آخر تحديث :الثلاثاء-16 أبريل 2024-02:50م

ملفات وتحقيقات


تحليل: بعد الاتفاق على الملفات الإنسانية.. من سيحدد معالم المستقبل السياسي؟

الثلاثاء - 31 يناير 2023 - 10:35 ص بتوقيت عدن

تحليل: بعد الاتفاق على الملفات الإنسانية.. من سيحدد معالم المستقبل السياسي؟

(عدن الغد)خاص:

تحليل لطبيعة مفاوضات الحل النهائي في اليمن مع اقتراب إتمام التسوية السياسية...

من سيفاوض الحوثيين في مفاوضات إنهاء الحرب في اليمن؟

في ظل التركيبة السياسية المتصارعة بمعسكر الشرعية.. ما بنود التفاوض مع الحوثي؟

الأطراف المطالبة بالانفصال.. كيف ستفاوض الحوثي وعلى أي أساس؟

قضية الصراع بين الإصلاح والحوثي.. هل ستوجد لها نقاط اشتراك؟

كيف تنظر المقاومة الوطنية لمستقبل البلاد في ظل تواجد الحوثي؟

المشاريع المتضادة في معسكر الشرعية.. كيف ستحدد معالم التفاوض؟

ما شكل التسوية السياسية التي سيفضي إليها هذا التفاوض؟

من سيفاوض الحوثي؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

قد تكون الحرب العسكرية الشاملة توقفت فعليًا في اليمن منذ شهور، وهو ما أكده سياسيون يمنيون وعرب ودوليون، لكن في المقابل بدأت لظى حرب أخرى بالاستعار، حرب من نوع مغاير.

الحرب المقصودة متعلقة بمآلات ما بعد الحرب التي بدأت فيها أطراف الصراع اليمنية باستشرافها وتوقعها، وشرعت بالفعل في الترتيب لها ونسج التحالفات البينية لتحقيق ما يمكن تحقيقه من المكاسب في مراحله ما بعد الحرب.

فالمليشيات الحوثية مثلًا تسعى إلى ترويج تفاهمات محددة للفوز بها أو بهدف رفع سقف مطالبها، بينما تتعمد قوى وأطراف أخرى ممانعة أي اتفاقات لا تستوعبها أو تضمن مصالحها، بينما ثمة مكونات تهدد بإفشال أية تسويات لا تشمل تقرير مصيرها.

لكن اللافت في الحرب القادمة أن أطرافها لن تكون واضحة كما كانت عليه الحرب العسكرية، خاصةً فيما يتعلق بمعسكر الشرعية اليمنية، الذي يضم أطرافًا متصارعة، وتمتلك أجندات متعارضة ومتضادة للغاية.

أما معسكر الحوثي فيبدو متماسكا ومحددًا لرغباته من وراء أي مفاوضات سياسية قادمة، خاصةً وأن المليشيات تكاد تكون قد أمّنت نفسها في المفاوضات الإنسانية المتعلقة بالمطارات وموانئ مناطق سيطرة الانقلابيين وصرف المرتبات.

والآن، جاء دور مفاوضات الحل النهائي السياسية، التي لا تبدو فيها الشرعية اليمنية في أحسن أحوالها، رغم أن هذه الشرعية كان لا بد أن تمثل الند المقابل للانقلاب الحوثي، غير أن الانقسامات التي نخرت جسد الشرعية، الأمر الذي قد لا يجعلها مؤهلة لأن تواجه المليشيات ندًا لند.

وضع كهذا يقود إلى تساؤلات عديدة عن هوية الطرف المؤهل للتفاوض مع مليشيات الحوثي، في ظل تماسك هذا الأخير، ووسط كم هائل من الخور والتشظي يضرب بُنية معسكر الشرعية اليمنية، متأثرةً بخلافات مكوناتها وقوتها السياسية المختلفة.

> بين الشرعية والحوثي؟

الفوضى التي تعيشها قوى المعسكر الشرعي، وتجاذبات الصراعات السياسية وصراع المشاريع المتباينة تسبب بتحويل هذا المعسكر إلى مجرد كيان مشتت الأهداف والغايات، وبالتالي إظهاره بمظهر الضعيف.

يحدث هذا في ظل محاولات الحوثيين وسعيهم الحثيث لإظهار قوتهم، وبأنهم بنيان متماسك، يضعون الشروط ويطالبون بمطالب تجد لها تنفيذًا على الأرض، وهم ناجحون في هذا، رغم هشاشة هيكلهم الداخلي، ونفور الناس الذين ضاقوا ذرعًا بسياساتهم وقمعهم.

لكن في المحصلة النهائية، وعلى المستوى السياسي والعسكري، فإن الحوثي يمتلك مشروعًا واضحًا حتى وإن عارضه معظم اليمنيين، إلا أنه ماضٍ في تنفيذه بكل ما أوتي من قوة، ويهدد من خلال اليمنيين ودول الخليج، لعل في هذا الوضع ما فرض على الخارج التفاوض والحلوس معه.

ورغم أن الباطل الذي يمثله الحوثي يبدو قويًا، كونه انقلب على الشرعية والدولة واستولى على مقدراتها بقوة السلاح، إلا أن الحق الذي تدعي الشرعية اليمنية أنها تمثله تسبب بإظهاره بمظهر رثٍ وهش، وجعل الآمال الشعبية باستعادة الدولة تتشتت وتتناثر؛ كنتيجة طبيعية لتشتت غايات وأهداف مكونات الشرعية اليمنية.

ومن المؤكد أن وضع كهذا يصب في صالح الحوثي الذي بدا كتلة واحدة ومتماسكة، ينتظر من سيفاوضه بعد أن اشترط قبل فترة أن يكون التحالف العربي هو المفاوض والند له، ولم يعترف الحوثي بالشرعية اليمنية باعتبارها أداة من أدوات التحالف، وفق وصف الحوثي.

تتحدث المليشيات عن واقع الصراع في اليمن، في ظل أن جذور هذا الصراع، تشير إلى أن كلا الطرفين (الحوثي والشرعية) مجرد أدوات، فالأول خضع بكامل إرادته ووعيه لنظام إيران العابث في المنطقة، بينما يحرك التحالف الشرعية اليمنية كيفما شاء.

هذا الواقع لا يمكن إنكاره، رغم الفرق الكبير بين دعم إيران للحوثيين بهدف تهديد دول الجوار اليمني، وهو دعم استغلالي لا يخلو من الانتهازية، وبين الدعم الذي يقدمه التحالف للشرعية اليمنية الذي وإن حمل غايات سياسية إلا أنه لا يتسبب بتهديدات متعدية للغير.

وكان يفترض أصلًا أن تتركز المفاوضات والحوارات السياسية بين التحالف وإيران فيما يتعلق بالصراع في اليمن، صحيح أن ثمة مفاوضات سرية بين الرياض وطهران ولكنها مفاوضات شاملة تتضمن ملفات العراق وسوريا والاتفاق النووي، ولا تشكل اليمن سوى ملف ثانوي فيها.

ولكن الوضع الطبيعي أن يتفاوض كليهما بشكل مباشر ومركز على الأزمة اليمنية كونهما المتسبب فيها، وكلاهما يدعم الأطراف المؤثرة عليها، وليس فقط أن يتفاوض الحوثي كطرف يمني، مع طرف يمني.

> من سيفاوض الحوثي؟

في نهاية المطاف، من المتوقع أن يكون الحوثي هو الطرف المعلوم من طرفي التفاوض بين الفرقاء اليمنيين، وهو ما كشفت عنه المفاوضات الجارية أو التي جرت بين السعوديين والحوثيين بوساطة عمانية.

ورغم أن البعض وصف تلك المفاوضات بأنها همشت الشرعية كطرف أصيل من أطراف الصراع اليمني، إلا أن مراقبين سياسيين يرون أن جلوس الحوثي مع الشرعية يقتضي أولًا جلوس المليشيات مع الداعم الرئيسي للشرعية؛ باعتباره ”مطلبا تكتيكيا” لمستقبل التسوية السياسية في اليمن.

غير أن هوية الطرف القادم الذي قد يجلس أمام الحوثي على طاولة واحدة، تبدو غامضة، خاصة في ظل التركيبة السياسية المتصارعة التي يعيشها معسكر الشرعية، والتعارض في مشاريع القوى المنضوية تحت هذا المعسكر.

فهناك المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال وضبابية مآلات هذه المطالب في ظل تمسك الحوثي بالوحدة، بالإضافة إلى عدم توافق الانتقالي مع عدد من المكونات التي يتشكل منها المجلس الرئاسي حول مصير مطالب الانتقالي، الأمر الذي يجعل من جلوس الانتقالي مع الحوثي أمرًا مستبعدًا إلى حدٍ بعيد.

إلا أن الانتقالي من المستحيل أن يتفاوض مع الحوثي بشكل ذاتي أو مستقل، ولكن من خلال المجلس الرئاسي اليمني، كون الممثل الطبيعي للشرعية اليمنية منذ الوهلة الأولى لتأسيسه.

كما يبرز حزب الإصلاح، أو ”إخوان اليمن” وفق ما يحلو للبعض تسميتهم، ودورهم في مصير التفاوض مع الحوثيين، كون المليشيات كانت تستهدف الإصلاح بمجرد اقتحام العاصمة صنعاء، واعتباره العدو الأول للجماعة، عملت على مطاردة منتسبي الحزب واعتقالهم.

لكن هناك من يشير إلى أن الإصلاح والحوثيين يمتلكون العديد من النقاط المشتركة، وثمة اتهامات بتواطؤ مشترك بينهما في جبهات القتال، وحتى في مجال استهداف القضية الجنوبية، رغم أن أدبيات تعارض المليشيات وتتهمها بإسقاط الدولة والجمهورية.

بينما ترى قوى أخرى مثل المكونات اليسارية من جهة، وقوى مؤتمرية كالمقاومة الوطنية من جهة أخرى أن الحوثيين لا يمكنهم بناء دولة أو أن يتحدثوا عن الجمهورية، كونهم جماعة كهنوتية يجب ألا يتم استيعابها إلا بعد أن تلقي سلاحها وتنتظم كحزب سياسي، ويتم استعادة الدولة والجمهورية.

ومن شأن هذه التناقضات التي تزخر بها جبهة الشرعية اليمنية ومعسكرها المواجه لمعسكر الحوثي أن تتحدد بناءً عليها بنود التفاوض مع المليشيات، وسترسم ملامح مستقبل التسوية السياسية في اليمن بشكل كبير.

فكل طرف من تلك الأطراف يمتلك مشروعه الخاص، وغاية تختلف عن غايات فرقاءه الآخرين في أي تفاوض قادم، الأمر الذي سيؤثر على بنود هذا التفاوض، وسيوجهها بشكل مؤكد نحو رغبات كل طرف السياسية، بينما الحوثي يمتلك مشروعا محددا ووحيدا يقاتل من أجله.

> مطالب متباينة وواقع متغير

وبناءً على هذا التباين، ثمة من سيطالب بالعودة إلى صنعاء، أو استعادة دولة الجنوب، أو تقسيم اليمن بين كنتونات سياسية منعزلة عن بعضها بسلطات محلية بمنأى عن المركز.

كما أن هناك من سيتمسك برفض ما فرضه الحوثي من ممارسات طائفية، ومحاولة استعادة شكل الدولة ما قبل 2014، بالإضافة إلى أن الحوثي نفسه من المؤكد أن يطالب بموارد المناطق المحررة وتقاسمها، وهو ما يعني تشتتًا لكل طرف.

غير أن التصريح الأخير للرئيس الدكتور رشاد العليمي لدى عودته إلى عدن، أكد أن مطالب أية مفاوضات سلام مع الحوثيين ستتركز حول المرجعيات الثلاث التي تتمسك بها الشرعية اليمنية كأساس للحل النهائي.

لكن هذه المرجعيات التي تحدث عنها العليمي، والتي تم إقرارها في عام 2015 قد بدأ الحديث الفعلي عن التخلي عنها، وتأسيس مرجعيات مغايرة بناءً على الواقع السياسي والعسكري الجديد الذي تغير فعليًا على الأرض منذ ذاك الحين، فواقع 2015، ليس كما هو الوضع في 2023.