آخر تحديث :الثلاثاء-22 أكتوبر 2024-03:23ص
ملفات وتحقيقات

تحليل: لماذا عاد الصراع إلى ساحل حضرموت.. بعد أن كان محصورا في الوادي؟

الأربعاء - 15 نوفمبر 2023 - 06:20 ص بتوقيت عدن
تحليل: لماذا عاد الصراع إلى ساحل حضرموت.. بعد أن كان محصورا في الوادي؟
(عدن الغد)خاص:

تحليل يتناول ما يجري في ساحل حضرموت من صراع متصاعد مؤخرا وتأثيراته على حضرموت واليمن عموما..

ما مآلات هذا الصراع.. وكيف تحول ساحل حضرموت إلى منطقة مضطربة؟

ما دور بعض الشخصيات السياسية والعسكرية في تثبيت الاستقرار بالساحل؟

لماذا تتصارع الأطراف الدولية والمحلية داخل منطقة لا تحتاج إلى كل هذا الصراع؟

كيف سيؤثر هذا الصراع على تماسك النسيج المجتمعي في حضرموت؟

ما تأثير ما يجري في حضرموت على اليمن بشكل عام.. وكيف سيستفيد منه الحوثي؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

تصدرت محافظة حضرموت (شرقي جنوب اليمن) المشهد السياسي والاقتصادي في البلاد خلال الأعوام الثلاثة الماضية، رغم أنها لم تكن كذلك قبل هذه الفترة، حين كانت نموذجا ورمزا للمحافظة الوديعة المسالمة البعيدة عن الصراعات والاضطرابات التي طالت غيرها من المحافظات اليمنية الأخرى بفعل الحرب.

وكان وادي حضرموت هو محور الصراع في حضرموت طيلة الأعوام الثلاثة أو الأربعة الماضية، في ظل رفض مكونات سياسية جنوبية وحضرمية وجود قوات حكومية في الوادي، متمثلة في قوات المنطقة العسكرية الأولى، واتهامها بأنها قوات إخوانية تدعم التنظيمات الإرهابية وتتخادم مع مليشيات الحوثي.

كما أن تركز الصراع في وادي حضرموت طوال تلك الفترة كان مرده إلى اكتناز المنطقة بالثروات الطبيعية كالنفط والغاز والمعادن النفيسة، وهو مبرر قوي وإن كان خفيا وغير معلن.

غير أن الصراع الذي تجدد مؤخرا في حضرموت، لا علاقة له بما يجري في الوادي، ولكنه صراع متركز في الساحل، حيث حاضرة المحافظة، مدينة المكلا، والمحافظات المطلة على ساحل بحر العرب، بما فيها من موانئ مخصصة لتصدير النفط إلى العالم، والتي توقفت مؤخرا عن العمل بفعل ضربات وتهديدات مليشيات الحوثي.

ويبدو أن هذه الجزئية المتعلقة بموانئ التصدير في حضرموت، هي من فتحت باب الصراع على مصراعيه في ساحل حضرموت، عقب الأنباء المتواترة عن قرب التوصل لتفاهمات بين التحالف العربي ومليشيات الحوثي؛ تتمحور حول استئناف تصدير النفط وصرف المرتبات وغيرها من الملفات الشائكة التي بدأت بأن تجد لها طريقا للحل.

كما أن الجوانب السياسية ليست ببعيدة عن التأثير على الصراع الجارية في الساحل، وتحديدا مع بدء مؤشرات لتشظي ما يُعرف بـ(مجلس حضرموت الوطني)، تحت وطأة النازعات المحلية والإقليمية المتربصة بالمجلس، رغم أنه حاول الجمع بين كافة مكونات أبناء حضرموت، إلا أن حسابات القوى السياسية لما بعد التسوية السياسية المرتقبة في اليمن حولت ساحل حضرموت إلى منطقة مضطرة سياسيا وغير مستقرة.

> تهاوي النموذج الحضرمي

مثلت حضرموت، بواديها وساحلها، منطقة مستقرة آمنة، تأتيها الخيرات رغدا من كل مكان، بل إنها شكلت ملاذا للكثير من اليمنيين شمالا وجنوبا، في ظل اضطراب كافة محافظات البلاد نتيجة الحرب منذ عام 2015، وباتت قِبلةً للباحثين عن الاستقرار والخدمات وحتى فرص العمل.

فالكهرباء حظيت بالاستقرار وتشغيل الخدمة معظم اليوم، كما أن استتباب الأمن كان هو السمة الرئيسية في حضرموت، خاصة بعد التخلص من تنظيم القاعدة الذي سيطر على المحافظة بضعة أشهر خلال اندلاع الحرب في بقية مناطق اليمن مطلع عام 2015.

وأصبحت حضرموت آنذاك نموذجا تتمنى أن تتخلق وتتصف به أي محافظة يمنية، في الشمال والجنوب معا، وما جعلها كذلك أنها كانت بعيدة تماما عن أية تأثيرات بالحرب، حتى أواخر العام 2019، التي كان بداية لتوجه تداعيات الصراعات نحو شرق اليمن، بما فيها حضرموت والمهرة أيضا.

ولهذا السبب، فإن هذا النموذج الذي مثلته حضرموت في الاستقرار والسلام والدعة، لم يستمر كثيرا، وبدأ صرحه بالتهاوي شيئا فشيئا حتى بات اليوم مجرد أطلال، وكل ذلك نتيجة الصراع بين القوى اليمنية والجنوبية التي حولت صراعاتها إلى هناك، بدءا من الوادي ثم تحولت مؤخرا إلى الساحل؛ لتصبح المحافظة برمتها ضحية التجاذبات السياسية.

واللافت في الأمر، أن هذه الصراعات لم تكن يوما صراعات محلية، أو داخلية فقط، ولكنها صراعات مدفوعة من الخارج، وتحديدا من دول الإقليم التي تنظر إلى حضرموت بنظرة تختلف عن تلك النظرة لباقي اليمن، بل إن (المارينز الأمريكي)، وهي قوات البحرية الأمريكية، وكبار مسئولي واشنطن تواجدوا في أكثر من منطقة بحضرموت، سواءً في الساحل أو الوادي.

وهذا ما يؤكد أن ثمة تحولا واهتماما كبيرا بحضرموت، ليس فقط على المستوى الإقليمي، بل اهتمام عالمي حتى، يفسر ما يجري اليوم في الساحل من صراعات ذات أبعاد سياسية واقتصادية وعسكرية، رغم البعض يرى أن حضرموت منطقة صغيرة لا تحتاج كل هذا الحجم من الصراع، والضجة الدائرة حولها، غير أن هناك أبعادا استراتيجية لا يمكن إغفالها.

حيث يمكن استيعاب الاهتمام الدولي بحضرموت من خلال إدراك أهمية موقعها المطل على ممرات التجارة العالمية، والملاحة الدولية العسكرية، بالإضافة إلى أزمة الطاقة التي حلت بالعالم نتيجة حرب روسيا في أوكرانيا، وهي اهتمام دولية، تقوم بتحريك أدواتها المحلية لتحقيق مكاسب لا يمكن أن تخطئها أعين المراقبين.

> مآلات الصراع

لكل صراع تداعيات وتبعات، تؤثر على الاستقرار، وهذا ما تعاني منه حضرموت حاليا، فبعد أن كانت نموذجا لاستقرار الخدمات العامة والأمن، باتت اليوم تعاني من قصور خدمي وتكرر الحوادث الأمنية والاغتيالات فيها بشكل لافت، إذا تم مقارنة فترات الصراع الحالية بما قبلها من فترات ما قبل الصراع.

ومن الطبيعي أن يقود أي صراع سياسي في أي مكان إلى حرمان تنموي وخدمي، كما هو حاصل بالفعل في مدينة عدن مثلا، غير أن مآلات الصراع في حضرموت لن تقتصر على المحافظة فقط ولكنها تمتد إلى أبعد من ذلك، كونها محافظة غنية بالثروات الطبيعية والنفطية في الدرجة الأولى، وما يؤكد ذلك تبعات تصدير النفط والغاز من موانئ حضرموت النفطية، والتي ألقت بظلالها على مختلف مدن اليمن شماله وجنوبه.

إذا، فالصراعات في ساحل حضرموت لن تقتصر على مدن المكلا والشحر وغيرها، ولكنها تطال اليمن برمته، وهو أمر ملموس حتى على المواطنين في المحافظات الجنوبية، الذين اكتووا بنيران الصراع بين القوى الجنوبية ومكونات الجنوب السياسية، وهي مآلات خطيرة لا يجب السكوت عنها، وينبغي خاصة في محافظة مثل حضرموت، تتوافر فيها شخصيات قيادية سياسية وعسكرية وقبلية.

ولعل في هذه الشخصيات القدرة على كبح جماح الصراعات التي عصفت وتعصف بحضرموت، وهي شخصيات يمكن أن تجتمع على كلمةٍ سواء بغرض الحفاظ على مصلحة حضرموت، وبعض هؤلاء متواجدين في مجلس الرئاسة اليمني، كممثل عن هذه المحافظة المهمة، والتي تم تخصيص لها مقعد في هذا المجلس، وهي شخصيات معنية بوقف المآلات الخطيرة المتوقع للصراع في حضرموت.

خاصة وأن التبعات المتوقعة قد تودي بتماسك النسيج الاجتماعي الحضرمي، الذي طالما ضرب به المثل في التعاضد والتكافل، غير أن هذه الصراعات باتت تهدد هذا التماسك المجتمعي وقد تتسبب بالكثير من المخاطر على حاضر ومستقبل المحافظة، يأتي هذا في ظل وجود قيادات عديدة قبلية وشعبية وسياسية وعسكرية برزت على المشهد الحضرمي الراهن.

وهذا التعدد في القيادات يؤدي تلقائيا الى تشتت في الرؤى المحلية لأبناء حضرموت، وبالتالي تعميق الفرقة بين أواصر المجتمع الواحد، وهنا يبدأ التصدع في الكيان الحضرمي المتماسك منذ قرون، كمان أن مكمن الخطورة تأتي منذ هذا المنفذ الخطير، وهو ما يستوجب استدراك الوضع بين الإخوة.

> المستفيد الأول

ليس هناك من متربح من وراء مثل هذه الصراعات، سواء في حضرموت أو عدن أو أي مكان من المحافظات المحررة، سوى المليشيات الحوثية التي ستتحدث هم نموذجها في التحكم والتسلط بأنه الأنجع والأنجح، عطفا على خلو المشروع الحوثي من أية صراعات كالتي تعصف بمعسكر الشرعية اليمنية ومكوناتها المتباينة بما فيهم الجنوبيين.

كما أن ما يجري في حضرموت تحديدا لا يقف عن حد المحافظة، ولكنه يصل إلى كل اليمن، والحوثيون يدركون هذه الحقيقة، ولهذا ينبغي تجنيب البلاد أي مشاكل او صراعات قد يستفيد منها الحوثي ويستغلها للترويج لمشروعه الطائفي السلالي الكهنوتي، فهل يستفيق المتصارعون في حضرموت، ويتفطنون لهذه الحقيقة؟