آخر تحديث :الأربعاء-23 أكتوبر 2024-08:55ص
أدب وثقافة

ليتها تمطر ( قصة قصيرة)

الإثنين - 17 يونيو 2024 - 08:44 م بتوقيت عدن
ليتها تمطر  ( قصة قصيرة)
بقلم / عصام مريسي

جميعهم قد ضاق بهم الحال وتعسرت كثير من أمورهم حتى أن الصغار قد ضاقت بهم ملابسهم التي يرتدونها فعمد بعضهم ألى خلع ملابسهم التي تستر ظهورهم وبطونهم الخاوية حتى بدت عظام أضلاعهم كأنها أقفاص طيور يحملونها على صدورهم وهم يسترسلون عبارات بعضها غير مفهومة ويصوبون أبصارهم نحو السماء مع ترديدهم:
أمطري .. أمطري
وبعضهم ينشد أهازيجهم الشعبية:
يارب زيد نحن عبيد
وأخرون يجتمعون في الجهة المقابلة يرددون :
يا سماء صبي لبن
وموجة الحر تزداد ويضيق الحال بسكان المدينة الصغيرة التي حجبت أمطارها منذ سنوات وارتفعت درجات الحرارة على غير المتوقع حتى أن بعض النسوة يتخذن مسالك بعيدة عن الأنظار لينزعن خمرهن بعد أن اشتد عليهم الحر و خنقت الانفاس.
وكبير قريتهم مازال يجلس القرفصاء في زاوية بعيدة بعيدة من ساحة المدينة التي انقطع عنها الماء واختنقت ظروف الحياة وتوقفت مواطيىر توليد الكهرباء عن الضجيج وانقطعت سبل العيش واغلقت أبواب المعامل والمشاغل الحرفية وأرتفعت تكاليف الحياة ؛ينهض من مكانه ويقف متكئا على عصاه وهو يقلب عينيه التي غطاها حاجبيه المتدليان وبصوته الجهوري المرتعش يدعو الحاضرين :
اقبلوا .. أقبلوا
بمجرد نهوضه وقبل أن يردد النداء اجتمع الأهالي صغار وكبار رجالا ونساء في شغف يستمعون توجيهات ونصائح الجد فهو الأب الروحي لسكان المدينة الحائرة التي انقلبت فيها أحوالهم بعد حضور التاجر الغريب إلى مدينتهم وأغرى شبابهم على الهجرة وترك المدينة واغلاق المعامل والورش بعد هجرة شباب المدينة :
ابنائي علينا أن نتحد ونصطف في جبهة واحدة لمواجهة ما أصاب مدينتنا وجلب لنا الويلات و الماسي.
من خلف الصفوف ينطلق صوت متردد محاولا مقاطعة حديث الجد حتى لا يتمه:
هذه أمور تحصل في أي مكان.
يضرب الجد بعصاه صخرة على الأرض حتى يتردد صدى ضربات ويتردد في فضاء المدينة التي أغرقتها النكبات المفتعلة ويعود الحاضرون للاستماع له:
شبابنا غادر المدينة ولم نعرف عن غيابهم شيء وانقطعت أخبارهم عنا ولم نلمس ثمار غربتهم ومن عاد منهم جاء محمول على نعشه او عاد غائب العقل والإدراك فلا ندري ما الذي حصل لهم ولم يوافينا التاجر الغريب بمصيرهم ولماذا يعودون صرعى وعلى أجسادهم آثار جراح كأنهم خاضوا قتال.
يعاود الصوت المنخنق المتقطع يتردد محاولا تغير منحى حديث الجد:
وما علاقة التاجر بما حصل لهم ؛ لقد وفر لهم فرص عمل وانتهى دوره ؛ علينا شكره لا التشكيك بمعروفه الذي قدمه للمدينة ؛ وأن لا ننسى يداه الحانيتان .
من بعيدة ومن برجه الذي شيده التاجر بعد مكوثه في المدينة يرقب الموقف بحذر وهو يرى ثمار أفعاله في اختيار جماعة من أهل المدينة ومنحهم الهدايا والعطايا كيف أصبحوا مدافعين مستبسلين عنه وفي عينه عجب وأعجاب بما يدور من حوله في المدينة.
يرفع الجد صوته المرتعش الجهوري:
اصمت أيها العميل الخائن
تتجه أنظار أهل المدينة صوبه يتحققون من يكون فيتعرفون عليه فينطلق صوت من الحاضرين :
إنه السجين الذي اشتهر بسرقة مواشي أهل المدينة و توسط التاجر لاطلاق سراحه وقدم الضمانات لعدم عودته فعاله المشينة وأصبح من رجال التاجر وتغيرت أحواله فاصبح ذو مال في عشية وضحاها.
يعاود الجد الضرب بعصاه على الصخرة فتنقطع أصوات الضوضاء التي ارتفعت في ساحة المدينة واتجهت الأنظار مجددا نحو الجد يستمعون في شغف لما سيقول ؛فيتحدث الجدد بنبرة غاضبة :
كل ما حصل في المدينة كان بعد حضور التاجر الغريب وأقامته بيننا ولا حل إلا رحيله وترك المدينة .
مازال التاجر يرقب الأحداث من برجه وهو ينظر إلى حصاد أفعاله وكيف شق المدينة فجمع سفهائها وقربهم إليه ليحقق مأربه الخبيثة في المدينة وأهلها.
يعاود الصوت المتخفي بين الجموع الدفاع عن التاجر:
لا علاقة للتاجر بما حل في المدينة
بصوت غاضب يطلب الجد من الحاضرين التوجه نحو البرج الذي أقامة التاجر الغريب وأخرجه من المدينة:
علينا أخراج التاجر من المدينة فورا.
تجتمع السحب في السماء بالوان داكنة سوداء وتهب نسمات رياح باردة يشعر الأهالي بالانتعاش بعض الشيء وينفرج الحر وتبدأ تنقشع الأجواء الخانقة التي طوقت المدينة لسنوات ويستشعر السكان بانفراج الأمور. وترتفع أصوات أطفال المدينة مجددا تردد الأهازيج،:
يا سماء صبي لبن
يارب زيد نحن لك عبيد
وما أن تصل الجموع نحو برج التاجر فيجدون أبواب البرج مفتوحة ولا وجود للغريب فقد فر وترك خلفه لغز محير لماذا أختار مدينتهم ولما سعى في أرهاق اهلها وتدمير بنيتها وتفريق أهلها وتمزيق لحمتهم وجعل من الفاسدين طبقة متصرفة في أمور البلدة الصغيرة التي كانت تنعم بالأمن والاستقرار حتى قدومه.
تدخل الجموع البرج ولا شىء يدل على هوية الغريب غير بعض الاقنعة المتنوعة التي بعضها يدل على الخيانة وأخرى على الغدر وأخرى على التأمر وصنع الدسائس
قطرات الماء الباردة تسقط هنا وهناك فينتعش ا لاهالي ويفرح الأطفال وترتفع الاكف والالسن تبتهل بالدعاء .
تزمجر السماء وتجري السحب فتجتمع ركاما لتذرف فيض مياهها فتنعش المدينة وتفرح أهاليها
وتملأ الاهازيج سماء المدينة بأصوات الصغار والكبار،:
يا سماء صبي لبن
مطر .. مطر .. يا سيلوه
يارب زيد.. نحن لك عبيد
وتنقشع الغمة التي حلقت بالمدينة وتعم الافراح وتبدأ أفواج الغائبين بالعودة فتعود المدينة إلى سابق عهدها فتمتلأ فضاءات المدينة ازيز حركة قطع حديد المكائن والالات

عصام مريسي