آخر تحديث :الأربعاء-16 أكتوبر 2024-06:12ص
ملفات وتحقيقات

اليمنيون بين مطرقة تضخم الأسعار وسندان تآكل الأجور

السبت - 14 سبتمبر 2024 - 08:13 م بتوقيت عدن
اليمنيون بين مطرقة تضخم الأسعار وسندان تآكل الأجور
كتب/ عبدالسلام عارف
في ظل التدهور الاقتصادي المستمر في المناطق التي تسيطر عليها الشرعية، أصبحت قضية أسعار صرف العملات الأجنبية محورية في التأثير على الحياة اليومية للمواطنين، الدولار الأمريكي، الذي يعد الركيزة الأساسية للتعاملات التجارية، شهد تفاوتًا ملحوظًا بين سعره في السوق، وبينما يعاني المواطن اليمني من تزايد الأسعار اليومية للسلع والخدمات، تتفاقم الأزمة نتيجة هذا التباين بين الأسعار الحقيقية للعملة الأجنبية وما يعلن عنه رسميًا، السؤال الجوهري هنا ليس عن سعر الأسماك أو الخضار، بل عن القيمة الحقيقية للدولار وتأثيره على الاقتصاد المحلي.

القضية
وفقًا للبيانات المتاحة، سعر صرف الدولار في السوق اليمني حاليًا يقترب من 2000 ريال يمني... ومع ذلك، هذا السعر لا يعكس الواقع الفعلي للاقتصاد، من المتوقع أن يكون السعر الحقيقي للدولار عند 3700 ريال على الأقل، ما يعني أن هناك فجوة كبيرة بين القيمة الرسمية المعلنة وبين السعر الذي يُفرض فعليًا في السوق، هذه الفجوة تؤدي إلى تضخم غير طبيعي في الأسعار، مما يؤثر على قدرة المواطنين في الحصول على احتياجاتهم الأساسية.
تعد هذه الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق سببًا رئيسيًا في تآكل القيمة الشرائية للمرتبات، إذا كنت تتقاضى أجرك بالريال اليمني، فإن قيمة هذا الأجر لم تعد كافية لتغطية الاحتياجات الأساسية كما كانت سابقًا... الأسعار، سواء للسلع أو الخدمات، مُسعّرة بسعر صرف أعلى بكثير من السعر الرسمي الذي لا يتجاوز 2000 ريال... في المقابل، يشير بعض المحللين الاقتصاديين إلى أن السوق الحقيقي يضع تسعيرته عند سعر صرف يصل إلى 4500 ريال أو أكثر.
هذا الوضع يؤدي إلى تفاقم الوضع المعيشي للأفراد، حيث باتت الأموال التي يتقاضونها لا تكفيهم كما كانت من قبل، التضخم الذي يعاني منه المواطن ليس مجرد أرقام على الورق، بل هو واقع يومي يلمسه في كل زيارة إلى السوق.
السوق والواقع
عندما نأخذ جولة في الأسواق المحلية في عدن، نجد أن الأسعار تواصل ارتفاعها رغم استقرار سعر الصرف عند 2000 ريال مقابل الدولار... في الحقيقة، السوق قد حدد سعر صرف غير معلن يتراوح بين 4500 ريال وحتى أكثر، بناءً على الوضع الاقتصادي المتدهور وانخفاض تدفق العملات الأجنبية إلى الداخل، هذا الاختلاف بين السعر الرسمي والسعر الفعلي في السوق يخلق تناقضًا كبيرًا بين ما هو معلن وبين ما هو موجود فعليًا على أرض الواقع.
العديد من الأفراد قد يرون في هذا الأمر نوعًا من المبالغة، حيث يعتقد البعض أن السعر الرسمي يعكس الاقتصاد الحقيقي، لكن السوق نفسه هو المؤشر الأصدق، حيث أن الأسعار المحلية لا تأخذ في الاعتبار الأسعار المعلنة من البنك المركزي أو الصرافين، بل تتعامل مع الوضع الفعلي الذي يشهد ضغطًا على العملة المحلية.
الدور الحكومي ومشكلة التدخلات
البنك المركزي، والجهات الحكومية بشكل عام، تحاول الحفاظ على استقرار سعر الصرف الرسمي، لكن قدرتها على التأثير في السوق باتت محدودة... نتيجة لهذا التدهور الاقتصادي المتواصل، يتزايد الاعتماد على العملات الأجنبية مثل الريال السعودي والدولار الأمريكي في التعاملات اليومية... ومع استمرار الفجوة بين السعر الرسمي والسعر في السوق السوداء، يصبح من الصعب على المواطنين تحمل العبء المتزايد.

تجدر الإشارة إلى أن أي تدخل حكومي لفرض أسعار صرف غير واقعية دون النظر إلى احتياجات السوق والظروف الاقتصادية المحلية يؤدي إلى تفاقم الأزمة بدلاً من حلها، إذ لا يمكن تثبيت سعر الصرف في ظل غياب السيولة النقدية الأجنبية التي تحتاجها الأسواق اليمنية.
أبعاد الأزمة على القطاع التجاري
ليس فقط الأفراد هم من يعانون من هذه الفجوة، بل يشمل التأثير أيضًا قطاع الأعمال والتجار... التجار يعتمدون في تعاملاتهم على أسعار الصرف الفعلية في السوق، وبالتالي هم مضطرون لتسعير سلعهم وخدماتهم بناءً على السعر الأعلى، هذا يزيد من تكلفة السلع والخدمات بشكل مباشر، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية على كل المستويات، القطاع التجاري يواجه تحديات إضافية، حيث يجب على التجار التعامل مع تقلبات سعر الصرف وتأثيراتها على عمليات الاستيراد والتصدير.
البضائع المستوردة، التي تعتمد بشكل كبير على الدولار، شهدت ارتفاعًا حادًا في الأسعار بسبب زيادة تكلفة استيرادها، وفي ظل استمرار هذا التباين بين السعر الرسمي والسعر في السوق السوداء، من المتوقع أن تستمر هذه التحديات لفترة طويلة، مما يزيد من معاناة التجار والمستهلكين على حد سواء.
أزمة الثقة
أزمة أسعار الصرف لا تؤثر فقط على الأسعار والدخل، بل تتعدى ذلك لتخلق أزمة ثقة بين المواطن والجهات الرسمية، كثير من المواطنين باتوا يشككون في قدرة الحكومة على حل الأزمة الاقتصادية، ويتجهون إلى الاعتماد على السوق السوداء كوسيلة لتوفير العملة الصعبة التي يحتاجونها لتلبية احتياجاتهم اليومية، هذا الوضع يؤدي إلى فقدان الثقة في الإجراءات الحكومية والجهود الرامية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
كما أن البنوك المحلية والصرافين باتوا جزءًا من هذه الأزمة، حيث يعتمد الكثير منهم على الأسعار الفعلية في السوق السوداء، وهو ما يزيد من صعوبة التحكم في أسعار الصرف.
في محاولة للسيطرة على هذه الأزمة، اتخذ البنك المركزي اليمني بعض الإجراءات لضبط السوق المالية، منها حظر التعامل مع بعض البنوك المحلية التي تتعامل مع الحوثيين، الذين يسيطرون على صنعاء.
هذه الخطوة جاءت في إطار جهود الحكومة لتعزيز السياسات المالية والسيطرة على التضخم الناتج عن الحرب، ومع ذلك، هذه الإجراءات لم تكن كافية لمعالجة المشكلة الأساسية التي تكمن في الفجوة الكبيرة بين السعر الرسمي وسعر السوق، على الرغم من هذه الجهود، تراجع البنك المركزي عن قراراته الاخيرة تحت ضغوط دولية، بسببها زاد تدهور الاقتصاد المحلي وتقلصت الإيرادات من النفط والقطاعات الأخرى، هذا الوضع أدى إلى تدخلات دولية ومحلية تطالب بحل الأزمة المالية، خصوصًا مع استمرار الحرب التي تُضعف أي جهود اقتصادية.
كما أن الحرب فرضت حصارًا ماليًا على الاقتصاد اليمني من قبل مليشيات الحوثي، حيث تأثرت القطاعات الاقتصادية الرئيسية مثل الزراعة والصناعة والنفط، التي كانت توفر جزءًا كبيرًا من العملة الأجنبية. مع تراجع هذه القطاعات، زاد الاعتماد على العملات الأجنبية المستوردة مثل الودائع الخليجية، مما تسبب في ارتفاع تكلفة السلع الأساسية، ومع تقلص المعروض النقدي من العملات الأجنبية، ارتفعت أسعار السلع المستوردة بشكل ملحوظ، مما جعل الحصول على المواد الأساسية تحديًا كبيرًا للمواطن العادي.
ختاما إن التباين بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق ليس مجرد مسألة أرقام، بل هو نتيجة لتداخل عدة عوامل، أبرزها الحرب والانهيار الاقتصادي، هذه الأزمة لا يمكن حلها ببساطة من خلال قرارات مالية فقط، بل تتطلب حلاً شاملاً يتضمن وقف الحرب، إعادة بناء الاقتصاد، وزيادة الشفافية في السوق المالي.
مع استمرار هذا الوضع، سيبقى المواطن اليمني الضحية الأولى، حيث تتآكل قوته الشرائية بشكل مستمر، وتزداد التحديات اليومية للحصول على احتياجاته الأساسية، الأمر يتطلب تحركًا سريعًا من الجهات الدولية والمحلية لوقف هذا الانهيار وتخفيف معاناة الشعب اليمني.