آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-12:04م

ملفات وتحقيقات


عبير الأردنية.. بأقل من نصف حياة جعلتنا كورونا.. هل الشقاء أمر محتوم لسكان مدينة عدن؟!

الإثنين - 26 يوليه 2021 - 02:48 ص بتوقيت عدن

عبير الأردنية.. بأقل من نصف حياة جعلتنا كورونا.. هل الشقاء أمر محتوم لسكان مدينة عدن؟!

(عدن الغد) خاص:

كتب/ نصر الأشول

 

تنتشر الأمراض والأوبئة فتفتح الأرض قبورها فاردة ترابها لتحتضن في جوفها أجساد البشرية، وتحول من الواقع الأليم الى جهنم في الحياة.

 

"كل ما نأكله هو ما تجود به قلوب جيراننا الطيبين، ولا نملك شيء بهذه الحياة غير حبهم وعطفهم, ومساندتهم لنا ونحن هكذا منكوبين بل تحت خط النكبات، وكورونا سرق منا السند والمعيل" . هكذا كانت إفتتاحية حديث ام محمود وفزيرة لنا.

 

هذه السيدة عبير محمد سعيد برهوش،ذو ال 48خريفا، أردنية الأصل من أم مصرية، قدمت الى محافظة عدن قبل ثلاثة وعشرون عاما، حيث كان يعمل والدها خبير فني في احدى الشركات المحلية ليفتتح بعدها مطعما في مدينة المعلا.

ثم تزوج المرأة الثانية من جنسية يمنية محافظة أب وسط اليمن. 

لعبير من أمها أختان وأثنان من الأخوة يقطنون حاليا في مصر، بينما لديها ثلاث من الأخوات من خالتها اليمنية إحداهن متزوجة وإثنتان تحت رعاية أخوالهن.

 

أما زوج عبير السيد عبدالجبار حمود يسر يمني الجنسية خمسيني العمر فقد وافته المنية إثر مرض صدري أصاب جهازه التنفسي بشكل مفاجئ بتاريخ 1/7/2020. ليواري جثمانه تحت الثرى.

 

للفقيد عبدالجبار والسيدة عبير صبيان ، فتاة بعمر الثامنة عشر ويصغرها أخ بثلاثة أعوام.

 

في اليمن يجد الصحفي المنقب عن القصص الواقعة في المجتمعات، وما خلفته الحروب والكوارث والأوبئة، يجد نفسه أمام باحة من القهر والعوز لمناطق ومدن وأحياء برمتها" وكأن الشقاء قد كتب مسبقا لسكان هذا البلد" ففي محافظة عدن خاصة، لا يوجد من لا يعاني، هناك من لايجد أقراصا مسكنة للآلام، وآخر لايجد فتاتا يسكن به جوع بطنه.

 

هنا تسرد أم محمود وفريزة وضعها مع المعاناة التي فاق صبرها قوة الجبال، وبنفس حال الإنسان الضعيف بعد خذلان الدولة له، وقساوة الحياة بوجهه.. منكسرة متألمة حزينة محتارة " من أين سأبدا يا ولدي نصر" هكذا بدأت السيدة عبير حديثها" من أين والحياة أظلمت بوجوهنا, فقدت أبي" تتساقط الدموع وتنهمر وينقطع حديثها لتعاود" ثم تأتي كورونا وتأخذ زوجي والد أطفالي، ولا راتب شهري لدينا, ولا معيل" توقفت لبرهة عن الحديث.

 

" زوجي كان يعمل طباخا في مطعم والدي، وبعد إغلاق ذلك المطعم وذهاب أبي الى صنعاء، عاد زوجي للعمل في مطاعم أخرى، مرت الجائحة الأولى والحجر المنزلي وكدنا أن نموت جوعا، وكان الجوع أهون من وفاة معيلنا الوحيد بعد الله وسندنا.

 

 

كومة من الألم:

لم تكف الحياة عن تعذيب عبير بوفاة أباها, وزوجها, وعودة أمها وأخوانها الاربعة الى مصر، والآخرين الى مدينة"أب"، لتتركها وحيدة تواجه أعباء الحياة لأجل أبنائها الإثنان.

ظلت عبير تداري إحتياجات الأبناء مما تتلقاه من هبات فاعلي الخير على مدى عام كامل.

 

لكن المرض داهمها كالشبح الأسود في منتصف الليل الدامس، أتحم جسدها بل وتوغل فيه وأنهكها.

" بعد خسارة من رحلوا عني داهمتني عدة أمراض أولها "السكري" لتلتحق بركبه بقية الأمراض التي أنهكتني وضاعفت من مأساتي ونخرت بطون أولادي جوعا، كونهم أطفالا لا يقدرون على العمل" لم يكن السكري الوحيد من يميت مرضاه كل يوم فقط بل توالت عليها الامراض " الضغط، تضخم الكبد، تضخم المرارة، وخشونة في مفاصل سيقان اقدامها[الركبة]".

 

إنسانية مطحونين:

 

قد ينعدم الضمير عند الكثير، فتتسب الجريمة ويحدث العنف، إلا أن فئة من المطحونين اللذين أفقدتهم الحروب والاوبئة مصادر دخلهم، وفقدوا فيها من ستندوا اليهم او يعيلهم، نجدهم يتمسكون أكثر بالضمائر والحقوق الإنسانية، إنسانيون بالمجمل.

 

بالدمع والأسى وملئ القلب أوجاع، كل كلمة تتكفل بأسقاط عدة قطرات دموع حتى تخرج من حنجرتها ، عبير واصفة حالتهم المادية ووضعهم القهري" لا أستطيع الحركة كثيرا, ولا النزول من المنزل الى الحي او لأسواق المدينة للعمل"، مشيرة الى جسمها المفرط بالسمنة، "كما تشاهدون أنا بدينة جدا ومرض السكر والضغط وخشونة مفصل ركبتاي هن من يؤرقني في حزني ويزيدن خيبتي في هذه الحياة.

أبني محمود البالغ من العمر "15" عاما، يعاني من إللتهابات شديدة في صدره، وأنا ضد العمل وهو في هذا العمر الغير قانوني والذي يعتبر تعنيفا وإنتهاكا لحقه كطفل يجب أن يعش طفولته كغيره من الأطفال الذين ينالون حقوقهم، لكن محمود لا يعز عليه رؤيتي وأنا بهذا الحال, وهو مكتف يداه، كذلك أنه يجوع كما نجوع نحن.

 

يخرج محمود للعمل في إحدى الأكشاك الصغيرة التي يطبخ فيها البطاطس المقلي على الأرصفة, فترات بسيطة, ثم تستاء حالته بسبب مرض الإلتهاب في صدره جراء أدخنة القلايات وبخار الزيوت.. مواصلة حديثها لنا " ما يتسلمه من مستحقات لا يكفينا لشراء رغيف العيش لتناول وجبهة واحدة".

 

 

بالعملات الأجنبية:

 

"لوكان يقبل أن نسلمه بالريال اليمني لكان أهون لنا من أول يوم" وعند الحديث عن أجرة المنزل الذي تقطنه عبير وولديها محمود وفريزة، كانت هذه اولى الكلمات التي نطقت بها.

" يأخذ أجرته بالريال السعودي، مقابل السكن للشهر الواحد ندفع له R,S,350، بالعملة السعودية, ما يعادل حاليا تسعون ألف ريال يمني، غرفتان ومطبخ ودورة مياه، حتى المصابيح قمت انا بتبديلهن، كذلك أنابيب دورة المياه خاربة وتصاب بالإنسداد بين الفترة والأخرى، اما المروحة المعلق على سقف الغرفة فهي بالكاد تتحرك"

"أشكر مالك المنزل على صبره أحيانا على تأخير أجرته اربعة أيام عن موعد تسليمه, ولكن أتمنى أن يقبل حتى ب80الف ريال يمني ونسلمها بالعملة اليمنية"

نريد مغادرة المنزل هذا للبحث عن غيره أقل أجرة, ولكن لن نجد جيران ك هؤلاء، ولن نجد منزلا غيره، فنحن تحت مطرقة الغلاء والفقر وسندان المرض والجوع.

 

 

عبير أخرى:

 

تختلف شخصية المعاناة, لكنها بنفس السيناريو الذي تمر به عبير.

فريزة أبنة عبير البكر، تخرجت هذا العام من الثانوية العامة,لا تطمح بشيء غير عافية والدتها، وإللتحاقها هي بالجامعة، ومن شدة ألمها على والدتها وصدمات الحياة التي أنهكتها منذ طفولتها تجلدت فريزة, ولم تعد تشعر بالمرض الذي يخنقها من عنقها، حيث تعاني فريزة نفس معاناة أمها إفراط بالسمنة، وخمول في الغدة الدرقية.

 

وقبيل فترات, أستطاعت أم فريزة جمع بعض المال مما يأتيها من فاعلي الخير لتجري عملية جراحية لفريزة استأصلت فيها " الزائدة، وكيس من الدم اسفل بطنها"

 

 

محمود يبحث عن مصدر عمل لسد جوع أخته وأمه, وتوفير قيمة اقراص وعقاقير الدواء الذي يتناولنه كل يوم، وفريزة تطمح وتحتضن أحلامها كل مساء بالإلتحاق بالجامعة لكبح وضعها واسرتها المأساوي وإستبداله بالحياة الكريمة.

أما السيدة عبير فلا شعور ولا طموح لديها بالحياة إلا لأجل أولادها, ومطالبها للمنظمات الإنسانية والداعمين والأياد البيضاء" أريد وقوفكم لجانبي انا وأولادي, فنحن نريد حياة كماتريدونها لأولادكم" مطالبة مني نشر رقم هاتف أبنها محمود على متن هذا التقرير آملة من الله أن يستجيب لدعواها ويبعث بمن يجود عليها بنعمة مما رزقه الله."[730188712] هاتف محمود".

 

 

 

ختاما

 

في غمرة الألم والمعاناة, تجد عبير نفسها أسيرة تضخم جسمها، شبه فاقدة للحركة, حتى لكأنها، ترسل برقيات عزاؤها لطفليها محمود وفريزة، في معاناتهما التي وضعتهما في زاوية المعاناة المبكرة، مدركة في نفس الوقت أن عزاؤها الوحيد هو إستمرار معاناتها وطفليها في كل مراحل ماتبقى من أعمارهم.

 

فهل ستجد عبير آذان صاغية لها، تنتشلها من واقعها المتأزم؟ وهل يوجد من بيده الإستطاعة على التكفل بعلاجهم وغذاؤهم؟ أم سيظل حالهم على ماهم عليه حتى يموتون جوعا؟

 

 

 

تم نشر هذا التقرير بدعم من (JHR/JDH) "صحفيون من أجل الإنسان والشؤون العالمية في كندا".