آخر تحديث :الثلاثاء-22 أكتوبر 2024-03:23ص
ملفات وتحقيقات

تقرير: تغير لغة الخطاب.. الخطوة الأولى لإنهاء الحرب

السبت - 23 سبتمبر 2023 - 11:18 ص بتوقيت عدن
تقرير: تغير لغة الخطاب.. الخطوة الأولى لإنهاء الحرب
(عدن الغد)خاص.

تقرير يتناول مفردات الخطاب السياسي للحوثيين بعد عودتهم من مشاورات الرياض..

ما دلالة تغير مفردات الخطاب السياسي لدى الحوثيين تجاه الأشقاء في المملكة وخصومهم في الداخل؟

هل هناك نتائج إيجابية في مفاوضاتهم مع الجانب السعودي تجعلهم يغيرون خطاباتهم العنترية؟

كيف نقرأ اختفاء صور الوسيط العماني من الاجتماع الذي جمع "بن سلمان" والوفد الحوثي؟

هل هناك عودة للوفد الحوثي إلى الرياض أم عودة اللاعودة؟

ما التحذيرات التي أطلقها الرئيس العليمي في كلمته أمام الجمعية العامة بشأن التفاوض مع الحوثيين؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

يشهد الخطاب السياسي العدائي لقادة المليشيا الحوثية، تراجعا ملحوظا وتحولا كبيرا في الآونة الأخيرة، منذ أن عادوا من مشاورات الرياض الثلاثاء الماضي.

في خطاب رئيس ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى مهدى المشاط أول أمس الخميس وبمناسبة الذكرى التاسعة لانقلابهم على الدولة اليمنية في 21 سبتمبر 2014م، لاحظ المراقبون اختفاء مفردات "العدوان" وتحولها إلى "حرب دامية" ومن "تحالف العدوان" إلى "قيادة التحالف"، ومن "مملكة الشر" إلى "القيادة السعودية"، ومن "خونة وعملاء ومرتزقة" إلى "خصوم الداخل أو الخصوم المحليين".

ومنذ أن ظهرت الصورة التي غاب عنها الوسيط العماني وجمعت وفدهم التفاوضي، بوزير الدفاع السعودي والممسك بملف اليمن الأمير خالد بن سلمان في الرياض ليلة مغادرتهم الرياض إلى صنعاء، والمؤشرات تؤكد أن الخطابات النارية لقادة الحوثيين في طريقها إلى الزوال.

وعلى الرغم من لين القول في الخطاب السياسي وتواصل المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار مع الرياض، إلا أن الحوثيين واصلوا إرسال رسائلهم عبر العرض العسكري الذي أقاموه في ميدان السبعين بالعاصمة اليمنية صنعاء أول أمس الخميس، وعرضت الجماعة المتمردة ما قالت إنها صواريخ باليستية وطائرات مسيرة، في رسالة إلى خصومها في الداخل والتحالف الذي تقوده السعودية.

وشهد مسار السلام اليمني تعثرا كبيرا، إلا أن السنتين الأخيرتين يبدو أن المبادرة السعودية ذات النقاط الأربع التي أعلنها الأمير فيصل بن فرحان في العام 2021، كانت نقطة بداية جيدة للحوار الذي يجري اليوم بين الجانب السعودي والحوثيين.

خطاب يخلو من العنتريات

يتساءل المتابعون لماذا تخفف المشاط هذه المرة من الخطاب العدائي تجاه الذين خاض معهم حربا تقارب التسع سنوات؟

وهل لذلك علاقة بمكاسب سياسية واقتصادية ما، قد تحققت في المفاوضات الثنائية التي جرت في الرياض قبل بضع أيام؟

يرى مراقبون أن خطاب "المشاط" كان واضحا ومتوافقا مع تصريح وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان الذي نشره على حسابه في منصة (إكس)، الذي أكد من خلاله جدية وإيجابية المفاوضات، والتوافق على خارطة السلام العادل والشامل، ولم يتبقَّ سوى الإخراج النهائي لهذا الاتفاق.

في نفس السياق يقول "المشاط" إنه كان قد أعد خطابا مختلفا تماما، لكنه أجله في اللحظة الأخيرة، على أمل ألا يضطر للعودة إليه في أي مناسبة قادمة، حسب زعمه.

وعبر "المشاط" عن سروره بما نقله الوفد الحوثي عن القيادة السعودية و "قيادة التحالف" الذي تشتبك معه جماعته في حرب دامية منذ العام 2015، ووصف النقاشات التي جرت في الرياض بالإيجابية.

لم يكتفِ "المشاط "بذلك، بل ذهب إلى القول بأن "صنعاء جاهزة لمعالجة أي مخاوف لدى الرياض بقدر جاهزية الرياض لمعالجة مخاوف صنعاء"، فهل هناك ثمة من رسائل تطمينيهة للسعوديين يقدمها المشاط وجماعته أكثر من ذلك، فلا حديث هذه المرة عن عدوان ودماء ولا شهداء ولا ضحايا ولا حصار ولا تجويع– يقول مراقبون.

من الملاحظ أن لغة الخطاب للمشاط خلت من أوصاف عادة ما يطلقها على اليمنيين المناوئين لمشروع جماعته في هكذا مناسبة، إذ ما هم هذه المرة إلا "خصوم محليين" يدعوهم للعودة إلى جادة الصواب والمضي معهم في السلام واحترام الوطن والشعب على أساس من قداسة "السيادة والاستقلال"، وكذا للخروج على نحو فوري من تحت عباءة الخارج ومغادرة أي اصطفافات خارجية ضد أبناء بلدهم، على أساس أن صنعاء كانت وما تزال تقاتل وتناضل من أجل السلام وإنهاء هذه الحرب (العدوانية) وليس المشاط وجماعته هم مصدرو منطلق هذا العدوان على اليمنيين ودول الجوار.

في سياق متصل تحدث رئيس الوفد التفاوضي الحوثي محمد عبد السلام بلغة دبلوماسية عن المساعي العمانية لدعم السلام وإنهاء الأزمة الإنسانية، وحديث عن اللقاءات المكثفة التي تم عقدها مع "الجانب السعودي" ثم الوصول معه إلى مناقشة بعض الخيارات والبدائل لتجاوز قضايا الخلاف التي وقفت عندها الجولة السابقة.

الصورة تتحدث

أثارت صورة الأمير خالد بن سلمان مع الوفد الحوثي التي نشرها في صفحته في غياب الوسيط العماني أسئلة عدة.

فهناك من تساءل هل هذه مفاوضات ونقاشات أم أن وفد الحوثي قد تم احتواؤه سياسيا من الجانب السعودي؟

يرى محللون أنه في حال كان اللقاء من صميم المفاوضات أو ضمن جدولها، فإن عدم حضور الوسيط العماني يكون قد قدم خدمة للسعودية بأنها هي الوسيط فعلا.

من جانب آخر وصف مسؤولون سعوديون المحادثات التي أجروها في الرياض على مدى خمسة أيام بالجدية والإيجابية، معربين عن تفاؤلهم بإمكانية التوصل إلى خريطة طريق لوضع حرب اليمن على سكة الحل رغم عدم الخروج باتفاق واضح.

ومن دون نشر تفاصيل رحبت الخارجية السعودية بنتائج النقاشات التي وصفتها في بيان، بـ "الإيجابية" و "الجادة"، نحو التوصل إلى خريطة طريق لدعم مسار السلام اليمني.

وأوضح البيان أن اجتماع فريق التواصل والتنسيق برئاسة السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، الذي زار صنعاء خلال أبريل الماضي، خرج بنتائج أبرزها التوصل إلى العديد من الأفكار والخيارات لتطوير خريطة طريق تتوافق عليها الأطراف اليمنية كافة، مشيرا إلى أن اجتماعات الرياض استكملت ذلك مع "وفد صنعاء".

وأكد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقابلة مع قناة فوكس نيوز الأمريكية، أن بلاده من أكبر الدول التي قدمت مساعدات لليمن، في الماضي والحاضر وستقدم المزيد في المستقبل، مضيفا نريد أن نبدأ الاستثمار في اليمن اقتصاديا وفي المجالات كافة.

 

وقال "بن سلمان" إنه لا يوجد اتفاق سياسي حتى الآن، وأن بلاده ومنذ اليوم الأول تريد أن يكون هناك حياة طيبة لليمنيين، وأن المملكة تريد تحقيق تقدما ونموا كبيرا وتخلق اقتصادا مذهلا، فهي في حاجة إلى منطقة مستقرة ولا تريد مشاكل في اليمن.

وبدوره قال وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان في أول تصريح رسمي على حسابه في منصة (إكس) عن لقائه بالوفد الحوثي الذي زار الرياض، إنه بغرض استكمال الجهود الرامية لدعم مسار السلام ووقوف المملكة مع اليمن وشعبه الشقيق، وحرصها على تشجيع الأطراف اليمنية للجلوس على طاولة الحوار، للتوصُّل إلى حل سياسي شامل ودائم في اليمن تحت إشراف الأمم المتحدة.

وأضاف "بن سلمان": "نتطلع إلى أن تحقق النقاشات الجادة أهدافها، وأن تجتمع الأطراف اليمنية على الكلمة ووحدة الصف، لينتقل اليمن إلى نهضة شاملة وتنمية مستدامة للشعب اليمني الشقيق، في ظل استقرار سياسي وأمن دائم، يتكامل مع النهضة التنموية للمنظومة الخليجية".

يقول مراقبون إن السعودية ترغب بإنهاء الحرب في اليمن بشكل فعلي، وتسعى إلى أن يحل اليمنيون خلافاتهم بالحوار السياسي بعيدا عن لغة الحرب.

هل هي عودة للتشاور أم عودة اللاعودة؟

كتب القيادي في الحراك الجنوبي آزال الجاوي على حسابه في منصة (إكس) معلقا على عودة الوفد الحوثي إلى صنعاء قادما من الرياض قائلا: "أخشى أن تكون عودة (وفد صنعاء) للتشاور بسبب حصولهم على ما دون سقف توقعهم عند سفرهم وليس العكس، لأنه لو كان العكس كان سيعلن عما تم التوافق عليه وما زاد سيتشاورون به مع قيادتهم ويعودون في جولة جديد في أي وقت".

وأكد "الجاوي" أنه بالإضافة إلى التكتم الشديد في الرياض وفي السفر منها أيضاً، فإن المؤشرات لا تدعو للتفاؤل، مع ذلك يبقى الأمل في إحراز تقدم ما في قادم الأيام.

من الواضح أن المفاوضات قد أعطت تحييد الملف الإنساني من دهاليز الصراعات السياسية الأولوية، فضلا عن تثبيت وقف إطلاق النار وتسليم الرواتب وإطلاق الأسرى، كخطوة أولى تهيئ للانطلاق نحو الحوار السياسي.

وعلى الرغم أن بعض الآراء اليمنية ذهبت إلى ضرورة عدم تجزئة الحل الشامل، لكن آراء أخرى تعتقد أن هذا الاختراق بحد ذاته تقدم نحو الحل وأكثر واقعية وبراغماتية.

ترحيب.. وتأكيد على المرجعيات

مع ظهور توجهات إيجابية فيما بدر من تصريحات إعلامية من الجانب السعودي والحوثيين، فإن الأمور تتجه صوب حل توافقي بين اليمنيين، يفكك كل العقد ويعجل بتسريع مسار الحل النهائي.

وعلى نفس الصعيد، جدد رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي التأكيد على أن السلام المستدام في اليمن، يجب أن يتأسس على المرجعيات الثلاث المتفق عليها وطنيا وإقليميا ودوليا، ويضمن الاحتكام للشرعية الدولية والسلم والأمن الدوليين.

 وحذر العليمي في كلمة اليمن أمام الدورة الـ (78) للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أول أمس الخميس، من أي تراخ من جانب المجتمع الدولي أو تفريط بالمركز القانوني للدولة، أو حتى التعامل مع المليشيات كسلطة أمر واقع، قائلا إن ذلك سيجعل من ممارسة القمع وانتهاك الحريات العامة، سلوكا يتعذر التخلص منه بأي حال من الأحوال.

 وأشار الرئيس العليمي إلى أنه مع استئناف الجهود السعودية العمانية، تتجدد الآمال في رضوخ الحوثيين للإرادة الشعبية والإقليمية والدولية، والاعتراف على أن الدولة الضامنة للحقوق والحريات، وسيادة إنفاذ القانون على أساس العدالة والمواطنة المتساوية هي وحدها من ستجعل البلد أكثر أمنًا واستقرارًا، واحتراما في محيطه الإقليمي والدولي.

 وفي نفس السياق أعلن مجلس الإنقاذ الوطني اليمني الجنوبي تأييده لمشاورات الرياض، واعتبرها خطوة إيجابية تأتي ضمن للوصول إلى السلام.

وطالب المجلس مشاورات الرياض، بالتزام الشفافية وإطلاع الرأي العام بفحوى النتائج والمخرجات التي تم ويتم التوافق عليها، فهي تمس الشعب اليمني بصورة مباشرة، لكونه صاحب الشأن والمعني بأي اتفاقات، وكذلك كونه المتضرر الأكبر من سنوات الحرب وهو من ستنعكس عليه وعلى مستقبله تلك النتائج سلباً أو إيجاباً بوجه خاص، وبطبيعة الحال ستتأثر دول المنطقة جميعها بتلك النتائج التي نرجو أن تصب في مصلحة الجميع.

يرجع محللون سياسيون أن زيارة الحوثيين للرياض، تأتي في ظل تزايد الضغوط بصرف الرواتب من قبل موظفي الدولة، الذي تزامن مع تصاعد الانتقادات السياسية والاحتجاجات الشعبية في مناطق سيطرتهم حول هذه المسألة، وشكل قلقا حقيقيا للجماعة، بالإضافة إلى الضغوط الإيرانية والعمانية التي تمارس على مليشيا الحوثي في الآونة الأخيرة.

ختاما... للوصول إلى السلام لابد من تقديم التنازلات التي قد تكون أحيانا مؤلمة، وفي المراحل الحاسمة والفاصلة تأتي البرجماتية السياسية لتبرر حروبا كبرى أو تسويات كبرى، تمهد لنصر عظيم أو لتنازلات مؤلمة.