آخر تحديث :الأحد-01 سبتمبر 2024-07:02ص

ملفات وتحقيقات


أبين عبر التاريخ ..للمؤرخ سلطان ناجي، 1976م

الإثنين - 26 فبراير 2024 - 03:29 م بتوقيت عدن

أبين عبر التاريخ ..للمؤرخ سلطان ناجي، 1976م

عدن ((عدن الغد)) خاص:

قدم المؤرخ اليمني الكبير سلطان ناجي محافظة ابين بتقديم تاريخي مطول تعيد "عدن الغد" نشره والذي جاء فيه:

إن موقع أبين في دلتا واد تمر فيه السيول الموسمية قد جعلها مكاناً صالحاً لقيام الحضارة منذ زمن بعيد. و قد كانت الزراعة أحدى المقومات الأساسية للحضارة اليمنية القديمة. وكانت دلتا أبين كدلتا لحج و بيحان وغيرها أُقيمت عليها أنظمة الري والقنوات والسدود في الماضي ولا تزال بقاياها تظهر إلى الآن عند القيام بحفريات زراعية في مثل هذه المناطق.

وفي " معجم البلدان " يقول ياقوت: أبين هو مخلاف باليمن منه عدن. يُقال أنه سُمى بأبين بن زهير بن أيمن بن الهميع حمير بن سبأ - وقال الطبرى عدن وأبين أبناء عدنان بن واد.

وفي نقش النصر الذي وجد في صرواح وهو أطول نقش تاريخي وجد حتى الآن، سجل الملك السبئي كرب أيل وتر بأنه قد قضى على مملكة أوسان وكذلك أنزل هزائم منكره بدثينة ودهس ( يافع ) وتفيض ( أبين ) وتبنو ( لحج ) وأدمجها جميعاً في منطقة واحدة.
كذلك فقد وجد نقشان حميريان في أبين يشيران إلى العلاقة التي كانت قائمة بين أبين ومدينة مأرب. النقش الأول يعود تاريخه إلى القرن السادس قبل الميلاد ويذكر فيه الملك السبئي سمهو على. ويعود تاريخ النقش الثاني إلى القرن الرابع بعد الميلاد وفيه يذكر قصر سلحين في مأرب.

وفي العصور القديمة كانت محطة تجارية مهمة في الطريق بين عدن وتمنع ومأرب وشبوة . وقد وجدت فوق الجبال المحيطة بأبين بقايا حصون حراسة يعود بناؤها إلى العصور الوسطى، إلا أن هذه الحصون بنيت فوق رُكام حصون قديمة أخرى لا شك أن حمير كانت قد بنتها لحراسة تجارتها، فأبين و يافع هما المنطقتان اللتان خرجت منهما حمير و التي كونت فيما بعد دولة سبأ و ذى ريدان . ومن هذه الحصون هناك حصن يقوم على الجانب الشرقي من جبل سرار وقد بنى بجانبه كريف للماء . وهناك حصن آخر بُنى فوق جبل الحبش وهو يُشرف على الطريق الآتية من ناحية الغرب، وكذلك توجد حصون أخرى في شرقي أبين.

وفي العصور الإسلامية نجد أبين أكثر غناً وإنتاجاً ومركزاً تجارياً هاماً لبقية مناطق الداخل. و كانت أبين ميناء هاماً في القرن العاشر الميلادي، وقد أرتبط تاريخها السياسي كما رأينا بتاريخ عدن وأصبحت عدن تُضاف إليها و ليس العكس.

وفي صفة جزيرة العرب للهمداني ( القرن العاشر الميلادي) نستطيع أن نخرج بوصف دقيق لأودية أبين وشطوطها وقُراها ولغة أهلها ومعيشتهم . فهم وسكان عدن كما يقول الهمداني (( يكثرون من أكل اللحوم والسمك وينتجعون من مواضع الجدب إلى الريف وأما لغتهم فيقول سر و حمير و جعدة ليسوا بفصحاء وفي كلامهم شيء من التحمير ويجرون في كلامهم ويحذفون فيقولون يا بن معم في يا إبن العم، وسمع في أسمع . لحج أبين و دثينة أفصح والعامريون من كنده و الأوديون أفصحهم ومنهم الشاعر الأفوه الأودى . عدن لغتهم مولّدة ردئية وفي بعضهم نوك وحماقة إلا من تأدب.)) .

وبالنسبة لقرى أبين ومدنها والقبائل التي كانت تنزلها في أيامه قبل أكثر من ألف عام من الأن فيعددها لنا الهمداني واحدة واحدة وبالطبع مع تقادم الزمن وبسبب التحركات السكانية ونتيجة الحروب والكوارث والمجاعات الخ تتغير أسماء الكثير من المدن والقرى إلا أن بعضها لا تزال تحتفظ بتسمياتها إلى اليوم والبعض الأخر بتسميات وديانها. وهذه هي أسماء المواضيع التي ذكرها واسم سكانها:
يقول الهمداني : (( أبين أولها شوكان قرية كبيرة لها أودية وهي للأصبحيين ، والمدينة الكبيرة خنفر - لا يزال إسمها إلى اليوم - وهي أيضاً للأصبحيين و قوم من بنى مجيد يدعون الحرميين وقوم من مذحج يدعون الزفريين، المضري قرية يسكُنها الأصبحيون، الرواع يسكُنها بنو مجيد، الملحة يسكُنها بنو مجيد، والمصنعة يسكنها الأصبحيون، الجشير يسكُنها الأصبحيون أيضاً، الطرية يسكُنها العامريون من ولد الأشرس، البادرة يسكُنها قوم يُقال لهم الربعيون من كهلان، الجثوة يسكنها الربعيون أيضاً، الحجبور يسكُنها الأخاضر من مذحج ، الفق يسكُنها الأصبحيون . و قرى أبين كثيرة بين بنى عامر من كندة و بين الأصابح من حمير و بنى مجيد و من يخلط الجميع من مذحج و هو يسير فالى السفال إلى البحر، بوزان يسكٌنها قوم من حضبر يدعون بنى الحضبرى وعدادهم في مذحج، الشريرة يسكُنها الأصبحيون، نخع يسكُنها بنو مسلية _ كما نعرف فأن قائد على بن أبي طالب المشهور كان هو الملك الأشتر النخعي من هذا المحل - الروضة و حلمة يسكُنها الأصبحيون، قحيضة يسكُنها الأحلول من بنى مجيد، قرية تعرف بيوسف باكثير و بنى عمه و هم قوم ربعيون، قرية تعرف بمحل حميد يسكُنها قوم من أحور ناجعة وقد توطنوها قرية على ساحل البحر ذهب عني أسمها يسكنها قوم من مذحج.)) .

ويذكر الهمداني في كل من (صفة جزيرة العرب) وفي الجزء الثامن من (الإكليل) وجود مكان مقدس في أبين إسمه الكثيب الأبيض و يؤيده في ذلك مؤرخون يمنيون أخرون في العصور الوسطى كالشرجي ( طبقات الخواص ) و العيدروس (عقد اليواقيت) والزبيدي (تاج العروس) . وفي عام 1971م نشر الدكتور سارجنت دراسة أكاديمية ميدانية بمجلة الدراسات السامية بالإنجليزية حول هذا الموضوع بعنوان (الكثيب الأبيض: موضع قديم للحج في اليمن) أرجع فيه أصول طقوسه إلى ما قبل الإسلام خاصة فيما يتعلق بالقضية الإجتماعية قضية الأولاد غير الشرعيين .

ويقع هذا الكثيب، الكود بلهجتنا، على بعد عدة أميال إلى الشمال الشرقي من الدرجاج ويقابل جبل حيران . وهذا الكثيب والجبل يكونان وادي سالا . وإلى قبل الإستقلال كان الناس يجتمعون في هذا المكان للتبرك مرتين في العام، الأولى في 15 شعبان والثانية في 27 رجب ليلة المعراج ويتعشون ويقيمون مولد النبي هناك. ويقول سارجنت الذي حضر هذا المولد عام 1940م أنه إذا استطاع الإنسان أن يجرى من قاع الوادي سبع مرات فوق هذا الكثيب الكبير فإن ذلك يساوى حجة إلى مكة، وهو أمر صعب تحقيقه وذلك بسبب كبر الكثيب ورخاوة رمله . وفي أسفل الجبل المقابل يوجد (حجر الزنوان) وهو جلمود من الصخر المربع الشكل الواقف بتوازن فوق أحجار أخرى . وإلى قبل الإسلام أيضاً كان شبيه له في قريش و هو أن الذي ولد خارج نطاق الزوجية شرعاً لن يتمكن من الحبو تحت هذا الجلمود و الخروج من الجانب الآخر. ولا شك أن خدعة ما كانت تمارس عند الحبو . وكيفما كان الأمر فأن من توقف عن الحبو تحت هذه الصخرة كان يستطيع مواصلة الحبو من المنفذ الأخر بمجرد أن تُطلق بجانبه رصاصة بندقية وكان هذا الجلمود يسمى أيضاً بحجر البراءة .

ومن الظواهر الإعتقادية الأخرى التي كانت توجد في المنطقة إلى وقت قريب وفي أماكن أخرى من الأرياف والتي لا شك أن أصولها جاهلية ما يُعرف بمداعي الأولياء . ففي عام 1947م كان هناك في خنفر (مُدعا حق الولي) وهو عبارة عن عمود شبه إسطواني مبنى من الحجارة والطين وفي أعلاه توجد فتحة لإدخال مصباح منه. وهذا وصف أحد المعتقدين البسطاء يبين لنا طقوس مثل هذه المداعي: (( لما يكون واحد مريض يروح إلى عند المُدعا (الولي) ويشل معه شيء من الماكول و ياكلوا عند الولي (المُدعا) بعد ماياكلوا عند الولي أنك تدعي لنا عند ربك بعافينا من المرض الذي جينا من شانه ثم يقرأون الفاتحة و يروحوا.)) . قراءة الفاتحة: (( يقول الفاتحة إلى روح الولي الفلاني أن الله ينفعنا بأسراره و أنواره و يكون منا درب و حجاب من جميع الأسباب و بعدين في الآخر يقولها لاروح النبي . )) .
ولا شك أن مثل هذه العادات الإجتماعية البالية هي نتاج الماضي البدائي المتخلف وكانت تجد من يرعاها ويعمقها، ولكن على الرغم من أن الأنظمة الحديثة والتقدمية تأتي لمحاربتها و إنهائها فإن دراستها ومعرفة خلفياتها أمر ضروري إذا ما أردنا معرفة أصول العادات الإجتماعية و بالذات ما يخص منها زيارة الأضرحة ونذور الأولياء والسحر و الجن الخ .