آخر تحديث :الثلاثاء-22 أكتوبر 2024-03:23ص
فن

نبيل الٱنسي.. العودة من الباب الكبير

الأربعاء - 29 مارس 2023 - 12:55 ص بتوقيت عدن
نبيل الٱنسي.. العودة من الباب الكبير
عدن ((عدن الغد)) خاص:

كان يمكن لنبيل الآنسي أن ينتهي كما انتهى الكثير من الفنانين، لو لم يأخذ فترة استراحة، مارس فيها حياته الطبيعية، متخففا من زحمة الأضواء التي تجبر الفنان على البقاء رهن تلك الشخصية الفنية، وتحاصره فيها. كانت هذه هي عودة الآنسي إلى ذاته. العودة إلى ما قبل البدايات، والاتصال بالأشياء الأولى التي شكلت شخصياتنا ورسمت ملامحها. اغتسال الروح في المياه الأزلية، وإعادة ولادة النفس من جديد. هي نوع من الصوفية العالية حيث يتجلى الصوفي على نفسه ويغسلها في مياه الغفران ويعود طفلا بلا خطايا. في محاولة للخروج من الشخصية الفنية التي رافقته طويلا في مسلسل همي همك بمواسمه السبعة. مما يجعل العودة صعبة، لاسيما في حال التلبس التام للشخصية والإنصهار الكلي داخلها. فربما تصبح العودة إلى الذات شبه مستحيلة. ويصبح الفنان محاصرا داخل شرنقته التي نصبها له مخرج ما. إذ لا يمكن الانتقال من شخصية فنية إلى أخرى بدون العودة إلى الذات.  فتقمص الشخصيات ليس بالأمر السهل ولا الخروج منها أيضا. يترك الفنان شخصيته هناك عند البداية. ثم عليه بعد انتهاء المسلسل العودة إليها، بأي طريقة. فهذه الشخصية هي جوهره الحقيقي، ذخيرته وعدته التي تمكنه من تقمص الشخصيات. فالفنان المبدع يمتلك شخصية جبارة وقادرة على التشكل. هو مزيج من شخصيات عدة. وفي كل مرة، يظهر الفنان جانبا منها ويوسعه لاحتواء الشخصية الجديدة التي يرسمها له المخرج. وبدون العودة إلى الذات، لا يستطيع الفنان تقمص شخصية جديدة. وهكذا يبدو الفنان اليمني فنان الشخصية الواحدة، الشخصية التي أصيب بها أول مرة، وفشل في الخروج منها، لأنه ببساطة لا يدري في أي مكان رمى بشخصيته الحقيقية. وربما لأنه لا يمتلك شخصية حقيقية أصلا. فيحمل تلك الشخصية الفنية معه من مسلسل إلى آخر، فهي لعنته التي سترافقه إلى آخر العمر.

يعتبر دكان جميلة أهم مسلسل يمني لهذا العام، فالجدية التي ظهر بها المسلسل متجاوزا الرتابة والتهريج ولو عند بعض الشخصيات، كل هذا يعود إلى الشخصية الجادة التي ظهر بها الآنسي، ويعكس تأثيره على المسلسل، فقد ظهر الرجل متجاوزا نفسه، وكأنه يؤدي دورا بطوليا في مسلسل عالمي.
هذا الرجل يمتلك شخصية قوية، ومؤثرة، فهو قادر على تحويل الآخرين إلى نسخ كربونية منه، فحين كان عليه أن يكون زمبقة حول الممثلين والمسلسل والجمهور أيضا إلى زمبقات، وحين أصبح عليه أن يبدو جادا حولهم كذلك. فهو البطل الذي يورط الآخرين في البطولة. الفيروس الذي ينخر في كل الأجساد ويستعمرها. إنه البطل الذي يرهق الأبطال في الركض خلفه. الغابة التي تورط الأشجار في التوغل. فالثقة والانضباط التي بدت ظاهرة على أغلب الشخصيات، لا تعكس لمسة المخرج، فهناك شخصيات أخرى تدور خارج السياق، ويبدو أنها لم تستوعب الظهور بجانب موهبة بحجم الآنسي. وهذا ما يؤكد غياب دور المخرج الذي هو غائب أصلا.

ولو كان للمخرج دور يحسب في المسلسل، فهو اختياره للآنسي، وترتيب عودته المفاجئة. فالدور الذي يلعبه الرجل اليوم يتجاوز كونه ممثلا إلى المثال، المثال الفني الذي يحاول الفنانون الاقتراب منه، ويبدو أن المشهد الدرامي في البلد يتحرك بشكل عشوائي، ويقترب الفنانون من بعضهم البعض ويبتعدون بكل اتجاه، لا ضوابط ولا أهداف لتحركاتهم. فلا يعرفون ما يريدون، وكأنهم لا يريدون شيئا. وما يعيشه الممثل اليمني اليوم هو حضور يستريح إلى غياب البطل. البطل الذي يصبح مثالا للبقية. وهذا ما يتوفر في شخصية الآنسي، فهو الوحيد القادر على تحديد الإتجاه. من هنا سوف نركض هكذا يصرخ بهم ويركضون خلفه. وعبره يحددون هوياتهم، ويعرفون ما يريدون. هو الشخص الذي يؤدي دورا بطوليا في جانب ما، ويصل به إلى أقصى درجات التوحد مع هذه الشخصية؛ حتى يصبح من الصعب تجاوزه لذا يستسلم له البقية ويتأثرون به. هذا هو المثال أو الرمز الفني، الذي لا وجود له في المشهد، وهذا ما ينعكس على شخصية البطل، فالبطل يبدو ناقصا، ولا يوجد سوى شخصية بطولية واحدة في البلاد، لذا يتنافس الفنانون في التهريج فقط. فالبطل لابد أن يكون كوميديا، كما تركه الآنسي قبل سنوات. والمثال يجب أن يكون مشعا، ومؤثرا، وحاد الذكاء، وهذا ما يتوفر في شخصية الآنسي. فهو البطل الذي يمكنه أن يكون كل الأبطال. وهو الوحيد القادر على منح الآخرين فرصا للصعود. إنه الخطوة الكبرى التي تحمل مئات الخطوات إلى أماكن لم تحلم بها من قبل.

كان لابد من عودة الآنسي إلى الظهور، لاكمال ما لم يستطع إكماله غيره في شخصية البطل. لتغيير صورة البطل في أذهان الفنانين، على الأقل. إنه انقلاب البطل على البطولة، وخروج البطل ضد نفسه. فها هو يرسم البطولة، بطريقة مختلفة، كما لم يعتادوها من قبل. إنه الممثل والمثال. يسبقهم كشعاع مصباح، ويحدد لهم الإتجاهات كالبوصلة. إنه الرمز الذي غاب عن المشهد، البطل الذي سيحاول البقية أن يكونوه. إنه النجم الذي يستمر بريقه لسنوات بعده. وهو الذي يستطيع إلغاء نفسه فقط. وها تأثيره قد بدا واضحا على غيره من الفنانين، الذين تقمصوه يوما ما في شخصيته السابقة، وتوقفوا عندها، باعتقادهم أن هذا هو البطل، وهكذا يجب أن يكون، بينما ذهب الرجل ليتجاوز نفسه. وصار عليه اليوم أن ينقذهم منه، ومن ماضيه الذي تركه فيهم. لذا يبدو أن عودته كانت ضرورية، وكأن الرجل عاد ليكفر عن أخطائه التي ارتكبها غيره.

زهير الطاهري - ريشة