آخر تحديث :الأحد-01 سبتمبر 2024-07:23ص

ملفات وتحقيقات


تحليل: هل نحن أمام اتفاق سلام حقيقي ينهي الأزمة.. أم أن الحرب مازالت تدق طبولها؟

الثلاثاء - 05 ديسمبر 2023 - 08:00 ص بتوقيت عدن

تحليل: هل نحن أمام اتفاق سلام حقيقي ينهي الأزمة.. أم أن الحرب مازالت تدق طبولها؟

(عدن الغد)خاص:

تحليل يقرأ في مؤشرات التوصل لاتفاق سلام وسط استمرار بوادر الحرب والتحشيد العسكري للحوثيين..

ماذا لو عادت الحرب في ظل حالة انهيار اقتصادي وقوة عسكرية حوثية ضاربة؟

كيف ستدار الحرب لو تكررت.. وسط استعادة الحوثيين لسلاح الجو؟

ما تأثير حالة الشتات في الحكومة الشرعية على المرحلة القادمة؟

هل يمكن أن يتحقق سلام شامل في اليمن.. أم أن الجمر مازال تحت الرماد؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

تناقض واضح في المشهد السياسي والعسكري اليمني، لدرجة أن الخوض في تحليل الوضع العام يمثل مخاطرة يغامر صاحبها في الدخول للمجهول، وسط تضارب المعلومات، وتعارض الوقائع الراهنة بين التجاذبات نحو السلام وأخرى نحو الحرب، دون أن يدرك المراقب إلى أي وجهةٍ سيؤول إليها مستقبل الأزمة والحرب في اليمن.

ففي الوقت الذي تتحدث فيه التقارير الإعلامية القادمة من العاصمة السعودية الرياض، باقتراب التوصل إلى تفاهمات بين الحوثيين والسعوديين، ومن ورائهم الإيرانيين، تقضي بتسوية سياسية للحرب في اليمن، وفرض السلام وفق خارطة طريق واضحة المعالم وافق عليها الجميع، إلا أن بوادر الحرب وتجدد القتال في الجبهات ما زالت قائمة، ومُشاهدة كل يوم.

ورغم أن الحوثيين والسعوديين والحكومة الشرعية اليمنية، قد سلموا بالتسوية القادمة، بانتظار معالجة الملاحظات والتحفظات التي طرحها المجلس الانتقالي الجنوبي على الاتفاق، غير أن التحشيد الحوثي العسكري نحو مأرب، والتصعيد ضد الملاحة الدولية في البحر الأحمر من قبل المليشيات الحوثية، لا يوحي بأن السلام ما زال قادما، ويؤكد التضارب والتناقض الحاصل في ملف الأزمة اليمنية.

وإذا كان البعض ينظر للتصعيد الحوثي والاستعدادات الجارية للتحشيد العسكري باتجاه مأرب وغرب تعز والحديدة، بأنه يأتي في إطار الضغط للحصول على مزيد من المكاسب في المفاوضات، أو فرض أمر واقع بعد إقرار التسوية، إلا أن آخرين يعتقدون أن الحوثيين يسعون للتأكيد على أن قوتهم ستبقى وسلاحهم سيتم الاحتفاظ به حتى لو تمت الموافقة على تفاهمات السلام، في تلميح إلى الإبقاء على "شوكة السلاح في حلوق كافة الخصوم الباقيين".

وهو أمر إذا تحقق، فإنه سيكرر التجربة اللبنانية في اليمن، من خلال احتفاظ حزب الله هناك بسلاحه رغم موافقته على اتفاق السلام، مع بقية الفرقاء، غير أن هذا السلاح والقوة العسكرية التي احتفظ بها، منحته التحكم الكامل بالوضع السياسي ومصادرة القرار اللبناني لصالحه ولصالح إيران.

مراقبون يعتقدون أن هذا النموذج اللبناني هو ما يتم تهيئته فعلا في اليمن، عبر الأداة الحوثية الطيعة بيد إيران، دون إدراك من القوى الإقليمية التي تعتقد أن تفاهماتها مع طهران وصنعاء ستضمن لها السلام في المنطقة، بعيدا عن تكرار التجربة اللبنانية، غير أن الحوثيين ومن ورائهم الإيرانيون يخططون بشكل معاكس، مع استمرار تصعيدهم العسكري وامتلاكهم لسلاح نوعي، على رأسه يأتي الطيران الحربي.

وإذا كانت الرياض تسعى بشكل حثيث وبحسن نية لاستتباب الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، عبر إيقاف الحرب في اليمن وتحييد الإيرانيين عن دعم الحوثيين، إلا أن طهران وصنعاء لديهم أجندات أثبت التاريخ السياسي القريب لمنطقة الشرق الأوسط أنهم لن يتخلوا عنها أبدا، وأنهم يستخدمون سياسة "التقية" لتمرير فكرة قبول الحوثي المسلح بالمنطقة، بينما لم يزل جمر الحرب لم ينطفئ تحت الرماد.

> سلام أم حرب

التصاعد الكبير على المستوى السياسي، والحديث عن التوصل إلى اتفاق سلام، ولقاءات القادة السعوديين مع نظرائهم الإيرانيين، والاتصالات المتبادلة، جميعها تؤكد بما لا يدع مجال للشك أن السلام في اليمن والتسوية السياسية لإنهاء الأزمة باتت قاب قوسين أو أدنى من أي وقت مضى.

لكن في المقابل، هناك تصعيد على المستوى العسكري لا يمكن إغفاله أبدا، ويتمثل في التحشيد العسكري الضخم للمليشيات الحوثية على تخوم محافظة مأرب، التي طالما حلم الحوثيون بالسيطرة عليها بشكل جنوني خلال السنوات الماضية، وما فتئوا يواصلون هجماتهم وقصفهم على المديريات الجنوبية والغربية لمأرب.

زد على ذلك التحديث الذي كشفته تقارير عسكرية وإعلامية عن تنامي القوة المسلحة للمليشيات مؤخرا، خاصة مع فتح غير مشروط وبلا تفتيش لميناء الحديدة، بالإضافة إلى استعادة المليشيات الحوثية لسلاح الجو والطيران الحربي، الذي من المتوقع -بحسب مراقبين- أن يعمل الحوثيون على إدخال الطيران في أقرب محاولة جديدة للتقدم نحو مأرب.

وكل هذا التحشيد العسكري، الذي لم يقف عند حد مأرب، بل شهدته أيضا خطوط التماس وجبهات القتال في المديريات الغربية من محافظة تعز، وجنوب محافظة الحديدة، وجبهات شمال يافع ومحافظتي أبين ولحج، يبوح بالكثير من التناقض والتضارب في الوقائع، ويتقاطع مع جهود السلام ويشكك في مساعي التوصل إلى تسوية سياسية بين أطراف الحرب اليمنية.

فرغم أن أصوات السلام تتعالى إلا أن دوي طبول الحرب يبدو عاليا هو الآخر، الأمر الذي يبعث عن الشك في الموقف العام للمشهد اليمني، ويثير تساؤلات حول ما إذا كانت البلاد أمام اتفاق سلام حقيقي أم أن الحرب لم تضع أوزارها بعد.

> ماذا لو عادت الحرب؟

اندلعت الحرب في عام 2015، وكانت حينها اليمن تعيش وضعا اقتصاديا ورديا ومثاليا إذا ما قورن بالوضع المعيشي والاقتصادي المتدهور اليوم، ومجرد عودة قرع طبول الحرب في هذه الفترة الراهنة ووسط هذا الكم الهائل من الفوضى الاقتصادية والكساد الذي ضرب مختلف مناحي الحياة في المحافظات المحررة، فإن الوبال هو وحده من ينتظر تلك المحافظات.

ولا يدري المراقبون ما قد يمكن أن تُصنف به الحالة المعيشية للبلاد حينها إذا ما عاد شبح الحرب من جديد، فالحالة تصنف اليوم بأنها الأسوأ على مستوى العالم، لكن لا أحد يدرك ما الذي قد تصل إليه إذا تجددت المعارك في ظل الوضع الاقتصادي المنهار، خاصة مع توقف نشاط ميناء عدن بشكل تام، وتراجع مخيف للعملة المحلية، وغيرها من المعالم المنفلتة والمفزعة للحالة الاقتصادية.

أضف إلى ذلك أن ميزان القوى العسكري الذي ترجحت كفته لصالح مليشيات الحوثي، التي لم تنفك إيران في دعمها ومدها بأسباب البقاء عبر تهريب كل أنواع السلاح الممكنة، واللعب على ملف الوقت والصبر كل هذه السنوات دون انهيار، بل على العكس، فقد تنامت قوى الحوثيين وباتت قوة ضاربة، مقابل انعدام أي تطوير لقوات الحكومة الشرعية والمكونات المنضوية في لوائها، والتي طبقت عليهم القرارات الأممية بحظر السلاح إلى اليمن بسبب الحرب الدائرة.

حتى إن كثيرا من المراقبين رجحوا أن يتدخل الطيران الحربي الحوثي في أية حرب قادمة على مأرب وبقية المناطق المحررة، وبالتالي فإن عودة الحرب تعني اختلافا نوعيا لصالح الحوثيين، على حساب الشرعية اليمنية، خاصة بعد تحييد قوة التحالف العربي كما يبدو، بعد التفاهمات السياسية في الرياض، وما سينتج عنها من اتفاق سلام مرتقب.

وهو ما يعني تفوقا واضحا للحوثيين، واستغلالا لعوامل عديدة فرضتها التأخير في الحسم العسكري، التبعات الأخرى المترتبة على الحرب، مثل حالة التشتت واللا توافق التي ضربت مكونات وقوى الحكومة الشرعية، وعدم التقائهم على كلمة سواء بينهم، في مواجهة مليشيات الحوثي، بالإضافة إلى التردي الاقتصادي والانهيار المعيشي والركود التجاري في المدن المحررة.

جميعها عوامل ستكون في صالح الحوثيين في حالة عودة الحرب، بل إن مراقبين وكتابا سياسيين يرجحون أن هذا الوضع وهذه البيئة ستكون في صالح مليشيات الحوثي حتى في فترة السلم، إذا ما تم الاتفاق على تسوية سياسية ما، وليس فقط لصالحهم في حالة الحرب التي ما زالت جذوة جمرها كامنة تحت الرماد، في انتظار أن تستعر في أي لحظة، إذا لم تفلح جهود السلام في اليمن.

وحتى لو تم الجنوح للسلم من قبل القوى اليمنية والمتورطة في الصراع كافة، فإن بقاء السلاح الحوثي، وتفوقه في ميزان القوى العسكري، سيجعل من أي تسوية مجرد سلام يصنعه الطرف القوي عسكريا، وبالتالي فإن يكون سلام كهذا لصالح الطرف الضعيف، سواء حاليا أو حتى بعد حين.