آخر تحديث :الثلاثاء-22 أكتوبر 2024-03:23ص
ملفات وتحقيقات

التعايش.. ثقافة مجتمعية لم تلوثها الحرب في عدن

الثلاثاء - 26 سبتمبر 2023 - 10:47 م بتوقيت عدن
التعايش.. ثقافة مجتمعية لم تلوثها الحرب في عدن
عدن (عدن الغد) خاص:

تقرير/ دينا المدني

 

على الرغم من التحديات والضغوطات التي شكلها النزوح والتدفق الكبير للناس بمختلف الأجناس والألوان إلى مدينة عدن جنوبي البلاد خلال سنوات الصراع الدائر، إلا أن المجتمع هناك ما يزال متمسكًا ومحافظًا على ثقافة التعايش مع المجتمعات النازحة والأقليات العرقية رغم سوء الأحوال والظروف الاقتصادية.

إذ يعتبر المجتمع العدني واحدًا من أكثر المجتمعات التي تتميز بالتنوع الثقافي على مستوى البلاد بشكل لافت، وتتأثر ثقافة المدينة بتباينات المجتمعات وتنوعها العرقي والديني واللغوي، حيث يعيش فيها اليمنيون من مختلف الأعراق والأديان والثقافات.

 

التعايش "مبدأ"

تحكي الثلاثينية من أبناء المدينة، بشرى الهاشمي، موقفها الذي تخلله مبدأ التعايش والسلام مع إحدى الأسر النازحة من فئة ذوي البشرة السوداء التي كانت تسكن في المدرسة المجاورة لمنزلهم، بعيدًا عن "العنف والعنصرية"، حيث تقول بأنها عندما تشاجرت شقيقتها مع طفلة تنتمي لتلك الأسرة، ذهبت إلى والدتها وأخبرتهم بالأمر.

وتوضح بأنها لم تتعامل مع الأمر بنظرة "التمييز والعنصرية واستخدام القوة أو العنف"، بل حلت المشكلة بالتفاهم والحوار مع أسرة الطفلة ومنذ ذلك الحين بدأ التقارب أكثر بين الأسرتين الجارتين بعيدًا عن الفوارق التي اعتاد أن يضعها المجتمع خاصة بالنسبة لأقلية ذوي البشرة السوداء.

تضيف بشرى، "بعد أن ذهبت للتحدث مع والدة الطفلة، بدأت تتكون علاقة جيدة وتعرفنا على بعضنا أكثر، وكنت اعزمها عندنا تجي تغير جو ونتبادل الأحاديث وكل شيء كأي جيران بشكل طبيعي".

 وتتابع: " حقيقة ما قد شفت زي كرمهم وطيبتهم وكنت وما زلت أتعامل أني وأسرتي معهم ومع النازحين كلهم خصوصا من هذه الأقلية كبقية الناس بدون أي عنصرية"، مؤكدةً بأنها وأسرتها لا يضعون أي فوارق مجتمعية وعرقية للتعامل مع الناس والبيئة المحيطة.

 

مساحة آمنة

وجدت الكثير من الأسر النازحة وخاصة أبناء أقلية ذوي البشرة السوداء في مدينة عدن المساحة الآمنة لممارسة الحياة الطبيعية ومختلف الأشغال بعدما شردتهم الحرب من قراهم ومناطقهم، ويعود ذلك إلى تماسك المجتمع الذي عجزت الحرب عن التأثير في هيكله وباكورة المبادئ والقيم الاجتماعية.

وفي هذا الصدد يقول أستاذ علم الاجتماع، الدكتور جلال عبدالله فارع، إن المجتمع في عدن عرف بتعايشيه منذ أكثر من مائة وتسعة وعشرون عاما ومجتمع المدينة أساسا متكون من كل الأجناس العربية والأعجمية والتاريخ خير شاهدا على ذلك.

ولتأكيد قوله، يستشهد فارع بنص للكاتب والمؤرخ الفرنسي "بول نيزان" الذي زار المدينة في أوائل القرن العشرين وكتب في مؤلفاته حول جمال عدن وطيبة أهلها وكرم الضيافة، قائلا: "إنها مدينة ساحرة، تفتح أبوابها لجميع من ينشدها، ومجتمعها متسامح".

ويتابع حديثه: "نجد عدن دومًا تحتضن الجميع دون قيود ودون فوارق أو تمييز أو عنصرية، وهي المدينة التي لم تنتظر الجميل من أحد بقدر ما تبحث عن السلام من الجميع وتتعايش مع الكل".

وبحسب تقارير أممية، بلغ عدد النازحين الوافدين إلى محافظة عدن نحو 52275 نازحًا ونازحة داخل المخيمات وخارجها، فيما بلغت عدد المخيمات بلغت 27 مخيمًا وعدد النازحين داخلها فقط 13697 نازحًا ونازحة.

 

الإيواء الحقيقي

يحتفظ المجتمع العدني بقيم قوية تؤكد على التعايش والتسامح ويشجع على مبدأ القبول بالآخر واحترام تنوع الثقافات والمعتقدات، وقد تكون هذه القيم أكثر أهمية في ظل الحرب خصوصا وأن بعض المجتمعات بالبلاد تواجه حالة من العدائية والانقسامات المحتملة. 

وفي هذا الشأن، يقول رئيس المجلس الوطني للأقليات في اليمن، نعمان الحذيفي، إن عدن دائما كانت تمثل فكرة التعايش الحقيقي الذي نأمله ونتطلع اليه وبكل تأكيد عدن منذ اندلاع الحرب لجأ إليها الكثير من أبناء اليمن من مناطق الشمال ومناطق الصراع بمن فيهم المهمشين من المحافظات الشمالية.

ويتابع :" هناك مهمشين من عام 1990 في عدن ما يعني أنه على مر التاريخ وعدن تشكل الأيواء الحقيقي لكل القادمين إليها، وفي الحقيقة عدن ضربت نموذج في التعايش وتعايش المجتمع الجنوبي والمجتمع العدني بشكل عام مع الاقليات وخاصة فئة المهمشين".

وكانت قد برزت في الفترة الأخيرة دعاوي بأن النازحين يهددون السلم الاجتماعي للمدينة والجنوب، وهنا، يشير الحذيفي إلى أن هذه الكتابات هي كتابات فردية لا تعبر عن أبناء عدن ولا تعبر عن ثقافة المواطن الجنوبي وثقافة أبناء عدن خاصة.

ومنذ زمن بعيد وعدن تحتضن الجميع خاصة في أوقات الأزمات ويعايش المجتمع في المدينة مع أقليات كثيرة عوضًا عن المهمشين والنازحين، مثل الطائفة البهائية والطائفة المسيحية، مُجسدًا بذلك أبهى صور التعايش والتنوع الاجتماعي والسلم المجتمعي.

 

 

أنتجت هذه المادة ضمن مشروع "تقاطعات" الذي تنفذه مؤسسة نسيج للإعلام الاجتماعي بدعم من مركز الحوار العالمي (كايسيد).