة من حيث المعيشة في العالم.

فقبل أيام رفعت الحكومة المعترف بها دوليا سعر الدولار الجمركي من 500 ريال إلى 750 ريال، ليضيف على كاهل السكان أثقالا على أثقالهم، ومتاعب معيشية أخرى إلى أيامهم المتعبة.

بررت الحكومة الشرعية رفع الرسوم الجمركية، من أجل مواجهة الاحتياجات المتزايدة في بنود الرواتب والخدمات وتوفير سيولة نقدية والتخلص من أعباء طباعة عملة جديدة، لكن السؤال المهم يبقى هو: أليس تجفيف منابع الفساد وتحصيل الإيرادات وتوريدها، وإيقاف الجبايات كان أولى من هذا الإجراء، لتوفير ما تحتاجه الحكومة؟!

> عدن هي الميناء.. والميناء عدن

ثلاثة مرتكزات اقتصادية تقوم عليها عدن والدولة بشكل عام: الميناء، المطار، المصافي، ولا أقول شيئا جديدا عند القول بإن عدن تاريخيا هي الميناء، وإن الميناء هي عدن– هذا ما قاله أستاذ الاقتصاد في جامعة عدن الدكتور يوسف سعيد.

ويضيف "سعيد": "يشعر المواطن بخيبة أمل بعد أن صار أقصى ما تطمح إليه إدارة الميناء والمنطقة الحرة هو أن يبقى كأي ميناء محلي مغلق مخصص لاستقبال تجارة الاستيراد، وهذا شيء مؤسف ولكنه يشكل جزءا من محصلة آثار الحرب وتداعياتها".

لا حديث هنا في عدن إلا عن تحول مسار السفن التجارية والنفطية إلى ميناء الحديدة، وحرمان البنك المركزي في عدن 350 مليار ريال منذ العام الماضي، جعل من البنك المركزي يواجه تحديات كبيرة، منها توفير ما لا يقل عن 100 مليون دولار من احتياطاته لمواجهة وقود الكهرباء.

بينما كان ينتظر المواطنون رفع كلفة التفتيش على السفن، ورسوم التأمين، ورفع نقاط الجبايات، يتفاجأون بالحكومة في عدن برفع الرسوم الجمركية، وبالتالي مضاعفة تكاليف نقل البضائع وارتفاع أسعارها.

كيف يمسي الميناء العالمي ميناء محليا يخشى منافسة ميناء محلي آخر بيد الانقلابيين؟ وكيف يمسي جيران الميناء في عداد الجوعى؟ ذاك سؤال.. وذاك سؤال أكبر!

> مأوى الهاربين.. ومأوى المساكين

تقول التقارير الإنسانية المحلية والدولية إن عدد الهاربين من جحيم الحرب من المحافظات اليمنية الأخرى إلى عدن يقاربون 2 مليون إنسان، مما جعل المدينة تتحمل ضغطا متواصلا في الخدمات، إذ باتت الكهرباء تأتي متقطعة وكذلك الماء.

على صعيد آخر يتقاضى العسكريون والمدنيون أجورا تقاعدية زهيدة، تتفاوت ما بين 40 ألفا إلى 25 ألف ريال، في الوقت الذي تتضاعف في المدينة تكلفة الغذاء وترتفع أسعار المواد الغذائية الأساسية، نظرا لتدهور القيمة الشرائية للريال اليمني في ظل غياب الرقابة الحكومية على سوق الصرف المحلي.

تستورد البلاد 90 % من غذائها من الخارج، وما نسبته 40 % من القمح يأتي من أوكرانيا وروسيا، مما ضاعف تكاليف فاتورة الاستيراد التي يتحملها كالعادة المواطن لا التاجر.

في ندوة نظمها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بالتعاون مع مؤسسة فريديش أيببرت الألمانية في ديسمبر 2022م، طالب مسؤولون حكوميون ورجال أعمال واقتصاديون وباحثون أكاديميون ومختصون في مجال النقل الدولي والداخلي في اليمن، بتحويل عمليات تفتيش السفن التجارية إلى الموانئ اليمنية، تخفيفا للتكلفة والوقت.

وفي الحلقة النقاشية دعوا إلى معالجة مشكلة الجبايات المالية التي تقوم بها النقاط الأمنية بحق شاحنات البضائع، والمتسببة بمضاعفة أسعار السلع، مما يشكل عبئا اقتصاديا على المواطنين.

> أثرياء جدد.. جوعى جدد

قد لا يهم الموطن من يدير شؤونه، وهل هو يعيش في ظل دولة أو دولتين، المهم كيف يسخر المسؤول الحكومي نفسه لخدمة المواطن، لا في تكريس كل الوقت من أجل تعبئة جيبه- يقول مواطن يعمل حمالا في مخازن تجارية.

ويقول مواطن فضل عدم ذكر اسمه ساخرا: "نحن نعيش الانفصال، الانفصال عن الواقع وعن الحياة، أما أغلب المسؤولين ورجال الأعمال والتجار والصرافين، يعيشون الوحدة الاندماجية، إذ لا فرق بين تاجر في صنعاء أو عدن، فكلهم يكمل بعضهم البعض في إنهاك المواطن معيشيا ونفسيا".

يتصارع الجميع على الجبايات المتحصلة من ميناء عدن والمصافي وميناء الزيت، هناك من يصارع الموت من المواطنين في بوابة أحد المستشفيات المتهالكة، أو من انعدام الغذاء أو نقص الخدمات الأساسية الضرورية- تقول التقارير الإنسانية.

بينما يموت الفقراء من تداعيات الحرب بكل صنوفها وألوانها، يزدهر الأثرياء الجدد بالحرب أيضا!

> كريتر تستقبل رمضان بالفوانيس.. وجيوب فارغة!

الكل هنا في المدينة يرغبون بالعيش في أمن وأمان، يبحثون عن العمل والعيش تحت دولة تليق بطابعهم المدني الحضاري، توفر لهم أبسط الخدمات، ولا يسألونها بعدها من يحكمها؟!

في شوارع كريتر يستقبل المواطنون رمضان مبكرا بالفوانيس المضيئة والمعلقة على جنبات الشوارع، وفي جوامعها ذات التوجه الصوفي بالأذكار.

وأنت تتجول في شوارعها لا تلاحظ ذاك الزحام الذي يسبق عادة رمضان من كل عام، والقليل من المواطنين الذين يحملون بأيديهم أكياسا من النايلون، معبأة إما باحتياجات الوجبة الرمضانية أو بملابس بأسعار مخفضة، إذ عادة ما يتخلص تجار الملابس من الملابس المخزنة لديهم من الموسم السابق في نهاية شعبان، واستبدالها بملابس الموسم الجديد.

في قلب الشيخ عثمان زرنا محلا مشهورا لبيع البضائع الغذائية والبهارات المخفضة، لم يكن الإقبال نفسه في العام الماضي، فلقد طحن الناس غلاء الأسعار- يقول صاحب محل.

> مقارنة بين حركتين.. وميناءين!

بالمقارنة بين كشف حركات السفن ليوم الإثنين 6 مارس 2023م، تظهر الحركة الملاحية للسفن في الصليف ورأس عيسى التابعين لمؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية، والخاضعتين لمليشيا الحوثي.

وحسب المركز الإقليمي البحري لتبادل المعلومات، فإن ميناء الحديدة قد شهد حركة ملاحية غير عادية، وتواصلت حركة السفن بشكل مستمر، على الرغم من الحكومة المعترف بها دوليا تنفي إعادة افتتاحه من جديد، والسماح للحوثيين الاستيراد دون قيود.

وفي المقابل يظهر المركز الإقليمي البحري لتبادل المعلومات الحركة الملاحية في أرصفة ميناء عدن، تحكي وضع السفن التي تتوزع ما بين منتظرة للتعليمات أو جانحة أو تعرضت للغرق.

وحسب المركز الإقليمي فإن ميناء الزيت هو الأكثر نشاطا في الزعائم والمراكب الشراعية والسفن المحملة بالوقود وزيت النخيل.

أخيرا.. في 6 مارس 2023م وجهت شركة "مدترينيان للملاحة" رسالة لوزير النقل، تطلعه من خلالها على ما أسمته (بالممارسات الطاردة للخطوط الملاحية التي تنفذها إدارة ميناء عدن ضدها).

لعل هذه الرسالة أوضح رسالة تلخص حال الميناء، وهي ما أردنا أن نختم به هذا التقرير.

يبقى في المدينة اثنان: مواطن وميناء يتقاسمان وجع المدينة.