آخر تحديث :السبت-27 يوليه 2024-08:00ص

صفحات من تاريخ عدن


عدن و حافة الكباش

الجمعة - 31 يناير 2014 - 12:54 م بتوقيت عدن

عدن و حافة الكباش
عند ما نكتب عن الماضي ليس من اجل البكاء والنواح وانما نسترجع حلاوة الماضي الجميل.

عدن((عدن الغد))خاص:

 

 

قصة واقعية وبطلها أحد الأصدقاء الأوفياء:

 

في الحياه تتلاقى الأحداث عند اسقاطات الأزمنة, دونما استئذان من الأقدار, وهي في مدلولات التاريخ تصبح نوافل لمآسي حقب تاريخية, ظلت تعشق الحياه بالبحث بين اكمة الاهات, وماعلق في ذهني من روائع ترجمة ابن المقفع في كليله ودمنه, صار حقيقه, عندما وجدت نفسي مضطرا ان اقع تحت فرض واجب ابوي, ان اغادر مدينتي الجميله قسرا لاحضار قربان للاسرة  بفرح ارتزاق احدى افراد الاسره ببكرها, ووسط غمره البهجة, ومشقة المهمة  دفنت كل المصاعب في ثنايا الوفاء بالواجب, رغم سوداوية العهد واصفرار شفق مجهول الغسق الذي لايخلفه فجر الا بمصيبة  اخرى .

 

حطيت وزر رحلتي بين احضان الأهل في القرية, وصار خبر ولاده الطفل حديث مشاع في القرية,وسلوى تتنقل بين الازقة, قابلتها نذر عمي بأ ختيار أقوى وأجمل وأنضج كبش , اعتاد عمي على تربيته وامثاله كضحيه لعيد الأضحى.هممت مغادره القرية عائدا الى مدينتي مقتادا كبشي, وكأنني عدت من ساحه قتال, وعلى كتفي نجوم وصدري نياشين, هكذا كان تصوري عندما أدلف داري, وفيدي خلفي وكأنه جندي يمتثل لاوامر قائده.

 

ظلت صور العناق والأحتضان أفلام تمر على شاشه مخيلتي وأنا على تاكسي الأجرة, بعدما دفعت أجرتي وأجرة كبشي المماثلة, فتحت نافذه التاكسي لأن أخلد الى نسمات ذاك الشاطئ الجميل وكأنني احوم حول الكرة الأرضية برفقه جاجارين للمره الأولى خارج محيط أرضنا, أحوم وسط زحمه الاماني في الالتحاق بالجامعة, وصوره كبشي الذي من جماله وقوته أصبح شبح أفاخر به.

 

لم تمضي من رحله العودة سوى ساعة ونصف, صحوت من أحلام يقضتي على فرامل التاكسي ,وإذ بي امام عسكري في نقطه التفتيش, طالبا منا الترجل للتفتيش, صعقت وذهلت لطلبه مني ترخيص مرور الكبش. شرحت وبررت له وأوضحت كل الطرائق, لكنه ظل في قمه عنفوان الرفض ملتزما بالاوامر في عدم مرور الكباش الا بتراخيص خاصه وهو ماذكرني بالجندي الياباني الذي ظل في موقعه في احدى الغابات لمده 45 عاما تنفيذا لاوامر قائده, ولم يدري ان الحرب الكونيه الاخيره حطت وزرها بانتصار الحلفاء وهزيمه اليابان, الا بعدما وقع في اسر احدى دوريات الشرطه في تلك الغابة.

 

قبضت على حبل كبشي, كالغريق, كلما أقترب الجندي منه, شعرت إن الدنيا تبتلعني, والأسئله تتناثر حولي كالشرر, كيف الآقي أبي وأهلي دون كبشي؟  ياللمأساه؟؟!!. حاولت أن أخاطبه من تحت طاوله الأوامر, لكنه ظل مصرا الى حد الإنهيار.عدت بتاكسي آخر إلى القريه, لكن مبرر أصدار أمر مرور الكبش مرهون بشرطيه دليل شهاده الولاده!!. ياله من قدر!!، لم يكن حينه من مخرج سوى الدليل, قنوات الإتصال تصعبت حتى فرجت, بعدما تركت كبشي رهينه وغادرت الى المدينه, لإحضار الدليل, بعدما عانيت الكثير طول وعرض السبيل.

 

ضريبه أعتقال كبشي, وعلفه ومبيته, شرط اطلاق سراحه, وأخير فرجت. اقتدت كبشي, الذي حمل همي وهمومي وشاطرني نغص ولسع آهات لم تكن في الأساس, إلا صنائع لم يعرفها كبش في حقوق الحيوان. كنت أحاول استخدام كل لغه الاجساد لاقناعه ان هذا, ليس من صنائع الانسان, لكنه كان يلوك اسنانه دون علف, ويحرك رأسه يمنه ويسره, كلما انظر اليه يحزنني ثغاءه, ويهز فرائصي, في دعائي المستمر طول الرحله, ان لايحدث له مكروه العسكر وتراخيص المرور.الأهل وسكان الحاره في لقاء حار مع كبشي عندما كان الخبر حديث الناس وأخبار الساعه.

 

وقف الكل خلفنا انا وكبشي في المقدمه, و خطونا بضع ياردات في موكب رهيب لم تألفه المدينه منذو عقود, حتى دلفت دارنا من جديد وانا وكبشي اكثر صلابه وصمود وإراده اقوى من حديد, لكن لذلك بقى أثر نفسي, لازلت اعاني منه نفسيا حتى اللحظه, في ان يكون كبشي ضحيه لفرحه الآخرين . وانني كنت مضطرا لترك الجامعه ومستقبلي وتسكن فيني الغربه دهور من الصبر حبيس حلم اعيادنا القادمه, لحريه ادميتي وكباشنا القادمين. لازالت تلك الواقعه تلاحقني شبحا في نومي ويقضتي, ارثى لها وترثى لي كلما هميت ان اخرج منها تضعني بين ظفائر شباكها. وتكريما لكبشي سميت حارتنا بحاره الكباش.

 

بقلم : م . علي نعمان المصفري

كاتب وباحث أكاديمي - لندن