آخر تحديث :السبت-27 يوليه 2024-02:02م

صفحات من تاريخ عدن


عدن زمان: المُوليه العدنية .. والحجة فطوم

الثلاثاء - 01 أبريل 2014 - 09:57 م بتوقيت عدن

عدن زمان: المُوليه العدنية .. والحجة فطوم
في عدن الفرح عظيم .. والموت أعظم.

عدن((عدن الغد))متابعات:

 

في تاريخ الشعوب تقف العادات والتقاليد لتسجل تاريخ أمة.. كان لعدن بلادنا الجميلة تاريخ عظيم ونهر من التقاليد والعادات، ذكرنا من قبل كانت حارة القاضي العريقة التي أنجبت عظماء عدن تزخر بالفرح والمرح والمناجمه . كانت حارتي العريقة حارة القاضي من صنعت الفن والفنانين .. لا يوجد فيها حزن إنها عدن بلد العيد. ولكن كانت حارتنا يلفها الحزن عند موت أي إنسان أو حدوث كارثة شخصية و تهب الحارة واقفة وقفة نبيلة في حالة الكوارث والأحزان.. تمسح الدموع وتواسي المتألم وتساعد وتساند كل حزين ملهوف في كل الظروف ، فلو مات أي فرد في الحارة ترى كل النساء والأطفال في بيت المتوفي .. والرجال وقوفآ خارج البيت لأي خدمة .. البعض يحمل الطعام والبخور والقهوة والشاي والحليب و الحلوى ومصاحف القرآن والعطر إلى بيت المتوفي .. ترى الحزن يسيطر على بيوت الحارة . قمة في الوفاء .. وعظمة في معنى الجوار - حضارة إنسانية .. إنها عدن أمنا.

 

الميت في عدن لا ينسى بسهولة بل يستمر ذكره أكثر من عام .. عند موت الشخص يحمل إلى مقبرة القطيع في نهاية حارتنا ، وبعد الدفن يوزع على الأطفال الروتي والتمر. في المساء يعقد "الدرس" أي قراءة القرآن على روح الميت بعد صلاة العشاء لمدة 3 أيام ، وفي اليوم الثالث يوزع على الناس الحلوى. في بيت المتوفى يحضر كل نساء الحارة لمدة 6 أيام للعزاء ، وجميع الأكل يرسل من بيوت الجيران والجميع يلبس ثياب سوداء دون حلي أو زينة، وبعد 40 يوم يعقد عزاء آخر. المرأة المتوفي زوجها تكون " مُوليه " .. أي حزينة على زوجها لمدة سنه أو أكثر ..

 

فهي تلبس ثياب سوداء ولا تستعمل حلي الذهب أو العطور أو أي أنواع الزينة، وبعض كبار السن من أمهاتنا " يُولوا " على الآباء مدى الحياة. الجانب الإنساني الذي يدعو إلى التقدير إن بعض نساء الحارة ، إضافة إلى أقارب الميت " يُولوا " على الميت فترات من شهر إلى 6 أشهر إظهار للحزن وتعاطف مع زوجة المتوفي .. قمة في المشاعر الإنسانية .. شعب عظيم تجلت فيه الرحمة والإنسانية والحب.


زرت الحجة فطوم ورأيتها تلبس درع أسود وهي أمام المداعه ويلف البيت صمت عميق ، وعلى وجهها العدني الجميل النبيل كل الحزن والأسى ، وجدتها قد "تركنت" في الغرفة .. أي جلست في ركن الغرفة ، ومن تقاليد الموت في عدن أن تجلس الزوجة التي مات زوجها او الأقارب في ركن الغرفة .. يقال فلانة تركنت. قلت لها ليش يا حجة فطوم تركنتي ، قالت ماتت الحجة حنون في الحافة وكانت صديقة أمي منذ فترة طويلة، اليوم أنا حزينة عليها *ماسكه* مع أهلها أي – مشاركة أهلها في الحزن – وهو تقليد عدني قديم عند الموت. قلت لها كان الناس في عدن كلهم يشاركوا في الحزن والحضور والمساعدة والمجابره ، وهذا تقليد بدأ ينتهي من المجتمع .

 

وحين كنت أعيش في بلد عربي كبير لم أجد مطلقآ أي مظاهر أو مراسم الموت ، يأخذوا الميت إلى الحفرة ويدفن ويتفرق الناس كل في سبيل حاله. في عدن تستمر بعض المراسم إلى سنة كاملة ، ويبقى ذكرى الميت وزيارته قبره من حين إلى آخر . في أحدى الأيام في دبي شاهدت فيديو لمراسم الزواج لموظف بنغالي من بنجلاديش يعمل معنا في الشركة ، ففي ليلة الزفاف يذهب العروس والعروسة مع الأهل والأصدقاء لزيارة اهلهم الموتى في المقابر للسلام عليهم وقرأة الفاتحة . تقليد إنساني ومبارك رائع.

في عدن الفرح عظيم .. والموت أعظم.

 

* محمد أحمد البيضاني

كاتب عدني ومؤرخ سياسي  - القاهرة