يكتفي قادة الأحزاب في اليمن، الذين ينضوون في إطار الحكومة الشرعية، بتلقي أخبار المفاوضات السياسية بين السعوديين والحوثيين، بوساطة عُمانية، من وسائل الإعلام، مثلهم مثل المواطن العادي، وهم الذين كان يفترض بهم أن يكونوا جزءاً من صناعة المشهد السياسي للبلد المكتوي بنار الحرب منذ أكثر من ثماني سنوات.
هذا الأمر يطرح علامات استفهام عن دور الأحزاب في اليمن في ظل تراجع الصوت المدني لصالح صوت الجماعات والتشكيلات المسلحة التي أفرزها الانقلاب والحرب التي تلتها. وباتت الجماعات المسلحة تتوزع في البلاد، فجماعة الحوثيين تسيطر على شمال البلاد، و"المجلس الانتقالي الجنوبي" يسيطر على المحافظات الجنوبية، فيما تسيطر الألوية التابعة لطارق صالح و"ألوية العمالقة" التابعة لعضو مجلس القيادي الرئاسي أبو زرعة المحرمي على الساحل الغربي.
هذا الواقع يدعو للتساؤل عن دور ومستقبل الأحزاب في أي اتفاق سياسي لحل الأزمة اليمنية، وما إذا كان سيتم تغييب دورها لصالح الجماعات المسلحة. كما يقود للتساؤل عن مستقبل الحياة الحزبية في اليمن وفقاً للمجريات الحاصلة، في ظل ارتفاع صوت الجماعات والتشكيلات المسلحة.
يقول عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني أسعد عمر، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا توجد حتى الآن أي مفاوضات. المسموع عنه هو تحركات ومساع يبذلها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، والأشقاء في السعودية، وسلطنة عمان، وأيضاً المبعوث الأميركي (تيم ليندركينغ)، والاتحاد الأوروبي، وهي تحركات وتواصل مرتكزة على الجانب الرسمي".
لا لقاءات بين الأحزاب وقيادة المجلس الرئاسي
ويلفت إلى أنه "حتى الآن لم تتضح نتائج تلك التحركات، ولم تعقد الأحزاب أي لقاءات رسمية مع قيادة الدولة في المجلس الرئاسي والحكومة لتضعها في الصورة وأخذ رأيها، وهو ما ينبغي أن يحصل، وعلى أمل أن يحدث هذا قريباً".
ويشير عمر إلى أن "الأحزاب حذرت في بيان، أخيراً، من أي خطوة تؤدي لتغييبها، ولا أعتقد أن هذا سيكون في صالح العملية السياسية، ولا في صالح حتى قيادة الشرعية، كون الأحزاب شريكاً رئيسياً مسؤولاً عن إدارة المرحلة، وتتشكل منها الحكومة والبرلمان، وبالتالي هي معنية بالاشتراك في اتخاذ القرار تجاه ما يجري".
ويتابع: "لا أتوقع أن يفوت هذا على رئيس مجلس القيادة (رشاد العليمي)، وهو كان فاعلاً رئيسياً في الوسط القيادي للأحزاب، ولا على أعضاء المجلس والحكومة، فالمرحلة تقتضي الحفاظ على الشراكة والتوافق، ونجاحهم مرهون بذلك".
وعن مستقبل الحياة الحزبية، يشير عمر إلى أن "الواقع الصعب الذي تعيشه الأحزاب، وانحسار دورها ووجودها في ظل ما يجري من تجريف سياسي، وتشويه لدورها وضعف أدائها في مواجهة ذلك، بالتوازي مع وجود تشكيلات موازية بطابع مناطقي وجهوي، وانتشار السلاح، والفصائل المسلحة التي برزت بسبب الانقلاب، كل هذا يهدد مستقبل العملية السياسية برمتها".
ويعتبر أن "أي عملية سلام، أو تحول، لن تراعي هذا وتتدارك آثاره سيكون مآلها الفشل، إذ إن العملية السياسية تتطلب أدوات، تأتي الأحزاب على رأسها. كما أن البديل لها هي التركيبات والتشكيلات المناطقية والطائفية".
المستقبل يتطلب دعم الأحزاب السياسية
ويقول عمر إن "أحد أهم الحلول لإيقاف الحروب في اليمن، وتحقيق السلم، هو انتقال المليشيات إلى مكونات سياسية سلمية. أي أن المستقبل يتطلب العمل بشكل منهجي على دعم الأحزاب السياسية، ودعم المكونات المسلحة للتحول لأحزاب والانخراط في التنافس الديمقراطي على إدارة البلد مع بقية المكونات السياسية وفقاً للدستور والقانون أو الشراكة".
ويشدد على أن "العمل الغوغائي، الذي يضرب بنية الحياة السياسية وتركيبتها الحزبية والمدنية، لن يخدم مستقبل السلام في اليمن، ولن يهيئ للاستقرار بالمنطقة، وهذا ما يجب أن يقف الجميع في وجهه، على المستوى الوطني والإقليمي والدولي".
ويقول عضو اللجنة المركزية للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري توفيق المقطري، لـ"العربي الجديد"، إنه يجب التنبه إلى أن الأحزاب ليست على مستوى أو صعيد واحد، بحسب تقييمنا لمواقفها تجاه القضايا الوطنية، وتأثيرها في أداء السلطة، التي يفترض أن تكون سلطة شراكة وطنية".
وبرأي المقطري، فإن "هذا سيتطلب منا كناصريين أن نطرح موقفنا من سلطة الحوثيين والسلطة الشرعية وأدائها، وخروجها عن مبدأ التوافق والشراكة الوطنية".
ويتوقف عند مبادرات التنظيم الناصري لما سماه "خلق اصطفاف أو تحالف وطني مرشد لأداء السلطة ومواجه لانحرافاتها، وداعم لوظيفتها كسلطة وطنية"، قائلاً إنه "كان يمكن في حال الأخذ بها أن تصنع واقعاً مختلفاً".
لا سلام مستداماً باليمن قبل حل المليشيات
وبرأي المقطري، فإنه "لا يمكن المراهنة على سلام عادل مستدام قبل حل المليشيات العسكرية، وإعادة هيكلة وبناء جيش وأمن وطني ضامن لإعادة بناء مؤسسات الدولة، وضمان قيامها بوظائفها في مرحلة انتقالية، ووضع دستور يُقر وطنياً، وإجراء انتخابات نزيهة على ضوء ذلك".
ويستغرب المقطري "مطالبة البعض بأن تتحول المليشيات العسكرية إلى أحزاب سياسية، فهذا أمر غير ممكن، ولا يضمن عدم تجدد الصراع المسلح بين أطراف ستفرض منذ البداية هيمنتها في مناطق نفوذها، وستتخذ من قوة السلاح ضمانة لحماية مصالحها. فكيف ستقام دولة وطنية في وضع كهذا؟".
انقلاب الحوثيين أصاب الحياة الحزبية بمقتل
من جهته، يقول الناشط السياسي مختار العامري، لـ"العربي الجديد"، إنه مع انقلاب الحوثيين على الدولة في سبتمبر/ أيلول 2014 أصيبت الحياة الحزبية بمقتل، فتوارى دور الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بشكل عام أمام بروز صوت الجماعات المسلحة.
ويشير إلى أن "الحرب، التي أعقبت الانقلاب الحوثي، أنتجت جماعات مسلحة في طول البلاد وعرضها، من جماعة الحوثي إلى الانتقالي، وصولاً للقوات المشتركة في الساحل، وللأسف الشديد أصبحت هي المتحكمة بالمشهد السياسي للبلد".
ويعرب العامري عن اعتقاده بأن "أي اتفاق سياسي سيكون بين القوى التي تمتلك قوى مسلحة على الأرض، وهذا الأمر يمكن قراءته مثلاً من خلال مجلس القيادة الرئاسي، الذي تم تشكيله من القوى التي تملك نفوذاً عسكرياً على الأرض، فيما تم تغييب القوى السياسية والحزبية، وإن كان بعض الموجودين فيه محسوبين على أحزاب المؤتمر والإصلاح، إلا أن تمثيلهم لم يكن حزبياً وإنما بحسابات عسكرية، وهذا الأمر يعد مؤشراً إلى أن المرحلة الانتقالية القادمة ستتقاسمها القوى التي تملك كيانات عسكرية مسلحة".