آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-02:20م

ملفات وتحقيقات


المهمشون وتحديات التعليم

الثلاثاء - 27 سبتمبر 2022 - 09:28 ص بتوقيت عدن

المهمشون وتحديات التعليم

تقرير/ محمد باقي:

على مدار العقود الفائتة، ظل المهمشون في اليمن عُرضة لأنواع من التمييز الاجتماعي والاستغلال، وملف هذه القضية المجتمعية معقد ويواجَه بالمزيد من تهميش حقوق مواطنتهم، ومن ضمنها حق المشاركة في الحياة العامة والسياسية. 

احصائيات

تتباين تقديرات أعداد المهمشين في اليمن، حسب دراسة صادرة عن "مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية"، وتتراوح بين 153 ألفاً، و3.5 مليون نسمة، وتقدّر الدراسة المذكورة أعدادهم بما بين 427 و800 ألف نسمة، أي بما بين 1.4% إلى 2.6% من إجمالي عدد سكان اليمن.

ويقيم معظم المهمشين في أحياء فقيرة محيطة بالمدن الرئيسية، وهم موجودون في جميع المحافظات، وأكثريتهم في الحديدة (35%)، وحجة (13%)، وذمار (10%)، وعدن (8%)، وتعز (5%)، وصعدة (5%)، وصنعاء (4%).

وشهدت مجتمعات المهمشين ظاهرة نزوح قوية منذ عام 2015، بسبب الحرب، وكانت عملية التجائهم إلى مخيمات النازحين والملاجئ في المؤسسات العامة، مثل المدارس، إما هرباً من المواجهات المسلحة بين مقاتلي الحوثيين والقوات الموالية للحكومة اليمنية والقبائل المساندة لها

أطفال المهمشين وحق التعليم 

يتجلى اليوم التمييز ضد مهمشي اليمن بطرق متعددة، حيث تتداخل عوامل من العنصرية العرقية والنظام الطبقي، وتقطن أقلية المهمشين بشكل أساسي ضمن عشوائيات على أطراف المدن، غالباً دون كهرباء أو ماء نظيف أو ملاجئ آمنة.

ووفقاً لدراسة أجرتها اليونيسف، أدى انخفاض معدلات الالتحاق بالمدارس إلى نسبة إلمام بالقراءة والكتابة بمعدل 20٪ فقط بين البالغين منهم، أما أطفال المهمشين فيواجهون عادة مضايقات وتنمر من قبل المعلمين والطلاب الآخرين في المدارس، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التسرب، في حين أن بعض أولياء الأمور يسحبون أطفالهم من المدرسة للعمل

ووفقاً لليونيسيف، فإن 9٪ فقط من المهمشين يسجلون أطفالهم عند الولادة، ما يجعل نقص شهادات الميلاد عقبة أمام الالتحاق بالمدارس.    

تمييز إجتماعي 

يقول الطفل صالح البالغ من العمر (13عاماََ) والذي يعيش في أحد محاوي المهمشين في مدينة المكلا شرق محافظة حضرموت اليمنية "درست حتى الصف الثالث الابتدائي وبعدها توقفت عند الذهاب إلى المدرسة لأن الأطفال يتنمرون علي ويضربونني ودائماً ما يندونني بلقب (خادم). 

وبعد أن توفى ابي التحقت بسوق العمل وكنت اعمل في تقطيع الاسماك في الصباح وأجمع العلب البلاستيكية الفارغة وأبيعها في نهاية اليوم لأساعد أمي التي تعمل عاملة نظافة في البيوت لإعالتنا. 

ويضيف  " لازلت أمتلك كتبي المدرسية وحقيبتي وأدواتي واشاهد الاطفال يذهبون الى المدرسة كل صباح مرتدين الزي المدرسي وأمنيتي الوحيدة ان اتعلم وألتحق بالصفوف الدراسية ، لكن اخاف ان يتنمر علي الاطفال لأني مختلف عنهم مثل ما يقولون ,و يسخرون مني بسبب ملابسي القديمة ولون بشرتي وبسبب (العشة) التي نسكن فيها انا وعائلتي.   

"إسمي سلمى.. ولست خادمة" 

يقول محمد ناصر 45عاماََ الذي يقطن في أحد محاوي المهمشين في مدينة المكلا " أنا أب لبنتين، خديجة 5 سنوات وسلمى 17 سنة التي كانت تدرس في الصف الرابع عندما نزحنا من تعز عقب دخول قوات انصار الله(الحوثية) إليها وتركنا كل شيء ورائنا ولم نأخذ شيء سوى ارواحنا وانتهى بنا الحال في مدينة المكلا ، ولم اترك مدرسة إلا وذهبت إليها محاولاََ تسجيل ابنتي لتكمل تعليمها، لكن باءت كل محاولاتي بالفشل لأني لا امتلك أوراقها الثبوتية. 

تقول سلمى "تركت كتبي وأقلامي في المحوى الذي كنا نعيش فيه في تعز. الأطفال هنا لا يحبونني ولا يتكلمون معي وأيضاََ هكذا كان الحال عندما كنت في تعز، وكل هذا بسبب اني ولدت في أسرة فقيرة لا تمتلك حتى المنزل الذي يقيها من البرد. 

لماذا يتعاملون معي هكذا؟ 

نجحت في ان اجد لي صديقة هنا في مدينة المكلا، بنت اسمها فاطمة تسكن في الحي القريب من المحوى الذي نعيش فيه، تلعب معي احياناََ، بدون علم أهلها ، وذات يوم كنا نلعب معاََ في الصباح ورأتها امها ووبختها كثيراََ وقالت لها ابتعدي عنها وأخبرت أبي أن "ابعد ابنتك عن ابنتي". 

لماذا كلهم يتعاملون معي هكذا، انا انسانه مثلهم ولا ينقصني شيء، وليس ذنبي أن يكون لون بشرتي هكذا أو أن لا أملك ثياب جديدة أو منزل ، حلمي أن أذهب إلى المدرسة وأتعلم وأكوّن صداقات وأعيش مع المجتمع بدون أن يطلقوا على لقب (خادمة)؛ اكره ان يطلقوا على هذا الاسم 

اسمي سلمى ولست خادمة 

اريد ان اتعلم، أريد أن أكون طبيبة وأحقق أحلامي 

أنا إنسانة أريد أن ادرس واتعلم مثل بقية الأطفال 

من حقي أن اتعلم، لماذا لا يسمحون لي؟ 

هل فعلاََ لأني لا امتلك شهادة ميلاد؟ 

أو بسبب ان المقاعد الدراسية ممتلئة مثل ما يخبرون أبي دائما 

انا اعلم انهم لا يحبونني لأنني لا انحدر من عائلة راقية ولأن ابي فقير ويعمل في النظافة 

القانون..والتعليم 

تنص المادة 28 من اتفاقية حقوق الطفل والمصادق عليها من قبل الجمهورية اليمنية أن " لكل طفل الحق في التعليم ويجب أن يكون التعليم الأساسي مجانياً وأن يكون التعليم الثانوي  والتعليم العالي متوفرين, وينبغي تشجيع الأطفال على الذهاب إلى المدرسة للحصول على أعلى مستوى تعليمي ممكن وعلى المدارس احترام حقوق الأطفال وعدم ممارسة العنف بأي شكل من الأشكال"

كما تنص المادة(6) من القانون العام للتربية والتعليم في الجمهورية اليمنية على "اعتبار التعليم الى جانب كونه استثماراً بشرياً فهو حق إنساني مشروع تكفله الدولة وتيسره لجميع أبناء الشعب"

وتنص المادة (8)من القانون نفسه على أن " التعليم مجاني في كل مراحله تكفله الدولة وتحقق الدولة هذا المبدأ تدريجياً وفق خطة يقرها مجلس الوزراء

وتقول الصحفية والناشطة الحقوقية(دعاء صالح)  " على الرغم من أن القانون اليمني يقر بأن التعليم حق انساني تكلفه الدولة لجميع ابناء الشعب إلا أن هذا القانون لا يشمل فئة المهمشين, لماذا؟  أليسوا من أبناء هذا الشعب؟ أليسوا بشراً ؟"

وتضيف  "طريقة تعامل المجتمع مع الفئة المهمشة لا يلغي حقيقة كونهم  بشر لهم أغراضهم وغاياتهم سوى مادية أو معنوية. قانون الحياة يفرض على كل إنسان واجبات بالمقابل يحصل على حقوق ؛ لماذا هذه الفئة بالذات تم استثنائها من الحياة؟ جهلهم ،لون بشرتهم ، أصلهم العرقي ، هذا لا يبرر عدم الاعتراف بهم ، ولا يبرر عدم توفير حياة كريمة لهم ، محرومين من أبسط مقومات الحياة : لا هوية ، لا مسكن ، لاتعليم. من الذي  فرض عليهم هذا التهميش؟ إذ أن الإسلام جاء وقضى على العنصرية والتمييز. نحن كمجتمع مسلم ما هو  عذرنا لنميز ونهمش؟ من أي دين جاء هذا؟ 

طريقة التعامل هذه و مع هذه الفئة تحديدًا ،لا يمت للحضارة والرقي بصلة ، إطلاقًا ، وجودهم أمام حاويات القمامة ، و مفارق الطرق ، انتشار الأطفال في الشوارع ظهرًا  ، مساكنهم التي تسمى أي اسم إلا إنها مساكن ،  يدل فقط على إننا لانزال في عصر الجاهلية دون أي تحضر أو رقي .

وفي ختام حديثها تقول "رغم القوانين الدولية التي تجرّم التمييز العنصري، ورغم القوانين المحلية النافذة التي تحرّم التمييز بين أفراد المجتمع اليمني، إلا أن المجتمع نفسه ساهم، منذ القدم، في تأصيل الانقسام الطبقي، وذلك بتصنيف هذه الفئة المجتمعية تحت مسمى "الأخدام"

في الأخير  أتمنى من الجهات المسؤولة أن تعيد النظر في حال هؤلاء " البشـر"  كجزء من المجتمع لهم حقوق مثل غيرهم لعل وجود شخص واحد متعلم منهم أن يمحو تاريخهم البائس.

لفتة 

إن سلوك التمييز ضد فئة المهمشين يخالف القوانين الدولية والوطنية ومبادئ حقوق الإنسان , من حيث كونها مخالفة لمبدأ المساواة وعدم التمييز, الذي يلزم المؤسسات العامة بأن تضمن تمثيل الجماعات المهمشة والمقصية من الادارة العامة ومن هيئات صناعة القرار . إلى جانب كونها مخالفة لمبدأ المواطنة المتساوية يجب أن يتعامل المجتمع مع المهمشين على الأقل وفق قيم الإسلام الذي يساوي بين الجميع.

فمن المعيب أن نكون مسلمين ونعامل من يشاركوننا في الدين والعقيدة والأرض والمصير المشترك, بطريقة عنصرية , ليس لشيء إنما لأننا نختلف معهم في اللون الذي لم يكن لنا حق الاختيار فيه.

وأقول للمهمشين : اعلموا أن الحقوق لا توهَب , وإنما تنتزع, أن التعليم وتغيير بعض السلوكيات هما السبيلان الوحيدان اللذان يمكّنانكم من الاندماج والحصول على كامل حقوق المواطنة, والمشاركة في كل جوانب الحياة المدنية.

" تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا"