آخر تحديث :السبت-27 يوليه 2024-06:01م

ملفات وتحقيقات


تحليل: لماذا تحول ملف فتح الطرقات إلى قضية ابتزاز بين الأطراف السياسية؟

الخميس - 22 فبراير 2024 - 10:00 ص بتوقيت عدن

تحليل: لماذا تحول ملف فتح الطرقات إلى قضية ابتزاز بين الأطراف السياسية؟

(عدن الغد)خاص:

تحليل يتناول مصير قضية فتح الطرقات بين المدن ورفع الحصار المستمر منذ تسع سنوات..

من يعرقل فتح الطرقات ويرفض رفع الحصار عن المواطنين؟

لماذا لا يتم فتح الطرقات وتجنيب الناس المعاناة الإنسانية؟

لماذا لا يتم تحييد هذه القضية عن الصراع السياسي الحاصل في البلاد؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

شكلت عمليات الحصار والتجويع أحد أساليب الحروب والصراعات عبر التاريخ، ولم تخلُ حرب من حصار حتى إن بعضها بلغت شهرته الآفاق، كحصار لينينجراد بروسيا خلال الحرب العالمية الثانية، وحصار سربرنيستا بالبوسنة والهرسك خلال حرب البلقان منتصف تسعينيات القرن الماضي، كما أن حصار غزة في فلسطين المتواصل منذ عقود، يمكن تصنيفه ضمن الأشهر على الإطلاق، ولا مبالغة في القول إن الحرب في اليمن خلقت هي الأخرى نماذج حصار كارثي ومأساوي، يمكن أن يرتقي إلى جرائم الحرب، ويُصنف ضمن التصنيفات المشار إليه آنفا.

فحصار دماج مثلا خلال عام 2014، قبل الحرب الجارية الآن، هو الأسوأ حتى قبيل اندلاع القنال بشكل الواسع والشامل الذي نعيشه اليوم، ولعل في حصار مدينة تعز المستمر منذ سنوات ما يؤكد مدى القتامة التي تتسبب بها الحرب في اليمن.

فالحصار يعني إغلاق الطرقات، وبالتالي تعطيل الحياة المدنية القائمة على حرية التنقل والحركة، التي قضت القوانين والمواثيق الدولية بتأمينها وضمانها، وعدم المساس بها، غير أن هذا هو ما يحدث بالفعل في الحالة اليمنية، المليئة بالتقطع وإغلاق الطرقات والمنافذ حتى تقطعت أوصال البلاد ومحافظاته ومديرياته التي تباعدت أسفارها وتمزقت كل ممزق.

وبنظرة بسيطة على الوضع الجغرافي للتنقل والسفر الداخلي لليمنيين بين المدن والمحافظات، يتأكد له حجم المأساة التي طالت كل منطقة من مناطق اليمن، فطريق السفر الذي كان يقطع من عدن إلى صنعاء ما بين 7 - 8 ساعات، بات يحتاج اليوم إلى قرابة 24 ساعة للوصول الوجهة المرادة، كما أن مسافة الساعتين، أو الساعة والنصف، لم تعد كافية للتنقل من تعز إلى عدن، والتي تحتاج من 6 - 7 ساعات.

وكذلك الحال للراغبين في السفر برا إلى دولة مجاورة كالسعودية من أجل العمرة أو الحج، فيحتاجون إلى يومين للوصول إلى مبتغاهم، غير تلك الساعات أو الأيام التي يقضونها في منافذ الجوازات على الحدود، بينما كانت الرحلة لدخول السعودية قبل الحرب لا تتجاوز نصف يوم أو 12 ساعة على أكثر تقدير.

كل ذلك مرده إلى إغلاق الطرقات وقطعها، والتي هي سمة بارزة من سمات الحرب في اليمن، والتي نتج عنها وضع اليمنيين داخل الحصار في مدنهم وقراهم، بل وحتى في بلادهم التي تحولت إلى سجن كبير؛ بسبب أطراف الصراع الذين يتحملون المسئولية، وهذا لا يعني أيضا أن مليشيات الحوثي الانقلابية المتسببة بالحرب والحصار هي من تتحمل الجانب الأكبر من هذه المسئولية.

> قضية ابتزاز

من غير المعقول تجاوز المسئولية الإنسانية والأخلاقية والأدبية الملقاة على عاتق الحوثيين، فيما يتعلق بملف الطرقات والحصار على المدن اليمنية، كونه المتسبب عسكريا في هذه المأساة، والمتعنت سياسيا في الاستجابة لرفع الحصار وفتح المنافذ والطرقات، غير أن الأطراف الأخرى، والمقصود بها المقابل الطبيعي والمضاد والمناوئ للحوثيين يشتركون في هذه المسئولية.

قد يكون الحوثي هو المعرقل، وهو الرافض لرفع الحصار، غير أن الصمت المطبق للمناوئين له تجاه هذه المأساة، يجعلهم أيضا متورطين ومشتركين في التبعات الإنسانية لمثل هكذا فعل، تحول إلى قضية ابتزاز بين الأطراف اليمنية المتصارعة، وورقة ضغط سياسي، كما هو حاصل في المفاوضات والمشاورات المتعددة، ضاربين بعرض الحائط كل التداعيات المعيشية والحياتية والإنسانية والمترتبة على كل هذا الحجم من الحصار وقطع الطرقات.

إذ تحول هذا الملف إلى ورقة للحصول على مكاسب سياسية وتنازلات في ملفات أخرى، يراها المتصارعون أهم من الملف الإنساني المرتبط بالطرقات والحصار على المدن، وهي رؤية ضيقة، تعلل أسباب عدم وضع حد لهذه المشكلة، ولا تنظر إلى معاناة الناس ولا تتلمس احتياجاتهم جراء قطع المنافذ ومنع المواطنين من التنقل والحركة الطبيعية المكفولة لهم كحق طبيعي وإنساني لا يقبل التنازل عنه.

ورغم كل هذه المعاناة إلا أنه لم يتم حتى الآن تحييد هذا الملف وهذه القضية ذات الأولوية عن الصراع السياسي الحاصل في البلاد، ولهذا ظلت اليمن منذ أكثر من تسع سنوات، مقطّعة الأوصال، كما أن الحصار مفروض على اليمنيين، يحرمهم من التنقل وزيارة ذويهم، رغم المبادرات المحلية والدولية بشأن فتح الطرق التي كان مصيرها الفشل.

كثير من المراقبين يتهمون الأمم المتحدة إلى جانب مليشيات الحوثي بشكل واضح، وهو ما فاقم القضية وساعد الحوثيين في التمادي بممارساتها، والضغط على الحكومة الشرعية لتقديم تنازلات فيما لا تحاول الهيئة الأممية الضغط إطلاقا على المليشيات في هذا الملف، ما جعل القضية باتت مسألة "فتح الطرق" قضية منسية، ولم تحضر إلا في حملات إلكترونية شعبية وواسعة، تطالب بفتح الطرق الرئيسية بين المدن اليمنية، بينما ظلت ورقة ابتزاز سياسي في أروقة السياسيين.

> تهرب من المسئولية

يرى مراقبون أن تملص مليشيات الحوثي وتهربها من الالتزامات المناطة بها تجاه الطرقات وفتح المعابر، كونها مسئولة عن إغلاقها بقوة السلاح، تعود إلى حديث المليشيات عما أسماه وجود "طرق بديلة"، عن الطرق التي أغلقتها المليشيات، غير آبهة بأن هذه الطرق هي عبارة عن طرق غير مرتادة، ولم يسلكها الناس منذ عقود، وبالتالي فإنها غير آمنة، ما تخلق معاناة ومتاعب إضافية، خاصة في المناطق الجبلية والوعرة، وهو ما ذكره الحوثيون خلال العديد من المفاوضات الخاصة بهذا الملف.

بالإضافة إلى حجج المليشيات الواهية، والحديث عن الطرق البديلة، يتهرب الحوثيون من أية التزامات أمام أنفسهم أو أمام المتصارعين أو حتى العالم والمجتمع الدولي الذي يقف إلى جانبهم، تماما كما حدث في عام 2016، حين كان هناك اتفاق مع مليشيات الحوثي على فتح كل الطرقات المؤدية إلى مدينة تعز، لكن المليشيات رفضت الالتزام بالاتفاق، رغم التوقيع على هذه الالتزامات رسميا.

وكل ذلك ما هو إلا تهرب من المسئولية التي لا تعترف بها المليشيات، بل إنها تلقي باللوم والمسئولية على غيرها، عندما تحدثت عن رفض الأطراف المناوئة للحوثيين للطرق البديلة، بينما الطرق الأصلية والأساسية مغلقة، وهي التي يتوجب أن تكون لها الأولوية في الفتح، وليست الطرق البديلة، التي تكبد فيها المواطنون خسائر فادحة في الأرواح والأموال نتيجة تهالكها ووعورتها وعدم صلاحيتها.

التهالك وعدم الصلاحية يعود إلى أن الطرق البديلة ما هي إلا طرق مهجورة، ومعابر ريفية كانت تستخدم منذ مئات أو عشرات السنين على أحسن تقدير، حين كانت مخصصة للحمير والبغال والجمال، وأكبر دليل على مثل هذه الطريق، نقيل هيجة العبد، أو نقيل كربة الصحى، المرابطين بين عدن وتعز، غير الصالحين للعبور إلا اضطرارا.

في المقابل، يرى البعض أن الصمت الحكومي تجاه عدم التزام مليشيات الحوثي بفتح الطرقات لا يعفيها من المسئولية هي الأخرى، بل يجعلها أيضا تتهرب من مسئولياتها تجاه المواطنين المحاصرين في عديد المدن اليمنية، منتقدين عجز الحكومة عن توظيف هذه القضية عالميا وإنسانيا للضغط على المليشيات، ويرى هؤلاء أن الحكومة إذا كانت عاجزة عن تحريك الجبهات وتحرير اليمنيين من الحوثي، فلا يجب أن تعجز عن الترويج لهذه المأساة دوليا.

في الوقت الذي يتنكر الحوثي للمأساة التي اقترفتها يداه، ويرفض فتح الطرقات، وفي الوقت الذي تعجز الدولة والحكومة الشرعية عن القيام بأي ردة فعل ينفذ المواطنين من المعاناة، برزت العديد من المبادرات المحلية والشعبية والأهلية في مناطق محاصرة كثيرة إلى الإمساك بزمام المبادرة لإيجاد بدائل أفضل الطرق الرئيسية، وفي ذات الحين تكون أقل وعورة وغير خطرة.

تلك المبادرات لم تكن لتحدث لولا إصرار أطراف الصراع على التهرب من المسئولية، وبقاء ملف فتح الطرقات مراوحا لمكانه طيلة سني الحرب، وإصرار المتصارعين على ممارسة سياسة الابتزاز تجاه كافة القضايا والملفات الإنسانية، كفتح الطرقات وتوحيد العملة وصرف المرتبات، التي ما زالت جميعها بلا حلول حتى اللحظة، ما يزيد من حدة التبعات الإنسانية والمعيشية للسواد الأعظم من اليمنيين.