آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-01:44م

ملفات وتحقيقات


تحليل: هل تكمن المشكلة فعلياً في التغييرات الحكومية.. أم أنها أعمق من ذلك؟

الثلاثاء - 24 يناير 2023 - 08:09 ص بتوقيت عدن

تحليل: هل تكمن المشكلة فعلياً في التغييرات الحكومية.. أم أنها أعمق من ذلك؟

(عدن الغد)خاص:

تحليل استمرار غياب المجلس الرئاسي والحكومة عن عدن في ظل أنباء عن تغييرات وزارية..

(عدن الغد) القسم السياسي:

ما زال المجلس الرئاسي غائبًا عن العاصمة المؤقتة للبلاد، وغالبية وزراء الحكومة الشرعية كذلك، في ظل أنباء عن تصاعد الخلافات البينية داخل مكونات المجلس والحكومة، وغياب التجانس.

قد تكون مدينة عدن قد اعتادت على غياب الحكومة والمؤسسة الرئاسية عنها، منذ سنوات، لكن الغياب هذه المرة مرتبط بعوامل ذاتية من داخل الحكومة والمجلس الرئاسي وليس من خارجها.

فالخلافات العاصفة بين مكونات الطيف السياسي اليمني تحول دون استقرار أي عودة داخل العاصمة المؤقتة، حيث لا تكون البيئة صالحة للعمل الحكومي في ظل مناكفات وتضييق متبادل.

ولعل حادثة إيقاف ومنع إقامة مهرجان "شتاء عدن" الذي تقيمه جهة حكومية ممثلة بوزارة الإعلام والثقافة والسياحة، أبسط دليل على أجواء العمل غير الصالحة التي تتسم بها مدينة عدن في ظل خلافات مكونات الرئاسة والحكومة.

قد يتركز سبب الخلاف بين قوى الحكومة في ممانعة كل طرف لتمرير غايات وأهداف الطرف الآخر، وهي غايات يراها كل طرف بأنها ستلحق به الضرر وبمشاريعه ومسلماته السياسية، وهو ما يحدث بالفعل.

لكن ثمة عوامل أخرى، تفاقم الخلافات بين المكونات السياسية، وتؤدي إلى عدم عودة مؤسسات الدولة الرئاسية والحكومية إلى العاصمة المؤقتة عدن، ترتبط أيضًا بصراعات كل طرف ومصالحه في الاستحواذ والسيطرة.

> صراع الحقائب

أبرز عامل يزيد من تصدع المجلس الرئاسي والحكومة الشرعية التي يفترض أن تكون "توافقية" و "حكومة مناصفة" يكمن في سعي أطرافها نحو الحصول على أكبر ممكن من المكاسب السياسية على حساب الأطراف الأخرى.

وفي دهاليز السياسية تسمى هذه العملية بـ "المحاصصة"، التي تنبني بناءً عليها مقاعد محددة سلفًا لكل مكون سياسي، سواءً في المجلس الرئاسي أو الحكومة الشرعية، وهذا ما هو حاصل اليوم.

ولهذا فإن الصراع بين القوى والمكونات السياسية تحول من صراعات عسكرية عنيفة إلى صراعات سياسية حول الحقائب الوزارية والمناصب العليا في الدولة، وهو أسوأ بكثير من صراعات أخرى.

خاصة وأن الأمر متعلق بأحاديث في أروقة السياسية حول اقتراب الإعلان عن تغييرات حكومية وتعديلات وزارية في قوام الحكومة الشرعية، لن تضم فقط قوى الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، بل ستتسع للقوى الأخرى الممثلة في المجلس الرئاسي.

فليست كل التيارات السياسية والعسكرية المتواجدة في المجلس الرئاسي لها تمثيل في الحكومة، وهذا ما قد يدفع قيادات المجلس الرئاسي إلى استخدام نفوذها بحصول المكونات التي تمثلها على حقائب وزارية، وبحصص محددة مسبقًا.

الأمر الذي يعني أن مسئوليات الدولة والحكومة ستؤول إلى سياسيين بلا كفاءة، لم يحصلوا على مناصبهم باستحقاق أو نتيجة تخصصاتهم، ولكن بناءً على انتماءاتهم الحزبية والسياسية. لهذا عواقب وخيمة، لا تقف فقط عند الخلافات التي تعصف بمؤسسات الدولة حاليًا.

فالخلافات عندها ستنعكس على وضع البلاد الخدمي والمعيشي، والذي من المؤكد سيزداد ترديًا، سواءً عادت الحكومة والمجلس الرئاسي إلى عدن أو لم يعودا، فالأمر سيان ما دامت القيادات غير مؤهلة لتولي مسئوليات الناس بسبب المحاصصة.

> انتظار التغيير

الغياب الراهن لمؤسستي الرئاسة والحكومة عن عدن يختلف عن الغيابات المعتادة عليها، فهو غياب مرتبط بتسويات وتفاهمات سياسية تحدد شكل المشهد القادم في ظل مستجدات ومتغيرات قائمة على ضغوط دولية وإقليمية.

فمن المؤكد أن ثمة تغييرات وزارية مرتقبة في قوام الحكومة وبدوافع خارجية، تمهيدًا لما هو قادم من استحقاقات على مستوى البلاد برمتها، وهو ما يجعل من عودة المجلس الرئاسي أو الحكومة إلى عدن صعبًا قبل إقرار تلك التغييرات.

خاصة وأن ما يُنتظر من تغييرات لن تكون كسابقاتها المقتصرة على قوى بعينها اعتادت تقلد المناصب والحقائب الوزارية، ولكن "المحاصصة" الراهنة تختلف كليًا، وتمتد لتكون أشبه بـ "حرب" يسعى فيها كل طرف للفوز بجزء يرضيه من "الكعكة".

ولعل هذا المستوى من التنافس بين القوى السياسية والحزبية في اليمن، لا يقف فقط عند مستوى الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب، ولكن أي حقيبة وزارية قادمة لها قيمتها في مثل هذا التوقيت من زمن الأزمة اليمنية.

فالحكومة القادمة التي تقاتل من أجلها القوى السياسية والحزبية في اليمن، جبهة الشرعية، ستتولى -فيما يبدو- مهمة التفاوض مع مليشيات الحوثي، في ظل اقتراب إقرار تفاهمات بين التحالف والجماعة الانقلابية.

وعليه، فإن أي تغيير وزاري منتظر يعتبر من الأهمية بمكان، كونه يحدد ملامح البلاد وشكل الدولة سياسيًا، وهو ما تسعى إليه القوى اليمنية، في الحفاظ على مكاسبها مستقبلًا، عقب إقرار أية تسوية مرتقبة.

لكن، من شأن هذه الغايات التي يحملها كل فصيل سياسي، بمنأى عن الفصائل الأخرى، أن تطيل أمد الخلافات بين أروقة المجلس الرئاسي والحكومة اليمنية، وهو ما يعني حالة من عدم الاستقرار وبالتالي الضعف والخور في معسكر الشرعية المواجه والمقابل الطبيعي لمعسكر الانقلاب المتمثل في الحوثيين.

> تأثيرات الخلاف

التراخي الذي حكم شخصية الشرعية تجاه المليشيات الحوثية، يعود في نسبة كبيرة من أسبابه إلى صراعات وخلافات مكوناتها المتنازعة، لكن هذا التراخي ليس مقتصرًا على علاقة الشرعية بالحوثي.

فالضعف الذي تسبب به الخلاف بين قوى الشرعية، انعكست تأثيراته داخليًا في المناطق المحررة، خاصةً في المجالات الخدمية والمعيشية المتردية حد الانهيار، وهو ما يفرض على الحكومة والمجلس الرئاسي وضع استراتيجية مغايرة لنظام "المحاصصة".

فمنح الشرعية والمجلس الرئاسي والحكومة قوة وهيبة في مواجهة الحوثي في أية مفاوضات مرتقبة، بالإضافة إلى تحسين الوضع المعيشي والخدمي لبسطاء الناس يحتاج إلى وزراء جادين وفاعلين في تغيير هذا الواقع.

لهذا يجب أن يكون التغيير المرتقب على مستوى الحقائب الوزارية حقيقيًا ويمنح تسريحًا لكل الوزراء المعطلين وغير الفاعلين، بما فيهم كبار مسئولي الدولة؛ لما فيه مصلحة الدولة والشرعية وتقوية مستوى المعيشة والخدمات العامة للمواطنين.

وهذا الأمر لن يحدث إذا استمرت المحاصصة بين القوى السياسية في المجلس الرئاسي والحكومة اليمنية، فالمحاصصة في طبيعتها هي ضد الكفاءة والنزاهة، ولا معيار لها سوى الانتماء الحزبي، وهو ما يضر بكيان الدولة وبحاجات الناس البسطاء.

ما يحتم التخلي عن المحاصصة في أية تسوية مستقبلية، فهي لا تساعد على نجاح أي حكومة، ولعل في شواهد البلدان التي تعيش في فوضى سياسية خير دليل وتأكيد على مساوئ المحاصصة التي يجب ألا تستمر في اليمن، لأنها جنت كثيرًا على البلاد على كافة الصعد السياسية والاقتصادية.

> أين المشكلة؟

قد يتحدث البعض عن تاريخ اليمن السياسي، منذ تحقيق الوحدة اليمنية في العام 1990 وإقرار التعددية السياسية، والمأزق السياسي الذي ارتبط بخيار التعدد الحزبي الذي أقره النظام السياسي، وإمكانية استمرار المحاصصة وإرضاء كافة القوى الحزبية لتحقيق التوافق والاستقرار.

لكن الحالة اليمنية عصية على التوافق والاستقرار رغم أن التجارب السياسية التي شهدتها تميزت بالتشاركية والمحاصصة منذ عقود دولة الوحدة، لهذا يبدو أن الأوضاع فيها لم تستقر، نتيجة تقديم نظام الحصص على الكفاءة والنزاهة.

لكن مشكلة البلاد أعمق من أن تكون مقتصرة على عدم وجود توافق حول المحاصصة أو الحقائب الوزارية التي يقاتل كل طرف بالحصول عليها، لأن المحاصصة بحد ذاتها هي المشكلة.

كما أن التسليم بإمكانية تخلي القوى السياسية والحزبية عن أحلامها السلطوية، وإتاحة المجال للكفاءات والعناصر "التكنوقراط" يبدو بعيد المنال في ظل سعي محموم نحو الكراسي والمناصب.

وما سيزيد الأوضاع سوءًا، أن التسوية السياسية المرتقبة للصراع والحرب في اليمن تشترط بناءً على ضغوط إقليمية ودولية تشاركًا مع مليشيات الحوثي التي لا تؤمن أصلًا بأي تعايش أو تشاركية.

وهو بنظر مراقبين ما سيؤدي إلى مفاقمة المشكلة وجعل المشهد السياسي في اليمن أكثر تعقيدًا، وربما قد يصل إلى ما يشبه النموذج العراقي أو اللبناني أو حتى الليبي، وهي كلها نماذج مليئة بالتشظي وحالات عدم الاستقرار؛ نتيجة اعتمادها على نظام المحاصصة.

وما سيجعل المشكلة في اليمن معقدة أكثر، أن يتم اعتماد المحاصصة السياسية دستوريًا وقانونيًا كما هو شأن المحاصصة في النماذج المذكورة أعلاه، عندها لن يكون هناك أي فكاك من تبعات هذا النظام السيئ، الذي لن يحقق استقرارًا ولن يكتب النجاح للبلاد برمتها، سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا واقتصاديًا.