آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-12:05م

ملفات وتحقيقات


بين سكن المرأة منفردة والقبر.. رحلة معاناة اليمنيات

الثلاثاء - 04 مايو 2021 - 03:12 ص بتوقيت عدن

بين سكن المرأة منفردة والقبر.. رحلة معاناة اليمنيات

تحقيق: جميل علي

ليس سهلا عليكِ التفكير في العيش بمفردك باليمن حينما تكونين فتاة، فالعادات والتقاليد التي تحكم الغالبية العظمى من المجتمع اليمني لم تتقبّل بعد أن تعيش المرأة منفردة في مسكنها، وليس يسيرا عليها الحصول على سكن خاص مهما كانت الدواعي. ستلاحقكِ نظرات الريبة والتشكيك في الأخلاق، وقد تصيرين في نظر كثير ممن حولك امرأة لا يتقبلها مَن حولها.

بكلمات تشوبها الدهشة والاستنكار، تقول الصحفية والباحثة صفاء ناصر: "وجدتُ نفسي مضطرة إلى مغادرة السعودية لمواصلة الدراسات العُليا في محافظة عدن، وعند وصولي إليها أقمتُ في السكن الجامعي. كنت حينها طالبة ماجستير. لم يكن الوضع سهلا هناك؛ إذ كنت أميل إلى العُزلة، وكانت تعقيدات الحياة المشتركة أصعب من أن أتحملها، فقررتُ ترك السكن المشترك والبحث عن شقة مستقلة. كان الأمر أكثر تعقيدا مما تخيلت. كان لا بد أن أجد من سيبحث لي عن شقة. طلبتُ مساعدةً من صديق أثق به. كان بحثه يواجه بالرفض حين يعلم صاحب المنزل أن المستأجر امرأة بمفردها، إلى أن وافق صاحب إحدى الشقق بعد جهد وبعد تأكيدات وتعهدات من صديقي من أن المستأجرة امرأة محترمة وضمانات بأنني لن أرتكب ما يُسيء إلى قدسية منزله".

تضيف صفاء: "بعد السكن كنتُ أجد نفسي في مواجهة مشكلات لا تنتهي: صعوبات التعامل المباشر مع الرجال من مؤجرين وعمال، وضرورة أن أكون متيقظة في تعاملي معهم كوني امرأة غريبة قادمة من السعودية، وهذا وحده كافٍ لتعرّضي لمحاولات استغلال الأعطال والإصلاحات وشراء الحاجيات. كل ذلك من دون أقل مساعدة من أحد".

بحسرة تسرتسل صفاء في حديثها قائلة: "في عدن أزمات متتابعة لا نهاية لها، مثل انقطاع الكهرباء ليوم كامل، وقد يرافق ذلك انقطاع شبكة الاتصالات، فكنتُ أجد نفسي في أحيان كثيرة أعيش عُزلة تامة بلا اتصال مع أي إنسان، وكنت لا أعرف عن العالم الخارجي شيئا، ولو توقفت المصاعب عند ذلك لهان الأمر، لكن نظرات الريبة والأسئلة لا تنتهي من الجيران: ماذا جئتِ تفعلين هنا؟ أين أهلك؟ لماذا لستِ متزوجة؟ لماذا تسكنين بمفردك؟ لماذا لا تسكنين برفقة صديقات؟ وكأن سكني بمفردي خطيئة يجب أن أتوب عنها.

وتختتم صفاء حديثها قائلة: "قد يكون عيش امرأة بمفردها مرادفا للتحرر، لكن الأمر ليس نزهة. إنه منهك أكثر مما يُظن، وهو اضطرار لا اختيار. بعد كل المصاعب قررت العودة إلى السكن الجامعي مهما كان الأمر، فبعض الرفقة تخفف من صعوبات الحياة".


تجربة مؤلمة

الناشطة قبول العبسي أيضا عاشت تجربة مريرة في صنعاء وخارج اليمن، تقول العبسي: "أجبرتني الظروف على العيش بمفردي مع اثنتين من شقيقاتي بعد أن قُتل أخي الصحفي محمد العبسي ومات أبي وشقيقي الأكبر، وبعد مضايقات كبيرة واجهتها مع أخواتي في صنعاء حيث كنت أعمل، تركت اليمن وغادرنا إلى مصر".

تسترسل العبسي في حديثها: "واجهتني صعوبات كثيرة وصعبة وقاسية جدا في مهمة البحث عن السكن؛ إذ كان يجب أن نبحث عن مكان آمن لأننا نساء، وقد واجهنا مضايقات من شباب في الحي الذي كنا نسكن فيه، ثم عاودنا البحث عن سكن آخر، وعشنا الوجع نفسه، ومع تعاظم صعوبات العيش بمفردنا، فكرت في أن الرحيل من اليمن سيكون حلا، لكن الغربة كانت صعبة، وزادها صعوبة أننا نساء".

تواصل العبسي سرد معاناتها: "حتى خارج اليمن في مصر، كان المؤجرون يخشون أن يؤجروا لنا، لأننا نساء ويريدون ضمانا وشخصا ضامنا، ثم واجهتني صعوبات منها أننا تعرضنا لمضايقات انتهت بتقديم شكوى في قسم الشرطة. تحمّلت أعباء الحياة خارج المنزل وداخله. بحثت كثيرا عن فرصة عمل للعيش. جرّبت كثيرا من الأعمال، وذهبت إلى كثير من المحلات، ولم أفكر إلا أن أجد عملا، وبعد عام من الإحباط وجدت كثيرا من اليمنيين يعانون".

للممرضة أمل محمد (حاصلة على دبلوم تمريض ممرضة وبكالوريوس محاسبة) تجربة مريرة؛ إذ تذكر أنها وجدت نفسها مجبرة على العيش بمفردها، فقد تُوفيت أمها، وتزوّج والدها امرأة ثانية، وعاشت هي وأخواتها معه عامين بصعوبة بالعة، ثم تركت عدن وسافرت إلى صنعاء، وعاشت وحدها عامين في حياة قاسية، ثم انتقلت إلى عمل آخر يعود عليها بدخل لا بأس به، فجاءت بأخواتها من حضرموت، والتحقن بالدراسة الجامعية، وبعد إتمامهن الجامعة اضطررن إلى العودة إلى حضرموت، واشتغلن في أعمال عدة إلى أن تزوجن، ثم تركت أمل حضرموت وعادت صنعاء.

تقول أمل عشتُ وما زلت أعيش حياة صعبة، ولا أتحفظ عن ذكر أنه كانت تمر عليّ أيام بلا أكل، وإذا أكلتُ فإني آكل في اليوم وجبة واحدة فقط، وبصعوبة بالغة أوفر الإيجار مع صديقتي بالسكن".

تضيف أمل: "مرضتُ خلال فترة سكني وحدي قبل التحاق صديقتي بالسكن معي، وبقيت عدة أيام ثم ازدادت حالتي سوءا، حتى وصلت إلى مرحلة لم أعد أستطيع فيها الوقوف. حينها اتصلت بزميلة لي في المستشفى، وهي متزوجة وتملك سيارة، فجاءت وأخذتني إلى المستشفى، فكان الزملاء والزميلات مستغربين مما وصلت إليه من نحول وتدهور في الصحة".

وعن الفاقة التي تعيشها يمنيات قررن أو وجدن أنفسهن أمام اختبار العيش منفردات، يوضّح خليل غلاب -وهو مالك مخبز بالعاصمة صنعاء- أن فتيات كُن يدرسن بالجامعة، ويسكنّ بالقرب منه في سكن منفرد استأجرنه، وبعد مرور فترة لا تتجاوز شهرين، جاءت فتاتان وانتظرتا حتى خلوّ المكان من الزبائن، وبادرت إحداهن بعرض رهن خاتم من ذهب، مقابل عدد من رغيف الخبز ومبلغ ألف ريال يمني، لشراء حاجيات أخرى لتناولها مع الخبر. بحزن ووجع يذكر خليل أنه رفض أخذ الخاتم، ومنحهن الرغيف والمبلغ، وأكد عليهن أن يأتين في أي وقت لأخذ رغيفهن، فقد كان شكلهن مرهقا ويبدو على وجههن كثير من التعب، وكأنهن لم يتناولن طعاما منذ أيام.

يضيف: مع مرور الأيام صرن يثقن به، وأخبرنه بأنهنّ يوم جئن لرهن الخاتم كُن مكرهات، فقد مرّ عليهن يومان من دون تناول شيء، فقد نفدت نقودهن وتأخر أهاليهن في إرسال المصاريف بسبب تعقيدات التحويلات من خارج اليمن.

ينهي خليل حديثه قائلاً: "أنا أب لطفلة عمرها 9 أعوام وطفلين من الذكور، ولذلك غرقتُ في وجع لا نهاية له، وتخيّلتُ ابنتي مكانهن، وتحدثت مع زوجتي عنهن، فكان ردها سارا؛ إذ طلبت التعرف عليهن، وحصل ذلك، وكانت زوجتي تتصل بهن على الدوام، ويأتين إلى منزلنا وتعمّقت صداقتهن".


تصرفات مشينة

ويُعد موقف خليل نادرا في حالة كهذه، فهناك أقارب على النقيض من ذلك، كما هو الحال مع فاطمة علي، وهي أرملة تعيش بالعاصمة صنعاء. بمرارة تحكي فاطمة علي: "بعد رحيل زوجي ورفض أسرتي وأسرة زوجي العيش معهم، وجدتُ نفسي مضطرة إلى السكن مع أطفالي الثلاثة. شرعتُ بالبحث، فواجهتُ تصرفات مشينة من كثير من أصحاب مكاتب تأجير السكن؛ إذ احتفظ بعضهم برقمي، ومع حلول الليل تبدأ محاولات التواصل معي، فأضيفهم إلى قائمة الحظر وأغلق تلفوني، وعند فتحه لاحقا أجد رسائل من أرقام أخرى وصورا ومقاطع فاضحة، مما اضطرني إلى تغيير رقمي"، وتختم كلامها: "لا أعرف ما الذي يجعل مَن تتعاملين معهم بصفتك امرأة وحيدة يظنون أنك فريسة سهلة تشبع رغباتهم!".

ولا يختلف الأمر مع تهاني قائد، وهي مطلقة وأم لطفل وموظفة لدى القطاع الخاص، إذ تقول: "بعد طلاقي لم أتحمل ازدراء أسرتي لي جراء طلاقي، فقرّرت العيش مع طفلي، وبعد عناء ومضايقات، وأخذ مكاتب العقارات بالعاصمة صنعاء مبالغ تصل في الإجمالي إلى ما يعادل 300 دولار أميركي بدواعٍ متعددة". تصمت تهاني للحظات وتقضم أظافرها تعبيرا عن استنكار ما تعرضت له، ثم تواصل حديثها: "يئست من مكاتب العقارات، واستعنت بزميلات، وبعد عناء وجدت شقة لا بأس بها، لكن ما لم أتوقعه هو أن يأتي صاحب الشقة بعد أيام ليطرق الباب مساءً طالبا الدخول لمعاينة الشقة. سألته باستغراب: ما الذي يمكن أن يكون قد حدث للشقة خلال أيام؟ وأضفت: إذا حدث أي خراب فيها فأنت معك تأمين إيجار شهرين. كان ردّه بالإيحاء "لا تعملي نفسك شريفة"، وأضاف بصريح العبارة: "خلينا نسعد بعض، وبعدين ليش خائفة؟! ما عاد في شيء تخافي عليه، خلاص أنتِ مطلقة مش بكر، لتخافي على فقد البكارة".

تختتم تهاني حديثها: "حينها لم أتمالك نفسي، وصرخت بصوت عالٍ فتجمّع الجيران، وتضيف بدهشة: أنكرَ مالك المنزل ما قلتُه، وصدّقه الجيران في أني امرأة سيئة لأني أعيش بمفردي، وكانت النتيجة أن أعطاني الجيران مهلة شهر لمغادرة السكن!".


وصلت القضية إلى القسم

ومثلما حدث مع الناشطة قبول العبسي مِن تحرّش من شباب الحارة حتى وصلت القضية إلى قسم الشرطة، حدث مع إلهام عادل، وهي متزوجة ولديها طفلان، وزوجها مغترب في بلد عربي. تقول إلهام: "بسبب الحرب والحصار في محافظة الحديدة، اضطرت للنزوح إلى العاصمة صنعاء، والبحث عن سكن، وكانت أكبر معاناتي مع مالك بقالة لبيع المواد الغذائية. شرع في التغزل بي فكنت أتغاضى، وهو ما جعله يتمادى حتى باغتها في مساء أحد الأيام بطرق باب شقتها المستأجرة، وبكل تبجح طلب منها الدخول للسهر معها أو تسليم دين عليها لا يتعدى ما يساوي 50 دولارا".

تضيف إلهام بعصبية: "فقدت أعصابي. نزعت خاتم الزواج ورميته في وجهه، قائلة: روح بيعه بحقّك الدين، ثم أبلغتُ عاقل الحارة، وعمل لي بلاغا إلى قسم الشرطة، وفي القسم وجدت نفسي أمام استغلال ثان، فلكي يحضروا الخصم يجب أن أدفع لهم".


استغلال

يؤكد حاتم القاضي -وهو وسيط لدى مكاتب عقارات بالعاصمة صنعاء- أن النساء اللائي يبحثن عن سكن للعيش بمفردهن يتعرضن لاستغلال من قبل أصحاب مكاتب الإيجار؛ إذ يطلبون مبالغ مالية، مقابل التسريع في إيجاد شقة.

ويضيف القاضي: لا يوجد ما ينظم تأجير العقارات في اليمن، فإلى الآن لا يوجد قانون ينظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر والوسيط بينهما، يُضاف إلى ذلك غياب السلطة الضابطة، وهو ما يزيد من تعقيد المشكلة، ويجعل الباحثين عن سكن رجالا ونساء عرضة للابتزاز، وإن كان وضع النساء يظلّ الأسوأ؛ إذ يتعدّى الأمر عملية الابتزاز المالي إلى التحرش والمضايقات، والحكم على المرأة التي تبحث عن سكن للعيش بمفردها بأنها متجرّدة من الأخلاق وبإمكان أي شخص أن يظفر بها، ويستدرك القاضي: ليس كل مكاتب العقارات كذلك، ولكن تستطيع القول كثير منها كذلك".


مبررات واهية

أكّد مُلاك مكاتب عقارية بالعاصمة صنعاء (اشترطوا عدم ذكر أسمائهم) أن نسبة العنصر النسائي الباحث عن سكن منفرد تراجعت منذ بدء الحرب، وقدّروا ذلك التراجع بحوالي 30% عما كان عليه قبل الحرب، وقد عزوا سبب التراجع إلى مضايقات جماعة أنصار الله (الحوثيين) على سكان العاصمة صنعاء عامة، وخصوصا النساء اللائي يسكن بمفردهن، وذلك لدواعٍ أمنية وأخلاقية كما تبرر الجماعة.

ولفتوا إلى أن الجماعة وضعت قيودا على إيجارات المساكن وفرضت مشرفين يتردّدون على مكاتب العقارات في العاصمة صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرتها، كما عمّمت على عُقال الحارات توجيهات شفوية تُلزمهم بالتحري عن أي مستأجر جديد، وكل عاقل مسؤول عن حارته، وشدّدت على منع تأجير السكن للمرأة المنفردة، إلا لدواعٍ اضطرارية مثل الدراسة في الجامعة، وهذا أيضا يستوجب حضور أو موافقة خطية موقّعة أو معمّدة من وليّ الأمر، وفي حال عدم وجود ولي الأمر، تبقى المرأة تحت الرقابة وكثيرا ما تأتي الزينبيات (فرق أمنية نسائية تابعة لأنصار الله) ويقمن بتفتيش الهواتف والبحث في الرسائل والدخول إلى حسابات شبكات التواصل الاجتماعي.

وأوضحوا أن توجيهات صدرت لهم من جماعة أنصار الله بعدم التأجير لفئة الناشطات والصحفيات في العاصمة صنعاء، إلا بعد إبلاغ الجهة الأمنية في المنطقة للتحري حول الراغبة باستئجار سكن للعيش بمفردها.


بلاغات ظالمة

ذكرَ عُقال حارات بالعاصمة صنعاء (لدواعي السلامة اشترطوا عدم ذكر أسمائهم) أنهم تلقّوا تعليمات بالتحري عن كل سكن لفتيات بمفردهن، ولأن كثيرا من عُقال الحارات بالعاصمة موالين لجماعة أنصار الله، قُدّمت بلاغات ظالمة على فتيات يسكنّ بمفردهن، وعلى إثر ذلك دُوهمت مساكنهن من الزينبيات وتعرضن لاعتداءات وحشية ضربا وتشنيعا ومصادرة لمجوهرات ونقود وهواتف وأجهزة كمبيوتر، واقتياد إلى أقسام الشرطة والسجون، ووجّهت لهن تُهم بالتخابر مع جهات خارجية.


إهانات وتهديدات ومصادرة

وتذكر صحفيات وناشطات يسكن بمفردهن أجبرتهن الظروف على البقاء بالعاصمة صنعاء أنهن يتعرضن ما بين فترة وأخرى لمداهمات سكنهن من الزينبيات وتفتيش هواتفهن، ويتلقين إهانات وتهديدات بالسجن إذا لم يُفصحن على كيف يعشن ومن يقدم لهن المال ليعشن، هذا مع أن بعضهن تركن العمل الإعلامي ومثلهن ناشطات لم يعدن يمارسن أي نشاط، وبعضهن اضطررن للعمل في محلات تجارية.


تلاشي روح المجتمع العدني

وعن موقف الأسرة والمجتمع اليمني في سكن المرأة بمفردها، يقول الناشط الشبابي عبده زبد المقرمي: "في المجمل هذه القضية غير مقبولة  لدى السواد الأعظم من المجتمع اليمني، حتى في محافظة عدن، حيث كانت العادات والتقاليد لا تقيد أنماط العيش الذي يختاره الأفراد؛ إذ يُعد مجتمعا حضاريا لا تقيده أساليب العيش التي تتقيد بها القبيلة، لكن اختلاط هذا المجتمع بمزيج من سكان آخرين ينحدرون من أُطر قبلية قدموا إلى عدن – قد أثّر في تركيبة المجتمع العدني، يُضاف إلى ذلك توسع انتشار التيار السلفي وما رافق ذلك من مظاهر أخرى؛ مثل منع الشباب من السباحة في سواحل البحر حيث العوائل، وصولاً إلى مطالبة أزواج بورقة عقد الزواج عند التنقل على سياراتهم الخاصة.

ويؤكّد عبد الله قائد جميل -وهو رب أسرة مكونة من ابنين و3 بنات- أنه لا يُمانع شخصيا إن قررت بناته السكن بمفردهن، لكنه يخشى ردة فعل أقاربه والمجتمع المحيط به، فقد يقاطعه الغالبية ممن حوله وخصوصا الأقارب، وسيصبح في نظرهم متجرّدا من الأخلاق، وسوف تتوتر علاقته مع أسرة زوجته المتشددة في التدين، وقد يتطور الأمر إلى إرغام زوجته من قبل أسرته على طلب الطلاق.

فيما يذكر أحمد طاهر ثابت -وهو أب لولد ذكر وفتاه- أنه شخصيا لا يهتم بالمجتمع ولن يمانع إن قررت ابنته السكن بمفردها، وسيظل يتفقدها ويسندها ما دام أنها تريد بذلك تحقيق ذاتها، مع تأكيده أنه سيدفع ثمن ذلك خسارة طيف واسع من الأقارب والأصدقاء، وأنه سيقبل ذلك بدلا من حرمان ابنته من تحقيق ذاتها.

ويختلف الأمر مع هزاع أمين، وهو أب لفتاة و5 ذكور. يقول هزاع: "لا أقبل حتى مجرد أن تناقشني ابنتي بفكرة السكن بمفردها، فالشرع الإسلامي والعادات والتقاليد والأخلاق لا تقر بأن تسكن المرأة وحدها مهما كانت المبررات، فالمرأة ليس لها بيت أبوها أو زوجها أو القبر".

ويشير فهد حسن -وهو اختصاصي في علم اجتماع- إلى أن العادات والتقاليد المتوارثة في المجتمع المدني طغت على السلوكيات وألغت الحقوق، فكثير من الأسر اليمنية ترفض أن يستقل أبناؤها في السكن بمفردهم وإن تزوجوا وأنجبوا أطفالا وصاروا مستقلين ماليا، فكيف سيكون الحال بالمرأة التي ما زال ينظر إليها الغالبية بأنها "عار"؟!

ومن وجهة نظر قانونية، يذكر المحامي عماد أحمد القدسي أن سكن المرأة بمفردها مسألة اختيارية، ولها كامل الحرية في ذلك طالما أنها قادرة على القيام بمسؤوليتها. ويستدرك: "لكن عُرف العادات والتقاليد اليمنية ألغت القانون، ولذلك نادرا ما تجد قضية في المحاكم بهذا الخصوص، وإن وجدت قضية فستكون نهايتها "المرأة ما لها إلا بيت أبوها أو بيت زوجها أو القبر"، والقضايا التي توجد في هذا الشأن تكون لامرأة مطلقة أو أرملة ضاق بها الحال من العيش في كنف أسرتها أو أسرة زوجها المتوفي".

واستشهد القدسي بقضية "سميحة الأسدي" التي أرادت أن تختار الرجل الذي اتفقت معه على الزواج، فكان مصيرها أن ذبحها شقيقها وهي في المحكمة أمام القاضي، وذلك بتاريخ 9 إبريل 2018، وما كان من المحكمة إلا الحكم بعدم القصاص من الشقيق، لأن الشرع جعل للوالدين حق الإعفاء عن ولدهم، رغم قتله شقيقته ظلما وعدوانا. فإذا كان مصير سميحة الذبح أمام القاضي؛ لأنها طلبت الزواج من الرجل الذي اختارته، فكيف إذا منعها أهلها من استقلالية السكن، ورفعت قضية ضدّهم؟! قد يكون مصيرها مماثلا، والقانون اليمني يعاني من ثغرات تتيح للرجل قتل الأنثى من أسرته تحت مبرر حق أولياء الأمر في الدفع بعدم القصاص والعفو على القاتل، وهو ما يسيء إلى المجتمع".


لا مانع شرعي

ومن الناحية الشرعية، كما يقول إمام جامع التوحيد في منطقة مذبح بصنعاء، الشيخ عبد الفتاح العديني: "إن سكن المرأة وحدها لا مانع فيه إذا أمِنت على نفسها وعلى ولدها ولم تخش من المشاكل أو الإيذاء أو التعرّض من أهل الفساد أو حصول محظور كخلوة بأجنبي، وقد ذكر ابن حجر الهيتمي أن المرأة سكنت مع أجنبي في حُجرتين، أو في علو وسفل، أو دار وحجرة، بشرط أن لا يتّحدا في مرفق كمطبخ أو خلاء أو ممر أو سطح. فإن اتحدا في واحد مما ذكر، حرُمت المساكنة، لأنها حينئذ مظنة الخلوة المحرمة".


تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر الذي ينفذه مركز الإعلام الثقافي CMC