قراءة في جهود شخص الرئيس العليمي لتوحيد مكونات الشرعية للدخول في تسوية سياسية مع الحوثيين..
كيف يتحتم على أطراف الشرعية الإنصات لصوت العقل بعد استمرار الحرب كل هذه السنوات؟
كيف سيحاول الرجل توحيد قوى الشرعية للدخول في سلام مع الحوثيين؟
هل يتمكن الرجل من تحقيق تقاربٍ بين الانتقالي وبقية الأطراف الأخرى؟
هل تنجح الشرعية في مواجهة الحوثيين كجبهة موحدة في المفاوضات؟
كيف ستدار المفاوضات لاحقًا عندما تكون كل الأطراف في بوتقة واحدة؟
هل فعلا تحتاج الأطراف السياسية للتوحد خلال الفترة القادمة؟
الأصوات المعارضة للسلام.. كيف ستظهر أمام للعالم كالمنبوذة؟
العليمي في مهمة صعبة لتوحيد كيانات الشرعية للدخول في سلام مع الحوثي.
(عدن الغد) القسم السياسي:
قد يكون رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد محمد العليمي قد جاء من هرم السلطة لكي يتسلم السلطة في اليمن، فهو لم يكن بعيدا أبدا عن دوائر صنع القرار، سواءً في الحكومة أو الرئاسة اليمنية، في سنوات ما قبل الحرب، بل إنه كان ملاصقا وقريبا من المعنيين عنايةً مباشرة بالحكم في البلاد.
ففي سنوات الرخاء والسلام، كان شخص العليمي ظاهرا في السلطة، ومقربا من كبار السياسيين، وتقلد بالفعل العديد من المناصب العليا في البلاد، حتى وصل به الأمر لأن يكون نائبا لرئيس الحكومة اليمنية لشئون الأمن والدفاع، وقبل ذلك كان وزيرا للداخلية في اليمن ونائبا لرئيس الوزراء، ناهيكم عن خبرته في الشئون المحلية حينما تقلد منصب وزير للإدارة المحلية، وجميعها كانت خلال الفترة من عام 2008 حتى عام 2011.
أما في سنوات الحرب والأزمة الحالية التي تعيشها اليمن، فلم يكن خلالها بعيدا أيضا عن دهليز صناعة القرار، فقد كان عضوا في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي انتهى قبيل الانقلاب الحوثي على الشرعية بشهور قليلة، كما عُين مستشارا لرئيس الجمهورية خلال الفترة من عام 2014 حتى عام 2022.
كل هذه الخلفية الخاصة بالرجل كفيلة بأن تمنحه القدرة على أن يكون خبيرا ومختصا بشأن الأزمة في اليمن وتاريخها، ودهاليز اللاعبين المؤثرين فيها داخليا وخارجيا، وبالتالي القدرة على تجميع الفرقاء في جبهة الشرعية اليمنية على كلمة سواء، خاصة أن مجلس القيادة الرئاسي اليمني وُلد متفرقا ومختلفا ومنقسما على نفسه، وهي حقيقة يدركها أعضاء المجلس أنفسهم ورعاة تأسيسه أيضا.
وإدراك أعضاء المجلس الرئاسي لهذه الحقيقة تجعل من مهمة التوافق على أي قرارات أو تحركات حاسمة محل نقاش واعتراض، وربما رفض وإيقاف ومنعها من التنفيذ، وهنا تبرز أهمية التوفيق بين كل هذه المكونات المتعارضة في مشاريعها السياسية وغاياتها من التواجد في المجلس، رغم أن رعاة المجلس ومنشئيه والمتمثلين في السعودية لديهم غايات من وراء تشكيل المجلس الرئاسي اليمني.
فالرياض تسعى منذ حين إلى الجلوس مع الحوثيين والتفاوض معهم لإنهاء الحرب، وتسوية الأزمة السياسية في اليمن، ولهذا عمدت إلى لم شمل كافة القوى والمكونات المناهضة للحوثيين في قوام مؤسسة واحدة هي المجلس الرئاسي ليكونوا جميعا ندا واحدا في مواجهة الحوثيين متى ما لاحت فرصة للتفاوض معهم في سبيل تحقيق حل نهائي للحرب والأزمة.
لكن هذه المؤسسة الرئاسية الوليدة ما انفكت تعاني تصدعات وخلافات بين قواها ومكوناتها السياسية المتناقضة، دون أن تحقق رغبة السعوديين في توحيد جبهة الشرعية تمهيدا للجلوس في مواجهة الحوثيين على طاولة حوار واحدة، كما يجري الترتيب له حاليا في الرياض، وسط زيارة الوفد الحوثي للعاصمة السعودية.
وباعتباره رئيس هذا المكون الرئاسي، تقع على عاتق الرئيس العليمي مهمة التوفيق بين القوى والمكونات التي يتشكل منها المجلس، وربما كان تعيين شخص العليمي رئيسا لهذا المكون نابعا من كونه خبيرا بشئون القوى اليمنية، جامعا هذه الخبرة من خلال المناصب التي تقلدها منذ ما قبل الحرب في زمن الاستقرار، وحتى في زمن الحرب والأزمات الراهنة.
> المهمة الصعبة
يعتمد نجاح الرئيس العليمي على كيفية إدارة الأزمات التي تعصف بالمجلس، وليس فقط الأزمات التي ترزح تحتها البلاد، رغم أن أزمات القوى السياسية هي من قادت نحو أزمات ما زالت تعاني منها البلاد إلى اليوم، وهنا تبدو مهمة التوفيق والتقارب بين المكونات السياسية صعبة للغاية، لكنها ليست مستحيلة على الإطلاق.
فالعلاقة بين القوى السياسية اليمنية متداخلة ومتشعبة، وبالكاد يمكن فك التشابك فيما بينها، فهناك علاقة الإصلاح والمؤتمر المضطربة، وعلاقة كليهما المتوترة بالمجلس الانتقالي الجنوبي، ثم علاقة هذا الأخير الضبابية بالمكونات الحضرمية، واللافت في الأمر أن لكل واحد من هذه المكونات التي تشكل المجلس الانتقالي الجنوبي مشروعه السياسي الخاص، الذي يتناقض مع غيره من مشاريع المكونات الأخرى.
ومن تبدو مهمة الرئيس العليمي صعبة في لملمة شتات هذه القوى السياسية وتوحيد جهودها لتشكيل رؤية موحدة يتم من خلال طرحها على طاولة مفاوضات الحل النهائي في مواجهة الحوثيين؛ تمهيدا للسلام المرجو والمنشود، غير أن الخبرة التي يمتلكها الرئيس العليمي، ودرايته بمكنونات القوى والأحزاب السياسية اليمنية التي يتكون منها مجلس القيادة، نظرا لقربه من الجميع، ومعرفته بكواليس صناعة القرار خلال فترات السلم والخبر، أهله كل ذلك لأن يتولى المهمة رغما عن صعوبتها.
ولعل المراقبين يلاحظون مدى حجم العلاقة الجيدة بين العليمي ونوابه من زعماء وقادات القوى المشاركة في قوام المجلس الرئاسي، والتي لا يبدو عليها سوى الاستقرار والانسجام، وهو أمر مختلف عن طبيعة العلاقة بين القوى التي يمثلها كل طرف من هؤلاء القادة.
فإن كانت المكونات السياسية متناقضة في مشاريعها على مستوى القاعدة أو المستوى المتوسط من القادة، غير أن الرئيس العليمي استطاع الاحتفاظ بعلاقة متوازنة وجيدة للغاية مع كافة الزعماء من نوابه في المجلس، وعليه فإنه من خلال هذه الآلية يستطيع رئيس المجلس أن يوحد هذه الأطراف تحت بوتقة واحدة للمجلس الرئاسي في مواجهة الحوثي.
ومن المؤكد أن هذه القدرة على لم الشمل والتوفيق التي يتمتع بها الرئيس العليمي، جمعها من سني خبرته وقربه من مراكز صنع القرار، وهي ذاتها التي دفعته ليتواجد في سدة المجلس الرئاسي اليمني ويحظى بدعم الأشقاء في التحالف وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وبالتالي يمكن لهذا الدعم من دول التحالف العربي أن يقود نحو مساندة جهود العليمي في توحيد جبهة قوى الشرعية والمكونات المناهضة للحوثي.
فإذا كانت المهمة صعبة، إلا أن العليمي بخبرته ودراسته ومعرفته بوضع القوى اليمنية، بالإضافة إلى معاضدة التحالف العربي يمكنه أن ينجح في مهمة لمّ شتات وصراعات الفرقاء داخل كيان المجلس الرئاسي اليمني وتوجيهها نحو العدو المشترك الذي يتربص بالجميع، ولن يستثني أحدا لو استطاع الفتك بهم.
> التقارب مع الانتقالي
لا يمكن إخفاء مدى العلاقة المضطربة بين المؤتمر الشعبي العام من جهة والانتقالي من جهة أخرى، والعلاقة الأكثر سوءا بين حزب مثل الإصلاح والانتقالي، في المقابل، لا يمكن أن تخطئ العين مدى العلاقة الوثيقة بين الرئيس العليمي ونائبه في المجلس الرئاسي اليمني اللواء عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي.
فالعليمي في منصبه كرئيس للمجلس الرئاسي اليمني لا يمكن اعتباره ممثلا عن طرف سياسي كالمؤتمر الشعبي العام، حتى إن كان عضوا في اللجنة الدائمة بالمؤتمر، ولهذا فهو يقف على مسافة واحدة من الجديد، غير أنه على ما يبدو يدرك مدى حساسية القضية الجنوبية، ومحوريتها في مسار السلام اليمني، ولعل مرافقة الزبيدي العليمي في زيارته إلى الولايات المتحدة لحضور اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة تأتي في إطار هذه العلاقة القوية.
ما نريد قوله، إن الرئيس العليمي يحتفظ بعلاقات متوازنة مع كافة القوى السياسية اليمنية التي يتكون منها المجلس الرئاسي، ورغم اعترافه بوجود خلافات بين قوى المجلس، من خلالها تصريحات صحفية سابقة، إلا أن اعترافه بذلك لا يعني أنه غير قادر على تلافيها وتجاوزها، فمعرفة المشكلة والاعتراف بها أولى خطوات حلها، بل إنها دليل على قدرته في تجاوز كل تلك الخلافات وتوحيد قوى الشرعية.
وإذا استطاع العليمي في كسب ود الزبيدي والانتقالي وحتى أنصاره، من خلال اللغة المتوازنة التي يتحدث بها إعلام الانتقالي عن العليمي، فإنه بالمقابل باستطاعته تحقيق تقارب بين الانتقالي وبقية القوى السياسية الأخرى بما فيها الإصلاح والانتقالي، حتى يستطيع الجميع مواجهة الحوثي بقوة وصلابة.
> إدارة المفاوضات مع الحوثي
تدخل مليشيات الحوثي المفاوضات، سواءً مع السعودية في صنعاء، أو مع الحكومة الشرعية، وهي جبهة واحدة وبصوت واحد ومطالب موحدة وواضحة، وعليه فلا نجاح قد يكتب للشرعية في مواجهة الحوثيين خلال المفاوضات، وهي مشتتة المطالب ومبعثرة الرؤى.
ففي الوقت الذي يتحدث فيه الإصلاح أو المؤتمر عن استعادة الدولة والعاصمة صنعاء، سيذهب ممثلو الانتقالي والحضارم للمطالبة بالانفصال أو فك الارتباط، أو في أحسن الأحوال ضمان خصوصية كل منطقة من المناطق التي يمثلونها، وبالتالي فإن هذا التشتت في إدارة المفاوضات من المؤكد أنه سيؤثر على جبهة الشرعية كجبهة موحدة في مواجهة الحوثي، لصالح هذا الأخير.
غير أن توحيد الرؤى سيسهم إلى حد بعيد في بلورة مواقف موحدة تشعر الحوثي بضعفه وصغره أما القوى السياسية والحزبية التي يواجهها خلال المفاوضات، وما دون ذلك سيرجح كفة المليشيات الانقلابية على مكونات الشرعية رغم تعددها وتنوعها.
وفي حقيقة الأمر، فإن القوى التي تتكون منها الشرعية اليمنية بما فيها المجلس الانتقالي الجنوبي، بحاجة ماسة إلى مثل هذه الوحدة في المواقف والرؤى، لأنها ستقوى موقف كل طرف من الأطراف، خاصة في ظل تقبل القوى اليمنية الشرعية لمطالب الجنوبيين وضرورة معالجة القضية الجنوبية بشكل مُرضي وعادل للجميع، كما أن كل طرف من أطراف الشرعية بحاجة ماسة لهذا التوحد في المواقف والرؤى لتقوية مواقفه ومواجهة العدو المشترك.
وما على مكونات الشرعية، وحتى على الحوثيين، إلا الإنصات لصوت العقل بعد استمرار الحرب كل هذه السنوات العجاف، وتسببها بانتكاسات معيشية وإنسانية للسواد الأعظم والبسطاء من اليمنيين، وعدم القيام بأي محاولة لمعارضة ومقاومة عجلة السلام التي بدأت بالدوران بالفعل، لأن أي معارضة من هذا النوع ستجعل الطرف المعرقل منبوذا ومفضوحا أمام العالم بأسره، وفي مواجهة المجتمع الدولي برمته.