آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-12:22م

ملفات وتحقيقات


(تقرير) يبحث في ما أنتجه غياب الدولة في عدن والمحافظات الجنوبية من احتدام الصراعات القبلية والمناطقية

الأحد - 11 أبريل 2021 - 10:52 ص بتوقيت عدن

(تقرير) يبحث في ما أنتجه غياب الدولة في عدن والمحافظات الجنوبية من احتدام الصراعات القبلية والمناطقية

(عدن الغد) خاص:

كيف تسبب غياب الدولة بغرق عدن في الصراعات المناطقية والقبلية؟

أين أبناء عدن (اللا قبليون) من هذه الصراعات؟

من أعاق حضور الدولة ومن المسؤول عن هذا التفكك المجتمعي.. الشرعية - الانتقالي - التحالف؟

هل يمكن أن يدمر هذا التمزق القبلي أي توجه لانفصال الجنوب؟

غياب الدولة إلى متى؟

تقرير / صديق الطيار:

تسبب غياب الدولة في عدن والمحافظات الجنوبية بالعودة لمرحلة ما قبل الدولة، وتمترس أبنائها خلف عشائرهم وقبائلهم ومناطقهم.

وخلال السنوات الماضية مع تصاعد حدة الأزمة في عدن والمحافظات الجنوبية بين الأطراف السياسية المتصارعة سعت تلك القبائل والعشائر الجنوبية إلى الانخراط في المشاريع السياسية، بهدف حجز مكان لها ضمن التركيبة المستقبلية، في ظل اعتقاد بتهميش دورها طوال الفترة الماضية.

وعلى الرغم من الدور الإيجابي الذي تؤديه القبيلة كونها تؤمن نوعا من التضامن الاجتماعي بين أبنائها على مستويات مختلفة في الكثير من الأحيان، إلا أن هناك نواحيَ سلبية أنتجها هذا التضامن والذي أدى إلى التعصب ومن ثم التنافس، وبالتالي الدخول في دوامة المعارك والصراعات.

ويهدد الواقع الحالي لعدن والمحافظات الجنوبية بخطرٍ قد يذهب أبعد من إعادة الدولة بل هو يهددها بالعودة إلى مرحلة ما قبل الدولة. ويلوح هذا الخطر بعدما باتت جميع أطراف الصراع الجنوبي من الشرعية والمجلس الانتقالي المسيطرة بحكم الأمر الواقع على المحافظات الجنوبية والمناطق المحررة، تلجأ إلى استنهاض العصبية القبلية والتمترس خلفها، سواء في مواجهة بعضها البعض، أو حتى في المواجهات والمنافسة داخل تلك الأطراف ذاتها، مع اختلاف الأساليب المتبعة.

القبيلة تملأ الفراغ

محللون سياسيون يرون أنه عندما تضعف الدولة يصعد دور العصبية القبلية والمناطقية لتملأ القبيلة الفراغ.

وأكدوا أن القبيلة أصبحت هي الأقوى، لكونها الملجأ الآمن لأبنائها أو للسكان في ظل عدم وجود حكومة مركزية قوية تستطيع أن تدير زمام الأمور السياسية والعسكرية والأمنية.

وبينوا أن قوى إقليمية تعمل على تفتيت القبائل من خلال سياسة تجزئة المجزأ في المحافظات الجنوبية، ومن خلال سياسة "فرق تسد"، داخل القبائل نفسها لسهولة السيطرة على الجغرافية والسكان.

وأوضح متابعون للشأن اليمني أنه لوحظ خلال الأعوام الستة الماضية ارتفاع حدة العصبية القبلية وشهدت العديد من المناطق الجنوبية نزاعات وحروبا "قبلية"، بسبب توزع الولاءات القبائلية والمناطقية بين أطراف الصراع، كون الكثير من القبائل والمناطق منقسمة في ولائها بين الأطراف المتحاربة.

اللجوء للقبيلة للحماية

من جهتهم يرى سياسيون وباحثون اجتماعيون أن الصراعات القبائلية في المحافظات الجنوبية كان لها تاريخيا بنى اجتماعية انتمائية تقليدية تعود إلى ما قبل الدولة المعاصرة (دولة القانون)، وقد استمر وجودها منذ الاستقلال وحتى اليوم.

ويشيرون إلى أن البنى الاجتماعية القبائلية الجنوبية في عدن خاصة برزت بسبب انعدام الدولة وغياب دور مؤسساتها عن القيام بوظائفها وأهمها "القضائية"، حيث يضطر المواطن للبحث عن بنى اجتماعية تحميه أمنيا واجتماعيا، وحتى معيشيا. وأكدوا أن ما زاد هذا التوجه هو الفشل في تفعيل دور مؤسسات الدولة أو إيجاد مؤسسات محلية بديلة تقدم الخدمات الضرورية للمواطنين، بل الحاصل هو العكس من ذلك بازدياد وتيرة الانتهاكات لحقوق الغير بناء على الانتماء والمناطقية، إلى جانب انتشار الجريمة والفوضى الأمنية بشكل عام.

طغيان الانتماء القبلي

طغت الانتماءات القبلية في عدن والمحافظات الجنوبية وتعالى صوت العرق حتى أنه أصبح مؤثرا بشكل ملفت حتى على الهوية الوطنية والاستقرار الاجتماعي.

فقد فاقت الكثير من الأعراف القبلية على قوانين وأنظمة المجتمع، وأصبح الانتماء القبلي هو سيد الموقف في العديد من قضايا مجتمعنا حتى أنه بات محكا مهما في علاقاتنا وإنجاز معاملاتنا اليومية.

ويفسر باحثون اجتماعيون طغيان هذه الانتماءات القبلية والمناطقية وامتدادها في عدن وما جاورها، حيث يشيرون إلى أنه لا يمكن فهم هروب المجتمع في عدن نحو القبيلة سوى انعدام أي أفق لوجود الدولة ومؤسساتها المدنية وفشلها في تكوين تواصل حقيقي بينها وبين المجتمع يجعل الفرد يركن إليها، ويطمئن في الانضواء في كنفها.

محاضن مدنية غائبة

وأكد محامون قانونيون أن نزوع المجتمع العدني والجنوبي بشكل عام إلى الانتماءات القبلية والمناطقية هي مؤشر على عدم وجود محاضن مدنية تعزز الانتماءات المطلوب توفيرها للمواطن.

 مشيرين إلى أن خطر الانتماءات الضيقة سوف يؤثر حتما على لحمة الوطن والاعتزاز به والانتماء إليه.

وأضافوا أنه كلما توفرت البدائل الحضارية كمؤسسات المجتمع المدني فإن المواطن سوف ينخرط في ظلها، وإذا تم تغييب هذه المؤسسات المدنية فإنه حتما سوف ينزع ويرجع إلى الانتماءات القبلية التي تخلت عنها المجتمعات المتقدمة.

مؤكدين أن أي مجتمع تغيب فيه سلطة الدولة وهيبتها ولغة القانون والنظام فإنه لا محالة سوف يكون عرضة للصدام الحضاري والاختلاف.

طرف ثالث (لا قبليون)

وأمام كل ذلك، يقف طرف ثالث "اللا قبليون" الذين يتركز وجودهم في مدينة عدن في موقع المتفرج على هذا المشهد المعقد ولا يعنيهم هذا الانتماء بالمطلق، وهم مدركون أن لا منقذ لهم ولدورهم، سوى الدولة المدنية التي تنتفي في ظل وجود كل هذه الانتماءات القبائلية والمناطقية.

أطراف خارجية

ويتهم ناشطون سياسيون في عدن بعض الأطراف، المتحكمة بالمشهد السياسي، بالعمل على إحياء وإذكاء الصراعات المناطقية والقبلية بين أبناء المحافظات الجنوبية.

 مؤكدين ان تلك الأطراف تسعى إلى خلخلة وتفكيك المجتمع الجنوبي من خلال اللعب على وتر المناطقية.

وأشاروا إلى أن هذا الوباء استفحل بشكل مخيف خلال السنوات الماضية نتيجة انحراف بوصلة تلك الأطراف عن أهدافها الحقيقية التي جاءت من أجلها، وسعيها للفتك بجهاز الدولة ومنعها من مكافحة النعرات المناطقية والقبيلية قبل استفحالها، "في إذكاء مبتكر للصراع القديم المنهك"، وفق قول البعض.

وعملت بعض الأطراف الخارجية على تطعيم الجغرافيا الجنوبية لليمن بالمناطقية لإحياء النعرات التاريخية غير عابئين بما ينتج عن ذلك من تدمير للنسيج الاجتماعي وصراعات لن يكون أحد بمعزل عنها، وقد تمتد لسنوات طويلة، وتنتقل إلى المكونات الأساسية للمجتمع والقبائل في جنوب اليمن.

صراعات ممتدة

ويؤكد مراقبون أن ذات الخلافات وأسبابها التي حالت دون استقرار الجنوب في الماضي، تعود اليوم، مضاف إليها العديد من العوامل الإقليمية والدولية، المساهمة في بقاء الوضع على حاله، وتغذي هذا الصراع، غير أن الكثير من تلك العوامل في الماضي والحاضر قد تكون متشابهة.

فالمشيخات التي تجاوزت عشرين مشيخة وسلطنة، لم ينجح حتى المشروع الاستعماري "اتحاد الجنوب العربي" في جمعها كلها تحت إطار واحد، حيث تشير أدبيات تلك الحقبة ووثائقها إلى اختلاف نشب في بداية تأسيس ذلك الكيان، حول أحقية من يرأس الاتحاد.

وهذا الخلاف يبدو أنه انسحب على كل المراحل السياسية للجنوب، حيث كانت الرئاسة والسلطة والقيادة هي محور الصراع الذي امتد منذ عقود طويلة، ومازال قائماً حتى اليوم، بحسب ما رجحه محللون.

كان هذا أحد الأسباب التي اقترحها المؤرخون حول أسباب استمرار الصراع وجذوره في هذه المنطقة المهمة من العالم، والتي لم تغادرها النزاعات، وضربتها الاضطرابات دون أن يكون لها حد.

ويعتقد مؤرخون أن المحتل البريطاني هو من كان يقف خلف هذه الصراعات، بل وسعى إلى ترسيخها من خلال تقنين عملية التشظي، وترسيم حدود بين القرى المترامية لتقطيع أوصال الجنوب، والحفاظ على التفرقة بين أبناء المنطقة الواحدة.

غير أن الكثير من الموثقين لتاريخ الجنوب، يرى أن المحتل البريطاني لم يكن هو السبب الوحيد في هذا التشظي الذي بلغ مبلغاً عميقاً، بل أن الإنجليز لعبوا على التفاصيل التي خبروها عن طبائع المنطقة وأهاليها، وبنوا عليها خططهم التقسيمية والمُفرقة لوحدة المنطقة.

حتى أن مشروع "اتحاد الجنوب العربي" (1958)، رفضته كافة القوى السياسية الوطنية في الجنوب حينذاك، حتى النقابات العمالية والحركات الطلابية والنسوية، واستمرأته النخبة الحاكمة من السلاطين والمشايخ والأمراء المستفيدين من المشروع؛ رضىً منهم بالاحتفاظ بما تحت أيديهم من إمارات وسلطنات تكرس سطوتهم الإقطاعية، ورفضاً منهم للاندماج الكامل مع نظرائهم من إقطاعيات ومشيخات مجاورة.

فالمناطقية كانت قد تغلغلت جذورها في نفوس بعض الجنوبيين، ممن استطاعوا الوصول إلى السلطة والحكم، ونجحوا في تكريسها كسياسة واقعية.

وربما كانت تلك المناطقية العميقة هي التي نشاهدها اليوم، ماثلة أمامنا، وهي من تسببت بكل هذا الصراع المستمر.

مصير مشروع استعادة الجنوب

الخريطة الجنوبية اليوم مليئة بعوامل التشظي الذي فرضه تاريخ الجنوب، وألقى بظلاله على حاضر اليوم، بل وتحكم في مصائر من يقود المنطقة.

فالخضوع للخارج ما زال قائماً، وانتهاج نفس النهج الذي اتخذه الأقوياء المحيطون بنا ممن يديرون شئوننا، يشابه ما كان قد مضى.

وبنظرة فاحصة على الجنوب، يتضح مدى الانقسام الحاصل في الجنوب اليوم، فالمهرة في وادٍ مستقل، وحضرموت تغرد خارج السرب وتحاول أن تصنع مشروعها الخاص بها، بينما تمضي شبوة في دربها التنموي والاقتصادي الفريد الذي لا

مثيل له في الجنوب اليوم، فيما تتجاذب أبين الانقسامات، وتنشغل لحج والضالع بولاءات مناطقية بحتة.

لكن الكارثة الكبرى هو ما تعيشه مدينة عدن من تردٍ على مختلف المستويات الاقتصادية والخدمية والمعيشية، بعد أن دفعت ثمن الصراعات خلال العقود الماضية، وها هي تدفعها اليوم بتكلفة مضاعفة.

وليس هناك ما هو أكثر كلفة من عقود الصراعات الدامية التي عصفت في الجنوب، والتي نراها متجسدة في جبهة أبين خلال المشهد الراهن، حيث يتقاتل الجنوبي مع الجنوبي، بينما الشعارات المرفوعة تتحدث عن مشاريع سياسية لا أساس لها، سوى مزيد من إضعاف الجبهة الداخلية للجنوب.

فالتكلفة باهظة ومكلفة جداً، من نسيج مجتمعي ممزق، ودماء أبرياء تسفك، وأجيال تتشرب الثأر والحقد والكراهية، دون أن يكون هناك أفق جديد تنتهي إليه كل هذه المآسي.

أمل مفقود

يرى مراقبون أن الأمل الوحيد لتجاوز كل هذه السوداوية من المشهد الراهن هو أن يستلهم الجنوبيون التجربة من الماضي، ويستفيدوا من إخفاقاته، ويعتبروا مما قد مضى، ويلملموا جراحاتهم ويقفزوا على ثارات تاريخية لن تبني حاضراً ولا مستقبلاً، فالوحدة الجنوبية مطلوبة في هذه اللحظة من تاريخ هذه المنطقة الهامة.

كما ان الأمل يكمن أيضا في تقديم مشروع حقيقي تستلهمه الأجيال القادمة، يحمل معالم اقتصادية واجتماعية وفكرية خاصة بمنطقتنا وتناسب هويتنا، ومادون ذلك من التجارب المجربة لن يكون سوى تكرار للفشل.