آخر تحديث :الأحد-01 سبتمبر 2024-07:05ص

ملفات وتحقيقات


تحليل.. كيف سيواجه المواطن العادي حالة الارتفاعات الجنونية؟

الأحد - 05 نوفمبر 2023 - 07:21 ص بتوقيت عدن

تحليل.. كيف سيواجه المواطن العادي حالة الارتفاعات الجنونية؟

(عدن الغد)خاص.

تحليل لأسباب الارتفاع الكبير بأسعار المواد الغذائية نتيجة انهيار سعر الصرف بالمناطق المحررة..

إلى متى سيستمر الناس بدفع ضريبة الارتفاعات في قوتهم الأساسي؟

لماذا لا توجد سياسة حكومية تحمي السلع الأساسية من أي ارتفاعات؟

لماذا لا تعود الدولة إلى دعم القوت الرئيسي لغالبية اليمنيين؟

لماذا يرفع تجار عدن الأسعار وقتما شاؤوا على العكس من صنعاء؟

أين دور الجهات الرقابية بوزارة التجارة والبنك المركزي؟

إلى متى سيظل التجار هم المتحكمون بأسعار المواد الغذائية بدون أي رقابة؟

 (عدن الغد) القسم السياسي:

عام بعد آخر، ينتظر اليمنيون البسطاء عبثا أن تتحسن ظروفهم المعيشية والاقتصادية، غير أن شيئا من ذلك لا يحدث إطلاقا، بل على العكس من ذلك، تتزايد الأعباء المعيشية على المواطنين، لتنقطع آمالهم وتطلعاتهم بتغيير الواقع الذي يكابدونه منذ نحو تسع سنوات.

فانهيار العملة المحلية يتواصل بشكل شبه يومي، وسط غياب أية بوادر لتعافي الريال اليمني، بينما تستمر تأثيرات هذا الانهيار على مختلف قطاعات المعيشة المرتبطة بحياة الناس المباشرة، وخاصةً ما يتعلق بارتفاع أسعار المواد والسلع الغذائية الأساسية، والتي يعتمد عليها غالبية الشعب وتمثل قوتهم اليومي الرئيسي.

حتى بات المواطن البسيط غير قادر على تأمين أساسيات الحياة واحتياجات أسرته وأطفاله الرئيسية كالدقيق والأرز والسكر، ناهيك عن بقية الاحتياجات الأخرى من إيجارات وملبس ومشرب ومصاريف المدارس، في ظل عجز أي راتب مهما كان كبيرا عن تلبية هذه المطالب، في ظل ارتفاعات أسعار الصرف وبالتالي تأثر الأسواق وأسعار السلع بهذا الوضع.

قد تكون الحرب المستمرة كل تلك السنوات هي المتسببة بكل هذه المعاناة الاقتصادية، التي تورطت فيها كافة أطراف الصراع، غير أن الطرف الوحيد الذي يدفع ضريبة كل تلك الأوضاع المعيشية المتردية هو المواطن البسيط المسكين، وهو الطرف الوحيد غير القادر على تغيير هذا الواقع السيئ.

وهذه المفارقة المؤلمة ناتجة عن انغماس الأطراف السياسية في التحالف العربي والحكومة الشرعية وحتى المجلس الانتقالي الجنوبي من جهة، وانغماس مليشيات الحوثي الانقلابية من جهة أخرى في العمل على مصالحهم الذاتية وإهمال وتناسي (بشكل متعمد) ما يواجهه المواطنون ما دامت مصالح أطراف الحرب تتحقق.

وهذا ما يؤكده الواقع المعيشي والاقتصادي الذي لم تلتفت إليه تلك الأطراف ولم تهتم بمعالجة التردي الذي ضرب كافة نواحي الاقتصاد الوطني، كانهيار العملة المحلية، وما ارتبط بها من ارتفاع الأسعار، بل على العكس من ذلك، حيث تم توظيف هذا الوضع للابتزاز والضغط السياسي بين الأطراف السياسية المتورطة في الحرب، لتتحول حرب الساسة والعسكريين إلى حرب اقتصادية بامتياز.

وللأسف، فإن الحرب الاقتصادية هذه، لا أحد يواجهها ولا يقف أمام جبروتها وتداعياتها سوى بسطاء المواطنين ممن لا حول لهم ولا قوة في درء تأثيراتها، بينما تستفيد أطراف الحرب مما بات يُعرف في الراهن بأنه (اقتصاد الحرب) الذي نتج عنه تشكل فئة لا تسعى أبدا إلا إطفاء نيران هذه الحرب، بل تعمل على إضرام حرائقها ورفض جهود السلام حتى تستمر فوائدهم من الحرب على حساب المواطن المسكين.

مآلات الوضع وعجز الحكومة

لا أحد يعلم إلى متى يمكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه من التردي الاقتصادي والمعيشي، واستمرار تقهقر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، باعتبار هذه العملة (ترمومتر) الاقتصادي الوطني، كلما تراجعت قيمتها زادت وارتفعت الأسعار، التي لا يمكن أن يصمد أمام ارتفاعاتها أي مرتب لأي موظف عادي.

وهذا يقود المواطن البسيط إلى أن يتكبد وحده عناء دفع ضريبة هذا التدهور من قوته وأمواله، وتتضرر بناءً على ذلك أسرته وعائلته وأولاده، دون أن يجد مآلا لكل هذا التردي والتدهور في ظل عجز حكومي كامل في المناطق المحررة عن القيام بأية حلول أو معالجات لصالح المواطن، بالتوازي مع إجراءات تقوم بها مليشيات الحوثي تعقد الوضع الاقتصادي وتجعله منقسما بين الشمال والجنوب.

يدرك اليمنيون أن الحوثيين الانقلابيين لا يمكن أن يعملوا على تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد بقدر ما قد يتسببون بتأجيجه والعمل على مزيد من انقسام العملة، ومنع تصدير الموارد النفطية، وبالتالي مزيد من التدهور المعيشي، في المقابل فإن اليمنيين يتوقون إلى ما قد تقوم به الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا انطلاقا من التزاماته تجاه مواطنيها ورعايتها.

غير أن ما ينتظره اليمنيون من الحكومة لم يأتِ بعد، ويبدو أنه لن يأتي، في ظل العجز الذي تعاني منه الحكومة الشرعية في معالجة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية التي تعاني منها البلاد، كما أن عدم تدخل دول التحالف العربي الغنية لانتشال الوضع الاقتصادي في اليمن يثير الكثير من علامات الاستفهام.

فلا توجد أية سياسات حكومية أو من قبل التحالف العربي باعتباره متدخلا ومتداخلا في الشأن اليمني، للدفع بالاقتصاد اليمني نمو مستويات التحسن والتعافي، حتى الودائع البنكية المالية التي قدمتها دول التحالف لم تكن في مستوى التدهور الذي ضرب كل نواحي الاقتصاد الوطني.

خاصة أن التدهور بات اليوم يهدد القوت الأساسي لملايين اليمنيين، الذين تحدثت التقارير الدولية والأممية عن تضرر أكثر من ثلثي المواطنين في اليمن نتيجة الوضع المعيشي والاقتصادي، وتوقف المنظمات الخارجية عن دعم الشعب بالمساعدات الإغاثية، بينما لم تواجه الحكومة هذا التراجع في حجم المساعدات بأي معالجة ممكنة لإنقاذ رعاياها.

حماية القوت الأساسي

ليس أمام المواطنين من ملاذ لتوفير قوت أبنائهم الأساسي، ومواجهة الارتفاعات الجنونية لأسعار السلع الغذائية، سوى البحث عن مزيد من فرص العمل لزيادة الدخل المالي لهم، غير أن هذه المهمة ليست بالسهلة، في ظل انتشار اقتصاد الحرب، وعدم وجود فرص عمل كافية ومناسبة.

وهذا يضع أمام الحكومة الشرعية مسئولية حماية السلع الأساسية لضمان عدم وقوع وسقوط الغالبية العظمى من الشعب في براثن الفقر والعوز والحاجة، كأن تقوم مثلا بدعم السلع الأساسية كالقمح والأرز والدقيق والزيوت وغيرها من المواد الرئيسية، كما يحدث حاليا في جمهورية مصر العربية مثلا، وحمايتها من الارتفاعات المتأثرة بتردي سعر الصرف.

وتلك السياسية التي تتبعها مصر منذ عقود طويلة، ساعدت على تأمين قوت الناس اليومي بشكل مناسب ويلائم قدرات المواطنين الشرائية، ويحفظ الطبقة المتوسطة من التآكل وسقوطها إلى مستنقع الفقر، وهي سياسية اقتصادية يتمنى مراقبون أن تقوم الحكومة اليمنية بتنفيذها، انطلاقا من مسئولياتها الأخلاقية.

إلا أن الحكومة لا تمتلك مثل هذه السياسة التي كانت متبعة قبل تحقيق الوحدة اليمنية، ليس في الجنوب فقط بل حتى في الشمال أيضا، وهو ما ساعد الدولتين قبل الوحدة على ضمان استقرار تمويني وقدرة المواطنين على توفير القوت الأساسي، مهما كان مستواهم المعيشي متفاوت، وهذا ما لا يتوفر اليوم بسبب سياسة السوق المفتوحة، والاستيراد المنفلت، وبالتالي تأثيره بأسعار صرف العملات الأجنبية.

قد يتحدث البعض عن وجود تسهيلات من البنك المركزي اليمني للتجار المستوردين للسلع الأساسية، تتضمن تقديم سعر صرف أقل للعملات الأجنبية؛ بهدف تسهيل استيراد البضائع الرئيسية، وهذا يهدف إلى ضمان وصول السلع بأسعار مناسبة للمواطنين، غير أن التجار والمستوردين يخالفون تسهيلات البنك المركزي ويبيعون السلع الأساسية بسعر السوق، وأحيانا بأسعار السوق السوداء.

وهذا ما يجعل من التجار يتمادون في ممارسات غير أخلاقية ولا تتناسب مع وضع المواطن المكتوي بنيران ارتفاعات الأسعار وتدهور العملة المحلية، خاصة مع غياب دور الجهات الرقابية في الدولة، كوزارة الصناعة والتجارة، وعدم تعامل البنك المركزي بحزم وشدة مع التجار الذين يقدم لهم تسهيلات بالعملة الصعبة من أجل استيراد البضائع الأساسية.

غياب الرقابة على التجار

يواصل التجار في عدن والمدن المحررة التصرف والتحكم بأسعار السلع الأساسية تحت مبرر ارتفاع أسعار الصرف، رغم أنهم يحصلون على تسهيلات بنكية توفر لهم العملات الأجنبية بأسعار أقل بكثير من تلك التي تتعامل بها الصرافون في السوق، إلا أن هذا التحكم لا يلقى أي معارضة من الجهات الحكومية المعنية.

ويقوم التجار في عدن والمناطق المحررة برفع الأسعار وقتما يشاؤون دون أدنى حياء من ذواتهم، ودون أي رقابة من الجهات المسئولة، على العكس تماما مما يجري في صنعاء الخاضعة لسيطرة المليشيات الحوثية من حضور الدولة التي يمثلها الحوثي، من خلال منع وإيقاف وحبس التجار المخالفين الذين يقومون برفع الأسعار، وهذا ما لا يحدث في عدن.

فوزارة الصناعة والتجارة في عدن ومناطق الحكومة، وباعتبارها الجهة المعنية بضبط المخالفات لا تقوى على القيام بدورها كما يجب تجاه التجار المخالفين للتسعيرات، بل إن دورها يقتصر على فرض عملية كتابة ورفع التسعيرات، دون مراقبة العملية الفعلية للبيع والشراء للمواطنين، والتي تتجاوز أحيانا كثيرة موضوع ارتفاع سعر الصرف.

وهذا القصور يعزز غياب الدولة وأجهزتها الضبطية، ويجعل من التجار هم المسيطرين والمتحكمين في السوق، دون أي وجود لوزارة بحجم الصناعة والتجارة، تماما كما فعل ويفعل الصرافون في سوق الصرف في ظل غياب أي دور من البنك المركزي اليمني في عدن، وباعتبار أن العمليتين مترابطتين فإن المحصلة النهائية هي الجوع الحتمي بالنسبة لمن لا يجد قوت يومه.

ووضع كهذا، يجعل المواطن يشعر ألا أحد يقف بجانبه في مواجهة غول التسعير الذي صار يهدد قوته الأساسي ويدفع فئات كبيرة من المنتسبين إلى الطبقة الوسطى نحو الدرك الأسفل للفقر، بينما الدولة تغط في سبات عميق.