بعد مرور عام على اعتداءات مليشيات الحوثيين على موانئ تصدير النفط في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا في محافظتي شبوة وحضرموت، جنوبي اليمن، بات اقتصاد البلد حاليًا أقرب من أي وقت مضى إلى انهيار كارثي يضاعف من حجم الأزمة الإنسانية "الأكبر على مستوى العالم"، وفق الأمم المتحدة.
وفي ظل استمرار حصار الحوثيين ومنع الصادرات النفطية، يواجه اليمن خلال العام 2023، انكماشًا في ناتجه المحلي الإجمالي البالغ 0.5%، وتراجعًا كبيرًا في الإيرادات الجمركية مع انخفاض واردات ميناء عدن الخاضع لسيطرة الحكومة الشرعية، يصل إلى 61% لصالح ميناء الحديدة، الخاضع لسيطرة المليشيات الحوثية، وفق تقرير صادر عن البنك الدولي أواخر الشهر الماضي.
ويشير البنك الدولي، إلى أن هذه الصعوبات المالية، أجبرت الحكومة على الاستفادة من تسهيلات السحب الطارئة في البنك المركزي اليمني في عدن، ما أدى إلى زيادة بنسبة 10% في المطالبات على الحكومة في النصف الأول من عام 2023، وزيادة بنسبة 5% في الكتلة النقدية المتداولة".
وقال رئيس مركز "الدراسات والإعلام الاقتصادي" المحلي، مصطفى نصر، إن اعتداءات الحوثيين على المنشئات النفطية وتوقف تصديره، أصاب الاقتصاد اليمني والحكومة الشرعية في مقتل، وشلّ كثيرًا من حركتها فيما يتعلق بالإيرادات، "وهو ما أدى إلى لجوء الحكومة إلى صرف النفقات عبر السحب على المكشوف، وهذا أدى إلى مشكلات كبيرة جدًا في إيرادات الحكومة".
وأشار إلى أن اقتصاد اليمن قائم في معظمه على الإنفاق الحكومي، "وبالتالي هذا أثر بصورة كبيرة على إنفاق الحكومة في عدة جوانب، سواء المتعلقة بالتنمية وهي قليلة، حتى ما يتعلق بالمرتبات وغيرها، وهناك إشكالية كبيرة في هذا الجانب، إذ لجأت الحكومة اليمنية إلى بعض المساعدات أو بعض وحدات السحب الخاصة، سواء المقدمة من صندوق النقد الدولي أو من خلال المنحة السعودية وغيرها من المنح، لكن كل هذه للأسف الشديد لم تغطي حجم الاحتياج الذي كانت تحصل عليه الحكومة من صادرات النفط".
وتوقع نصر، حدوث إشكالية اقتصادية كبيرة في البلاد خلال الفترة المقبلة، في حال عدم وجود أي تدخل لمنعها. ويرى أن بعض أعراض هذه المشكلة هي أحد أسباب التدهور الحالي في سعر العملة المحلية وتراجعها، رغم محاولات إبقائها عند مستوى معين.
واعتبرت الحكومة اليمنية، في تقرير لها صادر الخميس الماضي، مليشيات الحوثيين أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى الأزمة الاقتصادية العميقة التي يواجهها البلد حاليًا، والمتمثلة في تراجع الناتج المحلي الإجمالي، وتوقف جزء كبير من الأنشطة الاقتصادية والبرامج الاستثمارية الحكومية، إضافة إلى انحسار الاستثمارات الخاصة، وانسحاب أغلب المستثمرين الأجانب، وخروج رأس المال المحلي للخارج بحثًا عن بيئة آمنة، إلى جانب تعليق العديد من برامج المنح والقروض الخارجية.
وقال المحلل الاقتصادي، ماجد الداعري، إن الوضع الاقتصادي، "أصبح على شفى كارثة تنذر بمزيد من العجز الحكومي والانهيار المصرفي وانسداد الأفق الاقتصادي مع استمرار غياب الحلول السياسية والتفاهمات الوطنية وإعلان الحوثيين إقحام اليمن في الحرب الإسرائيلية على غزة، وتجاهلهم ما لذلك من تداعيات اقتصادية وسياسية على اليمن عمومًا".
وأشار، إلى أن جميع الخيارات مغلقة وشبه منعدمة أمام الحكومة الشرعية، لمواجهة الأزمة الاقتصادية المستفحلة، في ظل تعثّر مفاوضات السلام الشاملة لإيقاف الحرب، وبدء مرحلة توافق وطني واستئناف تصدير النفط والغاز، وتوحيد السياسة النقدية وسعر صرف العملة المحلية المنهارة بشكل متسارع اليوم أكثر من أي وقت مضى.
وأضاف أن الحكومة – وفق تقديره – لن تكون قادرة ابتداءً من الشهر المقبل، على دفع مرتبات موظفيها في المناطق المحررة، بعد نفاد المنحة المالية المقدمة من المملكة العربية السعودية والمقدرة بـ1 مليار و200 مليون دولار، لصرف المرتبات والنفقات الحكومية، "وليس لسدّ عجز موازنة الحكومة غير الموجودة أساسًا، مع وصول نسبة عجز مديونيتها لدى البنك المركزي إلى قرابة 5 تريليون ريال ولأول مرة في تاريخ البلد".
في غضون ذلك، تواصل العملة المحلية انهيارها المتسارع، مسجلة أدنى قيمة لها منذ نحو عامين، إذ وصل سعر الدولار الأمريكي الواحد، في تداولات السوق المصرفية السوداء، في العاصمة المؤقتة عدن مساء أمس السبت، إلى 1525 ريال يمني.
ويرى الصحفي اليمني، عبدالرحمن أنيس، أن بقاء الريال اليمني على هذا الحال "يعني مجاعة مرتقبة وعدم قدرة مئات الالاف من الناس على توفير وجبات الأكل اليومية، فضلا عن أي احتياجات أخرى".
*من إرم نيوز