آخر تحديث :الأحد-01 سبتمبر 2024-06:41ص

ملفات وتحقيقات


تحليل: ما موقف القوى السياسية من الطبخة الجديدة؟ وهل يرفع التحالف العربي يده عن اليمن؟

الأحد - 10 ديسمبر 2023 - 06:15 ص بتوقيت عدن

تحليل: ما موقف القوى السياسية من الطبخة الجديدة؟ وهل يرفع التحالف العربي يده عن اليمن؟

(عدن الغد)خاص:

تحليل يقرأ في مصير التفاهمات السياسية للأزمة اليمنية القاضية بالإبقاء على الوضع الراهن كما هو والتسليم بالانقسامات الحالية..

كيف ستبدو العلاقة بين القوى السياسية التي ستتقاسم اليمن؟

هل هذه الطبخة مستحدثة أم سبق تنفيذها في دول عربية أخرى؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

أمر واقع، ذلك الذي أفضت إليه الحرب في اليمن، بعد تعثر حسمها عسكريا من أي طرف، سواء كان داخليا أو خارجيا، فباتت البلاد وكأنها تعيش في جزر منفصلة، أشبه بالكانتونات التي كانت عليها قبل ظهور الدولة بمفهومها العصري، والذي لم يعد لها وجود على ما يبدو خلال المرحلة القادمة.

مرحلة أطلق عليها بعض الخبراء والمحللين، بـ "الطبخة الجديدة" التي يراد تمريرها في اليمن، بعد أن عجزت كل الأطراف عن الحسم، واعترف العالم برمته ألا لجوء للخيار العسكري في الأزمة اليمنية، وبالتالي فإن احتمالات بقاء الحال الراهن على ما هو عليه في الخارطة الجيوسياسية للبلاد كبيرة للغاية.

المحللون رأوا أن ما أسموه بـ "الطبخة" عجزت هي الأخرى عن التوصل إلى حل سياسي وتسوية جامعة، تجمع فرقاء الحرب المحليين على كلمة سواء، وهو بالفعل أمر مستبعد بين أطراف متناقضة المشاريع والرؤى من الصعب أن تلتقي على قواسم مشتركة، فما يُفرق بينها أكثر بكثير مما قد يجمع.

إضافة إلى ذلك، ثمة تأثير من قوى إقليمية ودولية على كل الأطراف المحلية في اليمن دون استثناء، وهذا التأثير ألقى بظلاله على التوصل إلى تسوية شاملة تتلاشى فيها حدود الحرب والاقتتال، ومنعت انتقال البلاد إلى الحالة الطبيعية التي كانت عليها قبل انقلاب الحوثيين عام 2014، أو حتى قبل الدخول في حرب شاملة عام 2015.

لهذا، يبدو أن ما وصلت إلى التفاهمات السياسية هو الإبقاء على الأمر الواقع الراهن على ما هو عليه، وتبقى الكنتونات تحت تصرف كل فصيل وتيار سياسي، محمية بقوات مسلحة تتبع تلك القوى، على أن تتولى كل قوة صياغة علاقتها بالقوى الأخرى، مع الاحتفاظ بما تحتويه من مناطق.

الأمر الذي يجعل من اليمن مجرد مسمى عام لجغرافيا تتقاطع فيها المشاريع السياسية، ويحكم كل فصيل منطقته التي استولى عليها بقوة السلاح، بمنأى عن بقية المناطق (الكنتونات) الأخرى، في موقف يشبه إلى حد كبير دويلات الطوائف القائمة على أبعاد سياسية ومناطقية.

وهو بالفعل ما يريده العالم الذي بات ينظر لليمن كعبء يجب نسيانه، والمضي نحو اتباع سياسة تحتوي الصراع الدائر بأقل الخسائر، بينما تركز القوى الدولية الكبرى اهتمامها على إدارة الطرق الملاحية الاستراتيجية التي تطل عليها اليمن، والسيطرة عليها، بعيدا عن أمراء الحرب والكنتونات المنقسمة على نفسها في الداخل اليمني.

> واقع الطبخة

الطبخة الجديدة هذه، قد تبدو غريبة، أو أنها صعبة التحقق، غير أن الملاحظ لحال القوى السياسية اليمنية عموما وحتى بما فيها الجنوبية، يتضح له أن المكونات السياسية ماضية في تنفيذ مثل هذا المخطط، ربما بإدراك وربما بلا إدراك، لكن الواقع الراهن يؤكد أن الطبخة نُفذت منذ سنوات، أو على الأقل تم التهيئة لها، بينما القوى السياسية مُسَلِمة بها، أو مستسلمة لها.

فمن غير المعقول أن يغفل عن أذهان المراقبين أن حضرموت باتت تشكل كنتونة خاصة بها، تشغلها همومها الخاصة بها، بعيدا عن هموم بقية محافظات الجنوب أو مناطق اليمن الأخرى، وهو ما تجسد مؤخرا في مطالب كيانات حضرمية محلية المنادية بانفصال حضرموت، ورفض تبعيتها سواءً للجنوب أو حتى لليمن.

بينما شبوة تحاول الهروب من الانجذاب نحو المشروع الجنوبي، الذي قد ضم بالفعل كل من عدن -قسرا- ولحج والضالع ومؤخرا أبين، فيما تبقى سقطرى منعزلة عن الصراع، وذات الحال هو ما تعيشه المهرة في أقصى الشرق اليمن.

وفي المناطق الشمالية، تبدو مأرب دولة الشرعية الجديدة، ومعقلها الرئيسي بعد أن خسرت الحكومة عدن قبل أكثر من أربع سنوات كعاصمة مؤقتة، وباتت مأرب تمتلك مشروعها الخاص بها هي الأخرى، حتى إنها بعيدة عن مشروع تعز، التي توالي الشرعية وترفض بقية مشاريع القوى الأخرى، سواء مشاريع الحوثي أو مشاريع الجنوبيين، حتى إن بدت بلا مشروع سياسي كأخواتها من المحافظات، إلا أنها تبقى منعزلة في كنتونة خاصة بها أيضا.

المشروع الأكثر اتساعا من الناحية الجغرافية هو المشروع الحوثي، المرتهن للنظام الإيراني، والمدعوم من طهران بالدرجة الأولى وقوى دولية كبرى لا تريد لليمن الاستقرار، وهو مشروع يمثل كنتونة أخرى لكنها الأكبر سكانا ومساحةً، إذا قورن ببقية المشاريع السياسية الأخرى التي قسمت اليمن وجزأته.

واقع كهذا، ترتضيه دول كبرى، نظرا لأهمية الموقع الجيوسياسي لليمن، وإطلاله على مضيق باب المندب المهم للعالم، وبالتالي فإن إبقاء البلد مقسما يعني سهولة السيطرة على المضيق، والتحكم في حركة الملاحة الدولية، ولعل الدول الكبرى هذه وجدت ضالتها في هذا المشروع التجزيئي، كما لاقت من يسهل لها تنفيذه، وذلك في هجمات الحوثيين الأخيرة في البحر الأحمر مؤخرا.

> ما موقف القوى السياسية؟

هذا الواقع الذي تم استعراضه، تقبلته القوى السياسية اليمنية وتسايرت معه وهضمته، بل إنها تأقلمت معه لدرجة أن أحد منها لا يتمنى أن تنتهي الحرب أو أن تعود الأوضاع إلى ما قبل عام 2014، أو عام 2015، بعد ذاقت تلك القوى عسيلة وحلاوة التحكم والسيطرة على مناطق لم تكن تحلم بها يوما.

ولسنوات عديدة حكمت المكونات اليمنية ما تحت يديها وتصرفت بكل ما مقدرات وإمكانيات تلك المناطق، لكنها في المقابل لم تقم بمسؤولياتها كسلطة أمر واقع عليها التزامات خدمية وتنموية ومعيشية تجاه سكان تلك المناطق، ولك يكن هناك من مبرر أفضل من أن البلاد ما زالت تعاني الحرب، وبالتالي يتم تأجيل كل تلك الالتزامات إلى أن تنتهي الحرب، التي يبدو أنها لن تنتهي.

وهذا ما جعل القوى السياسية اليمنية تستمرئ هذه الحالة من الحكم والسيطرة بأسلوب الأمر الواقع، وتستلذ في ممارسة هذا الدور، مستلهمةً النموذج المليشياوي الحوثي الذي اتخذ من الشمال منطقة غنيمة وراح يتفيدها دون رقيب أو حسيب، وهو ما تكرر في أكثر من منطقة من مناطق اليمن، وبات يفرض نفسه حتى على عرابي الحلول السياسية، التي رأوا فيها معالجة ممكنة للأزمة في البلاد، وسط كل هذا الكم الفوضوي الهائل من القوى والمكونات والمطالب المناطقية.

وبرأي مراقبين، فإن القوى السياسية التي تقبلت وضعا كهذا طيلة السنوات الماضية، يمكن لها أن توافق على تسوية سياسية تتضمن هذه الطبخة الجديدة من الكنتونات، لكن هذه المرة ستحظى بتأييد ومباركة إقليمية ودولية وحتى أممية، للخلاص من الكابوس اليمني، وحتى وإن عاد أمراء الدويلات والكنتونات هذه الاقتتال مرة أخرى، فإن الحرب حينها ستكون حربا منسية، تماما كما هو جار حاليا في السودان، بحسب المحللين.

غير أن طبخة كهذه، تحتاج حتى تتحقق، إلى أن يرفع التحالف العربي يده من الملف اليمني، مع استمراره في دعم هذه الكنتونات التي ستظل على حالها، مع الاهتمام الاقتصادي واللوجستي، والإبقاء على علاقات الكنتونات مع بعضها البعض في حدودها المقبولة للعالم وللإقليم، وبما لا يؤثر على الملاحة الدولية، وفق تفاهمات معينة.

هذه العلاقة بين القوى السياسية اليمنية بكنتوناتها المتعددة، ستتم مراقبتها عن كثب، مع ضمان عدم تعدي قوة على أخرى، والإبقاء على هذه الطبخة كما هي في صورتها الحالية التي نعرفها، وهي صيغة تحقق لكل الأطراف الحد الأدنى من مطالبه واحتياجاته وتطلعاته.

ويؤكد المراقبون أن التحالف ماضٍ في هذا التوجه، بعد أن تحولت الحرب في اليمن إلى كلفة كبيرة، ليس ماديا فقط وحتى سياسيا، وتؤثر على موقف الدول أمام العالم، خاصة أن بلدان المنطقة مقدمة على مرحلة جديدة من الانفتاح والاستثمارات العالمية واستقطاب العالم برمته إلى منطقة الشرق الأوسط، ولا بد لهذه المنطقة أن تكون مستقرة -نسبيا على الأقل- حتى يتحقق هذا الهدف.

> تعميم التجربة

للعلم، فإن هذه الطبخة لم يتمكن يوما جديدة أو مستحدثة، أو فكرة ابتدعها المبعوث الأممي إلى اليمن، رغم أنه يدفع نحو تنفيذها، ولكنها فكرة مكررة سبق تنفيذها في أقطار ودول عربية عديدة، تأثرت هي الأخرى باضطرابات عام 2011.

حيث سبق أن طبقت هذه الطبخة في ليبيا التي قسمت إلى كنتونات، واحدة غربية وأخرى شرقية، تم توزيعها على خارجة ليبيا، وتم إشعال حرب عسكرية خاطفة بين الجانبين، بهدف تجسيدها وتثبيتها كأمر واقع.

كما أنها مجربة في سوريا أيضا، والتي تقاسمتها الفرق والألوية والكتائب، المدعومة تارة من تركيا وأخرى من إيران، وأحزاب مسلحة مدعومة من الولايات المتحدة، قبل أن تدخل روسيا لتفرض رؤيتها الخاصة وتفاقم المسألة.

هذه التجارب، يراد بها أن تعمم في اليمن أيضا، والإبقاء على الوضع على ما هو عليه بل وتعزيزه من خلال تصويره كحل سلمي للحرب، يبدأ بتسوية سياسية تعالج القضايا الإنسانية والمعيشية، ثم تنتقل لشرعنة الحالة الراهنة باعتبارها الحل لإنهاء الحرب في اليمن، لكن إبقاء الوضع على ما هو عليه ليس حلا بقدر ما ترحيل للأزمة التي من المؤكد أنها ستعود يوما ما بمجرد مستجدات إقليمية ومحلية.

كما لا يمكن نسيان المطامع الحوثية ورغبة المليشيات في التوسع والانقضاض، وهي وإن كمنت أو رضت بالاستكانة مؤقتا من باب التقية، إلا أنها لن تنسى مشروعها المدعوم إيرانيا والذي يشكل الأخطر الأكبر على اليمن واليمنيين.