آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-01:48ص

ملفات وتحقيقات


عودة العلاقات السعودية الإيرانية هل يؤدي الى اتفاق إقليمي شامل؟

الثلاثاء - 14 مارس 2023 - 03:41 م بتوقيت عدن

عودة العلاقات السعودية الإيرانية هل يؤدي الى اتفاق إقليمي شامل؟

(عدن الغد) وكالات:

أعلنت إيران والمملكة العربية السعودية استئناف علاقاتهما الدبلوماسية التي كانت مقطوعة منذ عام 2016، إثر مفاوضات استضافتها الصين، وفق ما جاء في بيان مشترك نقلته الجمعة وسائل إعلام رسمية في البلدين.

 

وجاء في البيان الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية (واس) ووكالة أنباء "إرنا" الإيرانية الرسمية، أن إثر مباحثات "تم توصل المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران".

 

انقطعت العلاقات بين الرياض وطهران في العام 2016، عندما هاجم محتجّون إيرانيون البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران بعدما أعدمت المملكة رجل دين شيعيًا معارضًا يُدعى نمر النمر.

 

وأوردت وكالة إرنا أن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الادميرال علي شمخاني أجرى محادثات مكثفة مع نظيره السعودي في الصين "من أجل حل المشكلات بين طهران والرياض بشكل نهائي".

 

منذ نيسان/أبريل 2021، استضاف العراق سلسلة اجتماعات بين مسؤولين أمنيين من البلدين الخصمين لتقريب وجهات النظر.

 

وفي بيانهما المشترك، شكرت إيران والسعودية "العراق وسلطنة عمان لاستضافتهما جولات الحوار التي جرت بين الجانبين خلال عامي 2021-2022، كما أعرب الجانبان عن تقديرهما وشكرهما لقيادة وحكومة جمهورية الصين الشعبية على استضافة المباحثات ورعايتها وجهود إنجاحها".

 

تعد الجمهورية الإسلامية والسعودية أبرز قوتين إقليميتين في الخليج، وهما على طرفي نقيض في معظم الملفات الاقليمية وأبرزها النزاع في اليمن، حيث تقود الرياض تحالفًا عسكريًا داعمًا للحكومة المعترف بها دوليًا، وتتهم طهران بدعم المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على مناطق واسعة في شمال البلاد أبرزها صنعاء.

 

كذلك، تبدي السعودية قلقها من نفوذ إيران الإقليمي وتتّهمها بـ"التدخّل" في دول عربية مثل سوريا والعراق ولبنان، وتتوجّس من برنامجها النووي وقدراتها الصاروخية.

 

وذكرت وكالة نور نيوز أن الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني أشاد بالصين لدورها في إعادة بناء العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض.

 

بدوره قال متحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض إن الولايات المتحدة على علم بالتقارير التي تفيد باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية.

 

وقال المتحدث لرويترز "بوجه عام، نرحب بأي جهود للمساعدة في إنهاء الحرب في اليمن وتهدئة التوترات في منطقة الشرق الأوسط. يعد خفض التصعيد والدبلوماسية جنبا إلى جنب مع الردع من الركائز الأساسية للسياسة التي حددها الرئيس (جو) بايدن خلال زيارته للمنطقة العام الماضي".

 

ردود الفعل على استئناف العلاقات

قال مستشار الأمن الوطني السعودي مساعد بن محمد العيبان "يأتي ترحيب قيادة المملكة بمبادرة فخامة الرئيس شي جين بينغ انطلاقا من نهج المملكة الثابت والمستمر منذ تأسيسها في التمسك بمبادئ حسن الجوار والأخذ بكل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وانتهاج مبدأ الحوار والدبلوماسية لحل الخلافات ".

 

"إننا إذ نثمن ما توصلنا إليه، ليحدونا الأمل أن نستمر في مواصلة الحوار البناء، وفقا للمرتكزات والأسس التي تضمنها الاتفاق، معربين عن تثميننا وتقديرنا لمواصلة جمهورية الصين الشعبية دورها الإيجابي في هذا الصدد".

 

وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان "السياسة مع دول الجوار، كونها المحور الرئيسي للسياسة الخارجية للحكومة الإيرانية، تتحرك بقوة في الاتجاه الصحيح والجهاز الدبلوماسي يعمل بنشاط للتحضير لمزيد من الخطوات على الصعيد الإقليمي".

 

وقال كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي "هذا نصر للحوار، ونصر للسلام، ويقدم أنباء طيبة عظيمة في وقت يشهد فيه العالم كثيرا من الاضطرابات".

 

وقال إن الصين ستواصل لعب دور بناء في التعامل مع القضايا الشائكة في العالم اليوم وستظهر تحليها "بالمسؤولية" بصفتها دولة كبرى. وأضاف "العالم لا يقتصر فقط على قضية أوكرانيا".

 

وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي "بوجه عام، نرحب بأي جهود للمساعدة في إنهاء الحرب في اليمن وتهدئة التوتر في منطقة الشرق الأوسط. يمثل خفض التصعيد والدبلوماسية جنبا إلى جنب مع الردع إحدى الركائز الأساسية للسياسة التي حددها الرئيس (جو) بايدن خلال زيارته للمنطقة العام الماضي".

 

"السعوديون أبقونا بالفعل على اطلاع بشأن هذه المحادثات التي كانوا يجرونها، تماما مثلما نبلغهم بأنشطتنا، لكننا لم نشارك بصورة مباشرة".

 

وقال كبير مفاوضي جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران محمد عبد السلام "المنطقة بحاجة إلى استئناف العلاقات الطبيعية بين دولها حتى تستعيد الأمة الإسلامية أمنها المفقود نتيجة التدخل الأجنبي".

 

وقال وزير خارجية عمان بدر البوسعيدي "نرحب بنتائج المحادثات التي استضافتها الصين بين الأشقاء في السعودية وإيران واتفاقهما على استئناف العلاقات الدبلوماسية وتفعيل التعاون الأمني والاقتصادي والثقافي. نؤمن بأن هذه الخطوة ستعزز الأمن والاستقرار في المنطقة وتعمل على توطيد العلاقات بين الدول والشعوب".

 

وكتب أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي على تويتر "نرحب بالاتفاق بين السعودية وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ونثمن الدور الصيني في هذا الشأن. الإمارات مؤمنة بأهمية التواصل الإيجابي والحوار بين دول المنطقة نحو ترسيخ مفاهيم حسن الجوار والانطلاق من أرضية مشتركة لبناء مستقبل أكثر استقرارا للجميع".

 

وأجرى رئيس الوزراء الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، الذي يشغل أيضا منصب وزير الخارجية، اتصالين بنظيريه الإيراني والسعودي للترحيب بالاتفاق.

 

ونقلت وكالة الأنباء العراقية ان العراق يقول إن الاتفاق "فتح صفحة جديدة" بين إيران والسعودية.

 

وقال وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد على تويتر إن عودة العلاقات بين السعودية وإيران خطوة هامة نحو الاستقرار والازدهار في المنطقة.

 

وقال الأمين العام لحزب الله إن استئناف العلاقات بين إيران التي تدعم الجماعة اللبنانية المسلحة والسعودية "تحول جيد".

 

وقال نصر الله في كلمة بثها التلفزيون "هذا تحول جيد... ولا يكون على حساب شعوب المنطقة بل لمصلحة شعوب المنطقة وثقتنا مطلقة أن هذا لا يكون على حسابنا".

 

وحذر نصر الله من أن النتائج الكاملة لهذه الخطوة ما زالت غير معروفة لكنه قال "نحن سعداء".

 

وأضاف "تطور مهم بالتأكيد إذا مشي بمساره الطبيعي، هذا طبعا ممكن يفتح آفاق بكل المنطقة ومن جملتها في لبنان".

 

وقال نصر الله إن حزبه سعيد أيضا بزيادة الاتصال العربي مع الحكومة السورية في أعقاب زلزال السادس من فبراير شباط المدمر الذي أودى بحياة الآلاف في سوريا المجاورة.

 

وساطة الصين اختبار صعب للولايات المتحدة

ينطوي الاتفاق المفاجئ بين إيران والسعودية على استعادة العلاقات الدبلوماسية على الكثير مما يثير اهتمام الولايات المتحدة، إذ ربما يفسح المجال لوضع حد لبرنامج طهران النووي ويتيح فرصة لتعزيز وقف إطلاق النار في اليمن.

 

كما أن له جانبا من المؤكد أنه سيثير عدم ارتياح المسؤولين في واشنطن إلى حد كبير؛ وهو دور الصين كوسيط للسلام في منطقة لطالما تمتعت فيها الولايات المتحدة بالنفوذ.

 

وأصبحت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين شائكة بدرجة كبيرة حول قضايا تتراوح من التجارة إلى التجسس، وتتنافس القوتان بشكل متزايد على النفوذ في مناطق بعيدة عن حدودهما.

 

وأراد كيربي فيما يبدو التقليل من دور الصين في تطور إذ قال إن البيت الأبيض يعتقد أن الضغط الداخلي والخارجي، بما في ذلك الردع السعودي الفعال ضد الهجمات من إيران أو وكلائها، هو الذي جلب طهران في النهاية إلى طاولة المفاوضات.

 

لكن جيفري فيلتمان، المسؤول الكبير السابق في الولايات المتحدة والأمم المتحدة، قال إن دور الصين هو الجانب الأهم في الاتفاقية لا إعادة فتح السفارات بعد ست سنوات من القطيعة.

 

وأضاف فيلتمان الباحث في معهد بروكنجز "سيتم تفسير ذلك، وربما هذا هو الصحيح، على أنه صفعة لإدارة بايدن وكدليل على أن الصين هي القوة الصاعدة".

 

يأتي الاتفاق في وقت تسرع فيه إيران وتيرة العمل في برنامجها النووي بعد محاولات أمريكية فاشلة على مدى عامين لإحياء اتفاق عام 2015 الذي كان يهدف إلى منع طهران من صنع قنبلة نووية.

 

وتعقدت هذه الجهود بسبب حملة القمع العنيفة التي شنتها السلطات الإيرانية على الاحتجاجات والعقوبات الأمريكية المشددة على طهران لاتهامها بانتهاك حقوق الإنسان.

 

وقال بريان كاتوليس من معهد الشرق الأوسط إن الاتفاق يتيح للولايات المتحدة وإسرائيل "مسارا ممكنا جديدا" لإحياء المحادثات المتوقفة بشأن القضية النووية الإيرانية مع وجود شريك محتمل في الرياض.

 

وأضاف "السعودية قلقة للغاية بشأن برنامج إيران النووي. وحتى يكون هذا الانفتاح الجديد بين إيران والسعودية ذا مغزى ومؤثرا فسيتعين أن يتطرق للمخاوف بشأن برنامج إيران النووي".

 

ويقدم اتفاق الجمعة أيضا بارقة أمل في إيجاد سلام مستقر في اليمن، حيث يُنظر على نطاق واسع إلى الصراع الذي اندلع عام 2014 على أنه حرب بالوكالة بين السعودية وإيران.

 

وصمدت هدنة تم الاتفاق عليها بوساطة من الأمم المتحدة في أبريل نيسان الماضي إلى حد كبير على الرغم من انتهاء العمل بها في أكتوبر تشرين الأول دون اتفاق بين الطرفين على تمديدها.

 

وقال جيرالد فايرستين، سفير الولايات المتحدة السابق لدى اليمن، إن الرياض "لم تكن لترضى بذلك دون الحصول على شيء ما".

 

قال دانييل راسل، كبير الدبلوماسيين الأمريكيين لشؤون شرق آسيا في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، إن توسط الصين في الاتفاق يمكن أن يكون له "تداعيات مهمة" بالنسبة لواشنطن.

 

وأضاف أنه من غير المعتاد أن تتصرف الصين بمفردها للتوسط في اتفاق دبلوماسي يخص نزاعا ليست طرفا فيه.

 

وتابع "السؤال هو: هل هكذا ستكون الأمور فيما سيأتي؟ هل يمكن أن تكون تلك مقدمة لجهود وساطة صينية بين روسيا وأوكرانيا عندما يزور (الرئيس الصيني) شي موسكو؟"

 

وقال نيسان رافاتي المحلل البارز لشؤون إيران في مجموعة الأزمات الدولية إنه ليس من الواضح، فيما يخص إيران، إن كان الاتفاق سيأتي بنتائج جيدة للولايات المتحدة.

 

وأضاف "المشكلة هي أنه في الوقت الذي تزيد فيه واشنطن وشركاؤها الغربيون الضغط على الجمهورية الإسلامية... ستعتقد طهران أنها تستطيع كسر عزلتها والاعتماد، في ضوء الدور الصيني، على غطاء من القوى الكبرى".

 

وأثار تدخل الصين بالفعل شكوكا في واشنطن بشأن دوافع بكين.

 

ورفض النائب الجمهوري مايكل ماكول، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، تصوير الصين لنفسها على أنها وسيط سلام، قائلا إنها "ليست طرفا مسؤولا ولا يمكن الوثوق بها كوسيط نزيه أو محايد".

 

وقال كيربي إن الولايات المتحدة تراقب عن كثب سلوك بكين في الشرق الأوسط وأماكن أخرى.

 

وأضاف "بالنسبة إلى النفوذ الصيني هناك أو في أفريقيا أو أمريكا اللاتينية، فليس الأمر كما لو أننا نغض الطرف. نحن بالتأكيد مستمرون في مراقبة الصين وهي تحاول كسب نفوذ وموطئ قدم في أماكن أخرى حول العالم من أجل مصالحها الذاتية".

 

إلا أن جون ألترمان من مركز واشنطن للدراسات الاستراتيجية والدولية يقول إن مشاركة بكين تعزز شعورا بتنامي القوة والنفوذ الصينيين مما يغذي الحديث عن تضاؤل النفوذ العالمي للولايات المتحدة.

 

وتابع "الرسالة التي ترسلها الصين دون كثير مواربة هي أنه في حين أن الولايات المتحدة هي القوة العسكرية المهيمنة في الخليج، فإن للصين حضورا دبلوماسيا قويا ويمكن القول إنه متنام".

 

ماذا عن مساعي إسرائيل للتطبيع؟

نقل صحفيون إسرائيليون عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله إن مساعي إسرائيل لتطبيع علاقاتها مع السعودية لن تتأثر بتقارب الرياض مع إيران التي تناصب إسرائيل العداء.

 

ولم يصدر رد رسمي من الحكومة الإسرائيلية حتى الآن على استئناف العلاقات بين طهران والرياض الذي توسطت فيه الصين.

 

ونقل مراسلون دبلوماسيون مرافقون لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في زيارته إلى روما عن المسؤول الكبير قوله إن التقارب بين الرياض وطهران بدأ قبل نحو عام وشمل زيارات متبادلة.

 

وقال المسؤول إن السعودية شعرت بأن موقف الغرب تجاه إيران أصبح ضعيفا. وأضاف أن ذلك لن يؤثر على محاولة إسرائيل إقامة علاقات دبلوماسية مع الرياض.

 

ونقلت إذاعة كان ومحطة (ريشيت 13) الإخبارية عن المسؤول قوله إن العامل الحاسم لإسرائيل ليس الطبيعة الرسمية للعلاقات السعودية الإيرانية بل موقف الغرب تجاه طهران.

 

ويقول نتنياهو إنه يريد إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع السعودية، متوسعا في اتفاقيات التطبيع التي توصلت إليها إسرائيل مع الإمارات والبحرين في 2020 بوساطة أمريكية.

 

وأعربت إسرائيل ودول الخليج العربية عن قلقها من برامج إيران النووية والصاروخية وشبكة وكلائها. لكن في الوقت الذي باركت فيه السعودية الاتفاقيات التي أبرمتها الإمارات والبحرين مع إسرائيل فهي لم تعترف رسميا بإسرائيل في ظل عدم التوصل إلى قرار بشأن إقامة دولة فلسطينية.

 

ووصف زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد إعادة العلاقات بين السعودية وإيران بأنها "فشل ذريع وخطير للسياسة الخارجية للحكومة الإسرائيلية".

 

ويرى محللون أن الخطوة المفاجئة التي اتخذتها السعودية لإعادة العلاقات مع إيران تزيد من تعقيد المساعي الدبلوماسية لاسرائيل التي تتوق لإبرام اتفاق مع المملكة.

 

وقوبل الاتفاق بانتقادات حادة وُجهت في إسرائيل لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الذي قال سابقًا إنه يعمل على إشراك السعودية ضمن تحالف إقليمي ضد إيران.

 

وقال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد إن "الاتفاق السعودي الإيراني هو فشل تام وخطر لسياسة الحكومة الإسرائيلية الخارجية... إنه انهيار للجدار الدفاعي الإقليمي الذي بدأنا ببنائه ضد إيران".

 

ولكن مراقبين إقليميين يرون أن التداعيات الفعلية للاتفاق أبعد من أن تكون واضحة سواء بالنسبة للتعاون السعودي الإيراني أو لعلاقة إسرائيل بالرياض.

 

ورأى المحلل السعودي عزيز الغشيان أن القول بأن السعودية مهتمة حصريًا بإسرائيل كجزء من جبهة محتملة ضد إيران "سطحي". وأضاف أن "الفكرة القائلة بأن عدو عدوي هو صديقي ... نادرا ما تصرفت السعودية على هذا الأساس، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالمسائل الاستراتيجية".

 

وقال إن بعد إعلان الجمعة "ترون بوضوح أن السعودية أعطت الأولوية للتقارب مع إيران على التقارب العلني مع إسرائيل ... هذا لا يعني أن مواصلة العلاقات الهادئة جدًا مع إسرائيل ستتوقف ... الآن العلاقة مع إيران هي أحد المتغيرات وهو جزء من الحسابات".

 

فجوة آخذة في الاتساع؟

تقول السعودية منذ فترة طويلة إن اعترافها بإسرائيل يتوقف على تطبيق حل الدولتين مع الفلسطينيين. وهي لم تنضم إلى اتفاقيات أبراهام عام 2020 التي توسطت فيها الولايات المتحدة وأقامت بموجبها إسرائيل علاقات مع جارتي المملكة، الإمارات العربية المتحدة والبحرين.

 

ومع ذلك، كانت هناك علامات غير ظاهرة على وجود تعاون محتمل.

 

تمكن العديد من الصحافيين الإسرائيليين الذين يحملون جوازات سفر أجنبية من زيارة السعودية قبل وأثناء جولة الرئيس الأميركي جو بايدن في الشرق الأوسط العام الماضي.

 

وأعلنت هيئة الطيران المدني السعودية خلال تلك الرحلة أنها رفعت قيود التحليق عن "جميع الناقلات"، ممهدة الطريق أمام الطائرات الإسرائيلية لاستخدام الأجواء السعودية.

 

وفي تشرين الأول/أكتوبر، شارك عربي إسرائيلي هو رئيس بنك إسرائيلي في منتدى المستثمرين السعوديين، وأشاد بالفرص "الرائعة" المتوفرة في المملكة.

 

وفي بحر الأسبوع الجاري، ذكرت صحيفتا وول ستريت جورنال ونيويورك تايمز أن الرياض تمارس ضغوطًا في اللقاءات الخاصة من أجل الحصول على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة وعلى المساعدة لإطلاق برنامج نووي مدني مقابل إبرام اتفاق مع إسرائيل.

 

ولكن عمر كريم الخبير في السياسة السعودية بجامعة برمنغهام، رأى إن تصاعد العنف الإسرائيلي الفلسطيني هذا العام جعل التقدم باتجاه إقامة علاقات في العلن غير مرجح على المدى القصير.

 

وقال "ليس لدى السعوديين حافز الآن للتطبيع السريع مع إسرائيل".

 

ورأى براين كاتوليس من معهد الشرق الأوسط بواشنطن أن الاتفاق السعودي الإيراني الجديد "قد يؤدي إلى إحداث فجوة أوسع بين إسرائيل والسعودية إذا أسفر ذلك عن انفتاح دبلوماسي أوسع بين المملكة وإيران... إسرائيل تقابل بالتشكيك أي تعامل دبلوماسي مع النظام في طهران".

 

وقال نيكولاس هيراس من معهد نيو لاينز للاستراتيجيات والسياسات إن ذلك يجعل الاتفاق السعودي الإيراني "نصرا دبلوماسيا واضحا لإيران ... وضربة" لنتانياهو.

 

وقال إن "السعودية التي تخطب إسرائيل ودها، أرسلت للتو إشارة قوية إلى الحكومة الإسرائيلية الحالية مفادها أن الإسرائيليين لا يمكنهم الاعتماد على الرياض لدعم أي عمل عسكري إسرائيلي ضد إيران في أي مكان في المنطقة".

 

ومع ذلك، لا يرى الجميع أن التداعيات واضحة تمامًا.

 

قالت فاطمة أبو الأسرار الباحثة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط، إن "الاتفاق الإيراني السعودي مجاله محدود نسبيًا لأنه يركز على قضايا محددة مثل إعادة فتح السفارات واستئناف العلاقات التجارية وكذلك الأمن ودرء الهجمات".

 

وأضافت أن "هذه الخطوات ضرورية لتحسين العلاقات الاقتصادية وتخفيف التوتر بين البلدين، غير أنها لا تعالج الخلافات الأيديولوجية والسياسية الأوسع التي كانت الأساس وراء الخصومة طويلة الأمد بينهما".

 

يمكن أيضًا النظر إلى انفتاح السعودية على استئناف العلاقات مع إيران على أنه جزء من انفتاح دبلوماسي أوسع تضمن إصلاح ذات البين مع قطر وتركيا.

 

قال الباحث السعودي إياد الرفاعي إن هذا الاتجاه قد يفيد إسرائيل في نهاية المطاف، حتى وإن كانت السياسات الحالية لحكومة نتانياهو اليمينية المتشددة تعمل ضد ذلك.

 

وأوضح أن هذا "يخلق زخما يمكن أن يساعد المنطقة في التقدم نحو مستقبل من التفاهم المتبادل والاحترام والتعاون بين الدول. ... في مثل هذه البيئة، يمكن للاعبين الإقليميين، وخاصة إسرائيل في هذه الحالة، الاستفادة من ذلك".

 

ماذا عن العلاقات مع سوريا؟

قال وزيرا خارجية سوريا وإيران في مؤتمر صحفي مشترك في دمشق يوم الخميس إنها يرحبان بتحسن العلاقات الدبلوماسية بين دمشق ودول المنطقة في أعقاب الزلزال العنيف الذي وقع الشهر الماضي.

 

وقال وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إن سوريا تستهدف عودة العلاقات لطبيعتها مع دول المنطقة بعد العزلة السياسية للرئيس بشار الأسد على مدى أكثر من عقد من الحرب.

 

وأضاف "مهمتنا الآن في المنطقة هي أن نعيد الأوضاع إلى طبيعتها بين دولنا لأننا معنيون جميعا بمواجهة التحديات سواء كانت تحديات التواجد الأجنبي على الأرض العربية أو التهديدات التي نتعرض لها والمعايير المزدوجة التي يتم التعامل بها معنا في كل دول المنطقة".

 

وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إن بلاده ترحب أيضا بأي مبادرة لإجراء محادثات بهدف التوصل إلى تفاهم في المنطقة، بما في ذلك اجتماعات أربع دول هي إيران وروسيا وسوريا وتركيا بهدف حل الأزمة السورية.

 

وقال "إيران ترحب بأي مبادرة للمحادثات في المنطقة... وترحب بالاجتماعات الرباعية بهدف الوصول إلى تعاون والخروج من الأزمات".

 

وتدعم تركيا مقاتلين معارضين لحكم الأسد في شمال غرب سوريا.

 

والشهر الماضي، قال وزير خارجية المملكة العربية السعودية، التي دعمت مقاتلين من المعارضة يسعون للإطاحة بالأسد، إن عزل سوريا غير مجد وإنه يتعين إجراء حوار معها خاصة لمعالجة الوضع الإنساني هناك.

 

وزار وزيرا خارجية الأردن ومصر دمشق الشهر الماضي للمرة الأولى منذ بدء الحرب، وجاءت زيارة الوزير المصري بعد مكالمة هاتفية بين الأسد والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأول مرة وذلك في السابع من فبراير شباط.

 

وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في مؤتمر صحفي مع نظيره التركي إن إيران تدعم التقارب بين تركيا وسوريا.

 

وقال عبد اللهيان "الجمهورية الإسلامية تدعم عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق لوضعها الطبيعي".

 

وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إن زيادة التواصل مع سوريا قد يمهد الطريق لعودتها إلى جامعة الدول العربية مع تحسن العلاقات بعد عزلة تجاوزت عشر سنوات، لكن من السابق لأوانه في الوقت الحالي مناقشة مثل هذه الخطوة.

 

وجدد الوزير السعودي التأكيد على أن الإجماع يتزايد في العالم العربي على أن عزل سوريا لا يجدي وأن الحوار مع دمشق ضروري خاصة لمعالجة الوضع الإنساني هناك.

 

وقال للصحفيين في لندن "الحوار من أجل معالجة هذه المخاوف ضروري. وقد يؤدي ذلك في النهاية إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وما إلى ذلك. لكن في الوقت الحالي أعتقد أن من السابق لأوانه مناقشة هذا الأمر".

 

وستستضيف السعودية القمة العربية هذا العام. وردا على سؤال عما إذا كانت سوريا ستُدعى لحضور القمة، قال الأمير فيصل "أعتقد أنه من السابق لأوانه الحديث عن ذلك".

 

وأضاف "لكن يمكنني القول... إن هناك توافقا في الآراء في العالم العربي، وإن الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر. وهذا يعني أنه يتعين علينا إيجاد سبيل لتجاوزه".

 

ماذا عن الحرب في اليمن؟

من جهته قال محمد عبد السلام كبير مفاوضي جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران في تغريدة على تويتر إن المنطقة بحاجة إلى استئناف "العلاقات الطبيعية" بين دولها.

 

جاء ذلك بعد الإعلان عن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وطهران. وأضاف عبد السلام أن "المنطقة بحاجة إلى استئناف العلاقات الطبيعية بين دولها حتى تستعيد الأمة الإسلامية أمنها المفقود نتيجة التدخل الأجنبي".

 

بدورها أعربت الجماعة الانفصالية الرئيسية في جنوب اليمن عن قلقها بخصوص المحادثات المباشرة بين السعودية وجماعة الحوثي وحذرت من أي اتفاق يتجاوز حدود جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

 

وأدى الصراع المستمر منذ ثماني سنوات إلى انقسام اليمن ووضع الحوثيين المتحالفين مع إيران، الذين أصبحوا سلطة فعلية في شمال اليمن، في مواجهة مع تحالف تقوده الرياض ويضم قوات من الجنوب تدعمها الإمارات.

 

وقال مسؤول كبير في المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي إن حلفاء التحالف لم يطَلعوا على المحادثات بين السعودية والحوثيين.

 

ويؤدي انعدام الثقة وتصاعد التوترات في الجنوب بين الحلفاء الشكليين إلى تعقيد جهود السلام الأوسع نطاقا. ومن شأن تجدد أعمال العنف أن ينهي هدوءا نسبيا دام عشرة أشهر، هو أطول فترة هدوء في ظل الحرب، بموجب اتفاق هدنة توسطت فيه الأمم المتحدة وانقضى في أكتوبر تشرين الأول.

 

وتتفاوض السعودية، التي تريد إنهاء حرب مكلفة، مباشرة مع الحوثيين لإعادة الهدنة.

 

وقال عمرو البيض، عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، في إفادة صحفية افتراضية "أصدقاؤنا في الرياض عزلوا الجميع... ربما يساعد ذلك في المفاوضات لكنه يثير شكوكا بين الأصدقاء والمعنيين بالأمر".

 

وأضاف "إذا كان الأمر يتعلق بالهدنة وسيقف عند هذه المرحلة... فلا بأس ويمكننا المشاركة فيها بشكل بناء، لكن إذا ذهب الأمر لأبعد من ذلك فلن نشارك، إنه أمر يثير قلقنا ولا يمكن أن يكون مُلزما لنا".

 

وذكر أن المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي انتزع السيطرة على عدن مرتين من الحكومة المعترف بها دوليا قبل اتفاق لتقاسم السلطة توسطت فيه الرياض، لن يقبل إملاءات بشأن الحكم أو الموارد أو الأمن في منطقة الجنوب المنتجة للنفط.

 

وأشاد المبعوث الخاص للأمم المتحدة بالجهود المضنية الرامية إلى تمديد الهدنة، لكنه شدد على الحاجة إلى نهج شامل يؤدي إلى حل سياسي مستدام للحرب متعددة الأوجه.

 

ولا يتفق أعضاء مجلس القيادة الرئاسي اليمني المدعوم من السعودية، الذي تشكل العام الماضي، على استراتيجية موحدة رغم أن الحوثيين يمثلون عدوا مشتركا لهم.

 

ويسعى المجلس الانتقالي الجنوبي في نهاية المطاف إلى انفصال جنوب اليمن، وهو هدف يعارضه أعضاء مجلس القيادة الرئاسي.

 

وانتقد عمرو البيض تشكيل قوة عسكرية جديدة تدعمها السعودية في الجنوب، واصفا ذلك بأنه "قرار من جانب واحد" اتخذه رئيس مجلس القيادة الرئاسي وقد يؤدي إلى "زعزعة الاستقرار".