آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-11:53م

ملفات وتحقيقات


تاريخ مدينة شُقْرة بمحافظة أبين( كيف كانت وكيف أصبحت)؟

الثلاثاء - 05 مارس 2024 - 04:53 م بتوقيت عدن

تاريخ مدينة شُقْرة بمحافظة أبين( كيف كانت وكيف أصبحت)؟

(عدن الغد)خاص:

كتب/ المؤرخ سلطان ناجي:
يعود تأسيس مدينة شقرة إلى حوالي القرن السابع عشر عندما بدأت منطقة أبين تتوزع بين يافع وبين العائلة الحاكمة الجديدة (آل الفضلي) ففي القسم الشرقي من أبين كانت القبيلة الرئيسية التي تعتبر نفسها من سُلالة حمير هي قبيلة (المرقشي) أما آل الفضلي الذين سُمى بإسمهم قسم من منطقة أبين فهم دخلاء على المنطقة كما تقول بذلك الوثائق البريطانية ذاتها، ويقرر مساعد الوالي البريطاني في عدن إف. إم. هنتر عام 1886م في كتابه (القبائل العربية حوالي عدن) أن أصل العائلة الفضلية يكتنفه الغموض وتغلفه الأسطورة.
وقد أصبحت شقرة هي العاصمة الفضلية منذ تكوينها وحتى تأسيس مدينة زنجبار في الأربعينات من هذا القرن كعاصمة لسلطنة الفضلي، وكانت ميناء مزدهر قبل إحتلال الإنجليز لعدن، فقد كان بُن منطقة يافع يُجمَع ثم يُصدّر إلى الخارج بواسطة السفن الأجنبية التي تتردد عليه وعلى ميناء أحور في الشرق. وقد أدى إزدهار ميناء عدن إلى تدهور ميناء شقرة لأن الأول أصبح يجتذب شراء البن من يافع و المناطق الشمالية من اليمن لذلك كان تدهور كل من المخا و شقره على حساب إزدهار عدن.
ويسجل لنا التاريخ مواقف القبائل الفضلية المشرفة ضد إحتلال عدن، فقد قامت هذه القبائل بعدة هجمات ضد عدن، أما بمفردها أو بالتعاون مع القبائل اللحجية، وقد دفع هذا الإنجليز إلى أن يقصفوا ميناء شقرة والساحل الفضلي من سفنهم الحربية التي جُرّدت لهذا الغرض و كان ذلك في عام 1840م. وفي يوليو 1841م حدث هجوم ضد الإنجليز في عدن تم أتبعوه في 29 يوليو بعملية إختطاف و قتل لبعض عُملاء الإنجليز. ففي هذا التاريخ جاء أربعة فدائيين من شقرة إلى باب عدن ودعوا مترجم (القبطان هينس )، أحمد بن عيدان إلى الخروج لمناقشة بعض الأمور، فلما خرج إليهم قاموا بقتله قرب باب عدن أمام الحرس البريطاني هناك.
وبعد الهجمات المتكررة من شقرة ضد الإنجليز، قام الإنجليز في عام 1865م بإرسال تجريدة عسكرية برية وبحرية إلى شقرة وقصفوا المدينة ودمروا معظم بيوتها. وقد أخذتهم سنوات لإعادة بناء المدينة المهدمة. و في منتصف السبعينات من القرن الماضي قُدر عدد سكان الميناء بخمسمائة نسمة.
وخلال المدة الممتدة تقريباً من منتصف القرن التاسع عشر و حتى بداية الحرب العالمية الثانية، تميزت هذه الفترة بالحروب والمنازعات المستمرة بين العاصمتين شقرة و الحُصن عاصمة سلطنة يافع السفلى، ودارت هذه الحروب حول قضيتين هما قضية (عبر النازعة) و(حُصن حلمة) ، فوق حيد حلمة.
ففي حوالي منتصف القرن الماضي حُفرت قناة ، أو عبر ، النازعة من وادي بنا في منطقة اليافعي وذلك من أجل حمل المياه لإسقاء القسم الأعلى لواحة أبين في المنطقة الفضلية. وفي عام 1872م وقعت إتفاقية وافق عليها السلطان الفضلي بدفع مقدار من المال المتفق عليه مقابل ذلك.
وعلى الرغم من التوقيع على هذه الإتفاقية إلا أنها أصبحت المدخل للتعبير عن المنافسة الحقيقية بين السلطنتين من أجل أن تمتلك كل منها الجزء الأكبر من منطقة أبين على حساب الأخرى. وحتى قبائل السلطنتين فقد وجدت في هذا النزاع مبرراً لتعمل مرة بجانب هذه السلطنة ومرة بجانب الأخرى. ولم يعد أحد منهما يستطيع السيطرة على قبائله، فنحن نرى مثلاً قبيلة ( آل حيدرة) و (آل فليس) مرة يقفون بجانب السلطان الفضلي ومرة أخرى بجانب سلطان يافع السفلى ضد سلطانهم وهكذا دواليك.
وبالنسبة لحصن حلمه الذي كان يقع في الحدود بين السلطنتين فقد كان الفضلي يطالب بتهديمه لأن أحدى الإتفاقيات سبق أن قضت بذلك، بينما يصر السلطان اليافعي على إبقائه حتى يتمكن من مراقبة تحركات أعدائه.
لقد أصابت هذه الحروب الطويلة حول القناة والتي استمرت ما يقارب مائة عام منطقة أبين بأسوأ الأضرار. فمن جرائها قُتل المئات وأصبحت دلتا أبين الخصبة بلقعاً خراباً تنعق البوم فوق سمائه. وهذه الحرب الطويلة المدمرة في الواقع صورة نموذجية لما كانت عليه الحروب القبلية في الماضي و التي أدت إلى تدهور الحضارة اليمنية.
وخلال هذه الفترة الفوضوية أيضاً نجد العوالق و الفضلي كانوا في حروب مستمرة إلا أن اليد العليا كانت للعوالق، فهم الذين كانوا يفرضون الأتاوة على الفضلي إلى أواخر القرن الماضي. ومما تجدر ملاحظته أن الوثائق العولقية حول هذه الأتاوة كانت تسمي (أهل فضل) بأهل اليمن، وهم بذلك بالطبع يقصدون أهل الجنوب على أساس إستخدام لفظة اليمن بمعناها الجغرافي والحميري القديم و هي المناطق الجنوبية ( يمنت و شامت بمعنى الشمال و الجنوب). وبعد تحالف السلطان الفضلي مع الإنجليز، منع الإنجليز العوالق من الإستمرار في فرض تلك الإتاوة التي جرت عليها العادة في الماضي وكان العوالق يسمونها (حقوق عرفية).
ومنذ أن تحولت العاصمة إلى زنجبار بدأت شقرة تفقد أهميتها تدريجياً وهي الآن عبارة عن قرية كبيرة للصيادين، و الروائح التي تنبعث الآن هي روائح السمك بدلاً من روائح البن التي كانت تنبعث من مستودعات المدينة قبل أكثر من مائة عام.